نحيا سرّ التّجسّد الإلهي بقدر ما نفهم أنّنا ولدنا في المسيح الحيّ وأصبحنا خلقاً جديداً. والخلق الجديد يأخذ معناه الكامل في قول بولس الرّسول: " لست أنا من أحيا بل المسيح يحيا فيّ" (غلاطية 20:2). ما يعني أنّ كلّ توجّهاتنا، وأفكارنا، وقراراتنا، وأهدافنا، وأعمالنا، ومشاعرنا، تصبّ في الخلق الجديد. فتتشكّل حياتنا الجديدة ومسيرتنا نحو الله، وننطلق من سرّ التّجسّد الإلهي لنبني عالماً سماويّاً في عالم انحدر بالإنسانيّة إلى مستوى لا يليق بالمحبّة الإلهيّة. الحياة الجديدة في المسيح تتّسم بالدّهشة والتّأمّل في سرّ حضور الله في التّاريخ، واتّحاده بالإنسان. فالتّأمّل في هذا السّرّ يمنحنا المزيد من الاتّضاع، فنعرف حجمنا أمام قدرة الله العظيمة، ومحبّته اللّامتناهية، وندرك خيرنا بتحقيق مشيئته، ونبلغ حرّيّتنا في السّير في نوره. نقطة الانطلاق إذاً هي التّجسّد الإلهي، فنولد مع المسيح، ونتربّى معه، ونبني مسيرة حياة بطوليّة، قوامها المحبّة الكاملة المستمدّة من الرّبّ والمنعكسة على الآخر. ونسير معه نحو صليب المجد، مقتحمين الموت لبلوغ الحياة. لا معنى ولا قيمة لحياة الإنسان بعيداً عن التّجسّد الإلهي. فحضور الرّبّ في العالم أكّد على أهمّيّة الحياة الإنسانيّة، وفعاليّة وجودها، وحتميّة خلودها. فكلّ ما يحيط بنا، وكلّ ما نكتسبه من مال، وعلم، ومعرفة…، لا تجعل من الإنسانيّة قيمة بحدّ ذاتها، لأنّ هذه الأشياء تخضع للنّقص، وبالتّالي للتّبدّل والتّغيّر. وأمّا النّعمة الإلهيّة، فلا تندثر ولا تفنى، ومتى انسكبت في الإنسان وقبلها، أحيت في داخله بذور الحياة الأبديّة. إنّ مجيء الرّبّ إلى العالم حرّك في داخلنا ما هو أبعد وأرفع وأسمى من الحياة الّتي نحياها. فهذه الحياة هي مجرّد قشرة تتطاير وتتلاشى، ولكن ثمّة حياة أخرى تسكن أعماقنا، ألا وهي الحياة الأبديّة. ولا يمكن أن نتعرّف عليها ونبلغها إلّا بيسوع المسيح. " وهذه هي الحياة الأبديّة: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الّذي أرسلته." ( يوحنا 3:17). نعرف المسيح ونتعرّف عليه وندخل في اختبار علائقيّ معه، فنتلمّس حياتنا الأبديّة ونحياها منذ الآن، حتّى إذا ما أتت السّاعة، أكملنا مسيرتنا وجهاً لوجه مع المسيح. من لم يتبيّن الحياة الأبديّة وهو في العالم، لن يتعرّف عليها حتّى ولو وصل إليها.