بسم الله الرحمن الرحيم ((وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَاملاتِ وِقْرًا (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالاَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)) الذاريات الايات \ 1- 19 الحمد لله : ان الكفار والمشركين لا يؤمنون بالله تعالى وبما انزله على الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وقلوبهم جبلت باصرار على الكفر, لذا اقسم الله تعالى ليؤكد ان ما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم صحيحا وقول الله تعالى هو الحق وهو قسم عظيم اذ اقسم بالذاريات وهي الرياح التي تفرق الاشياء وتعبث فيها وتذروها ذروا وتسوقها سوقا مثلما تسوق الغيوم في السماء. وهذه الرياح في لينها وشدتها ونسيمها وعصفها واختلاف طبائعها وصفاتها امور كثيرة منها انها تنثر السحاب في السماء وتسوقه وتنقله من موضع الى اخر لتصب فيه غيثها وتحيي الارض و الزرع والنبات وتلقحه فتكتمل ثماره وربما تميته وتقضي عليه فهي عوامل اساسية في ديمومة هذا الكون الكبير والحياة فيه وتسوق السفن في البحار اوتغرقها وهي دلائل على عظمة الله وقدرته . واقسم مرة اخرى بالحاملا ت وما توقرت به من ماء كثير وهي السحب تسوقها هذه الرياح فتنقلها من مكان الى اخر محملة بالمياه الثقيلة او المزن او الخفيفة و مافيها من شحنات كهربائية تحدث نتيجة سوق الرياح لها فتحدث البرق والرعد والصواعق المحرقة فتسوقها باذن الله تعالى الى الاماكن التي قدر سبحانه وتعالى ان تمطر عليها غيثا او قطرا اومزنا من السماء فينبت الزرع ويدر الضرع وتحيي الارض الميتة بعد جفافها فتصبح الارض مخضرة و تكون الانهار والبحيرات والينابيع وما اليها او تغرق هذه الامور او تمطر مطر السوء فتدمرها وما في هذا القسم من عظمة وموعظة . ثم اقسم الله تعالى ثالثة بالجاريات وهي السفن التي تجري في البحر بيسر ورخاء لتنقل الانسان واحتياجاته من بلد الى اخرحيث مسكت على ظهر الماء طافية اوجارية في داخله وحفظها في مجراها ومرساها وعلّم هذا الانسان صناعتها وتطور ها على مدى الازمنة والدهور والاستفادة منها في تقريب المسافات البعيدة فترتبط جوانب الارض دانيها بقاصيها . واقسم الله تعالى رابعة بالملائكة الموكلة بتصريف اعمال هذا الكون العجيب ادارته وتدبيره وبما تقتضيه مشيئة الله العظيم تعالى وطاعته وبما تريد حكمته وتدبر امور ه ما نراه ونشاهده وما هو لم نره و خاف علينا ولا يعلمه الا الله تعالى . اقسم الله تعالى بهذه الامور كلها وما فيها من عظمة و موعظة للانسان على ان ما وعد الله تعالى عباده من امر الساعة و الحياة من بعد الموت والبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب لوعد صادق محقق الوقوع وكائن في كينونة ثابتة لا مفر منه ولا مهرب . ثم اكد الله تعالى قسما خامسا حيث اقسم بالسماء ذات الحبك والحبك تجمع حبيكة والحبك قيل هي حبال لاترى بالعين المجردة ولا بغيره بقدرة الله العظيم تربط السماء بالارض وتثبتها فلا تسقط السماء على الارض وقيل ما فيها من مباهج وزينة لما فيها من كواكب والقول الاول اصوب – حسبما اراه – حيث رفع سمكها وسواها وحبك بناءها واحسن نسجها وابدع انظمتها وابدع مسارات النجوم المختلفة فيها . اقسم الله تعالى بالسماء بعد ان اقسم بالامور الواردة اعلاه ان الدين لواقع وهو يوم القيامة فانه حادث ووارد لامحالة وما فيه من اهوال واحداث . واقسم الله تعالى للمرة السادسة ان بني البشر لفي قول مختلف منهم المؤمن ومنهم الكافر او المشرك وان هؤلاء المشركين والكافرين ليقولون قولا متناقضا وانهم على مذاهب وطرائق شتى وعباداتهم مختلفة وانهم اشركوا بالله تعالى ولم يؤمنوا بما نزل على الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وهوالحق من ربهم فقالوا انه افترى القران الكريم وانه مجنون وساحر وشاعر وغيرها هذه من هذه الاقاويل واضلوا انفسهم عن الطريق ا لسوي .على ان هؤلاء الكافرين لا يستقيمون على قول واحد بل لكل منهم طريقته ومذهبه ورأيه الذي يسير عليه واتباعه فتراهم مختلفين . وهنا تحضرني قصة الاصمعي اذ قال : – اقبلتُ من مسجد البصر ة في احد الايام واذ طلع اعرابي جلف جاف على قعود له متقلدا سيفه وبيده قوسه فدنا فسلم وقال : – ممن الرجل – من بني اصمع – انت الاصمعي؟ – نعم – ومن اين اقبلت .؟ – من موضع يتلى فيه كلام الرحمن – ا و للرحمن كلام يتلوه الادميون .؟ – نعم – فاتل علي شيئا منه قال الاصمعي: فقرأت ( والذاريات ذروا ) الى قوله تعالى( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فقال : ياا صمعي حسبك حسبك . ثم قام الاعرابي الى ناقته فنحرها وقطعها وقال: – اعني على توزيعها . ففرقناها على من اقبل وادبر ثم عمد الى قوسه وسيفه فكسرها ووضعهما تحت الرحل وولى نحو البادية وهو يقول : ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) – فمقتّ نفسي ولمتها ثم بعد سنين حججت مع الرشيد فبينما انا اطوف بالبيت واذا انا بصوت رقيق فالتفت فاذا انا بالاعرابي وهو ناحل مصفر فسلم علي واخذ بيدي فقال : – اتلو علي كلام الرحمن واجلسني من وراء المقام ( مقام ابراهيم عليه السلام ) فقرأت: ( والذاريات ..) حتى وصلت الى قوله تعالى ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) فقال الاعرابي : لقد وجدنا ما وعدنا الرحمن حقا وهل غير هذا؟؟ قلت : نعم يقول الله تبارك وتعالى ( فورب السماء والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون ) فصاح الاعرابي : – ( يا سبحان الله من الذي اغضب الجليل حتى حلف ؟ الم يصدقوه في قوله حتى ألجاووه الى اليمين ) فخرجت بها نفسه وذهب الى رحمة الله . ثم ينزل الله تعالى عليهم غضبه فيقول سبحانه وتعالى: ( قتل الخراصون …..) ومعناها لعن الكذابون الغارقون في الغفلة والجهالة والذين غمرتهم الضلالة والسهو في الكفر فهم ساهون او لاهون عن امر يوم الدين او ايوم القيامة واخذوا يسالون عنه با نكار واستهزاء يسالون عن موعد قيامهم من قبورهم وعن مبعثهم للحساب ونوع العذاب الذي سيسلط عليهم . ان الله تعالى يبين لنا انه تعالى قد ختم على قلوبهم بالكفر وجعل هذا اليوم العظيم – يوم القيامة – هو يوم تلقي بهم الملائكة الموكلون في نا ر جهنم ليذوقوا العذاب الذي انكروه في الدنيا واستعجلوا في وقوعه استنكارا واستخفافا . اما المؤمنون او المتقون والذين آمنوا بما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم – وهو الحق من ربهم – فقد كانوا يعبدون الله حق عبادته مخلصين حق الاخلاص في اداء الفروض والواجبات عليهم ويستغفرون الله تعالى في النهار وفي الليل قليلا ما يهجعون او ينامون فهم ساهرون حتى الفجر يستغفرون ويسبحون الله تعالى و يعلمون ان في اموالهم حقا للفقراء والمحتاجين فيخرجونها لهم زكاة وصدقة فيكسبون رضى الله عنهم وانعامه عليهم من فضله فجعلهم في نعيم مقيم في الجنة ناعمين . اللهم اجعلنا منهم برحمتك يا ارحم الراحمين فالح نصيف الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز