كلّما غرقنا في بحر كلمة الرّبّ، وسرنا نحو العمق، ارتفعنا وسمونا نحو مستوى الكلمة. وكلّما جذبتنا أغوارها وجلنا في حناياها أدركنا مفهوم إنسانيّتنا وثبتت خطانا في مسيرة الإيمان بيسوع المسيح، وعرفنا أين نحن من هذا العالم. وسط ثقافات عديدة، ونظريّات وعلوم جمّة تحدّد السّلوك الإنساني وتعرّفه، وتسعى جاهداً لتصويب إنسانيّته، تتجلّى كلمة الرّب لتختصر كلّ هذه التّعريفات بجملة واحدة: " اهتمّوا بما فوق لا بما على الأرض". هو الخلق الجديد الّذي يرنو أبداً إلى فوق، حيث الحبّ الإلهي يغدق نوره وحكمته ومحبّته. وكأنّ بالقدّيس بولس يصف شخصيّة الإنسان الجديد، بكلّ ما تحمل من فكر نيّر ونفس متّزنة وروح مبتهجة بسلام الرّبّ. الاهتمام بما فوق لا ينفي الاهتمام بما على الأرض، بل يحوّل ما على الأرض إلى السّماء. فيمسي كلّ فكر وعمل وهدف، عيشاً حقيقيّاً للحياة مع الله. كان الشّعب القديم يقدّم البواكير إلى الله، وأمّا الخلق الجديد بيسوع المسيح فيقدّم كلّ شيء للرّبّ. وهو تأكيد على العلاقة الحميمة والضّروريّة مع المسيح، حتّى نحيا السّماء منذ الآن. ونحياها، عندما نتعرّف عليها ونعيش حقيقتها ونحن ما برحنا في هذا العالم. وإذا لم نتعرّف على السّماء الآن فلن نعرفها حتّى لو وصلنا إليها. السّماء هي قلب الله، فكيف يمكن بلوغه إذا ما تعايشنا وترافقنا معه منذ الآن؟. وإذا آلفنا قلب المسيح وتصادقنا معه، وانطلقنا إلى فوق، فماذا يهمّنا ممّا يحدث في الأسفل؟ الاهتمام بما فوق ينتج عن شغف بالمسيح، يأسر العقل فيحيا ساجداً له، ويحررّ النّفس فترتقي وتسمو بعيداً عن تفاهات العالم، ويمنح الإنسان أن يهيم في حبّ السّيّد وينعم بحياته المستترة في المسيح. ( كولوسي 3:3)