دار النشر: صفصافة يتناول كتاب سطوة النص خطاب الأزهر بالدراسة والتحليل في فترة من أشد الفترات حساسية وتأزمًا وهي الفترة الزمنية التي شهدت تداعي حكم جماعة الإخوان المسلمين. تقوم المؤلفة بالتعامل مع بيانات مشيخة الأزهر وخطب الشيخ أحمد الطيب التي صدرت في الفترة ما بين يونيو وأغسطس عام 2013 بكل ما حوته تلك الفترة من أحداث جسيمة منها خروج الجماهير في الثلاثين من يونيو وعزل الرئيس مرسي في الثالث من يوليو وتفويض وزير الدفاع، إضافة إلى أحداث الحرس الجمهوري والنصب التذكاري وأخيرًا فض اعتصامي رابعة العدوية بتبعاته. يكشف الكتاب عن كون المؤسسة الدينية أداة رئيسة من الأدوات التي تستخدمها السلطة في السيطرة على المواطنين، ويؤكد أن مشيخة الأزهر تمثل أحد أوجه السلطة الاجتماعية القادرة على ممارسة عمليات الهيمنة وتوجيه الجماهير، وهو ما جرى تناوله وعرضه تفصيلا وتدقيقًا بين دفتي الكتاب، حيث ظهر الأزهر لاعبًا أساسيًّا وفاعلا على الساحة السياسية في خضم الأحداث المتسارعة، وتفاعل خطابه مع خطاب المؤسسة العسكرية والسُلطة الحاكمة. يطرح الكتاب مسألة استجابة المؤسسة الدينية إلى المؤسسة العسكرية ما قبل عزل الرئيس مرسي، وللسلطة السياسية الحاكمة ما بعد العزل، ويبرز الطرق والأساليب اللغوية التي استخدمها شيخ الأزهر والقائمين على صياغة بيانات المشيخة لدعم السلطة ويصنف استجابتها ما بين الرضوخ والممانعة والتهميش والإقصاء، كما يسلط الضوء على مسألة الصراع على التمثيل التي جرت بين الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين حين تولت مقاليد الحكم، وهو يكشف أيضًا عن استخدام التسميات في صياغة وعي الناس، فتتطرق المؤلفة إلى تعبيرات ومصطلحات يتم صكها لتشويه الخصوم أو الإساءة إليهم، ويمكن ملاحظة استخدام المؤسسة الدينية لمفردات مثل "ضحايا"، و"شهداء" و"إرهاب" في مواقف بعينها واستبعادها في مواقف أخرى بما يقود للتساؤل حول الدلالات والآثار المترتبة عليها. تسعى المؤلفة في فصل علاقات السلطة إلى كشف وتحديد أبعاد العلاقة السلطوية بين الأزهر وأوجه السلطة المختلفة، وما لهذه العلاقة من أثر في خطابها، وهي تبين السبل الظاهرة والخافية التي أمكن عبرها توظيف النص الديني لخدمة أغراض السلطة، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى إحدى النقاط بالغة الأهمية التي وردت في الكتاب، وهي فتوى أو رأي مشيخة الأزهر في مسألة التظاهر والاحتجاج، فقد تغير الرأي من حكم إلى آخر، فيلاحظ مثلا تحريم التظاهر حين حاول الرئيس السابق مبارك تسليم السلطة إلى عمر سليمان، ورفض العصيان المدني أثناء حكم المجلس العسكري، ثم إعطاء الخارجين على الرئيس مرسي رخصة شرعية لا لبس فيها، بما يعني أن الرأي قد تبدل بتبدل السلطة، وجيء لكل موقف بنص يتماشى معه. في الكتاب فصل يتعلق بمسألة الهوية أيضًا؛ هوية الأزهر، لا المعلنة والبديهية فقط، بل تلك التي يحاول تأسيسها عبر خطابه، وقد فصلت المؤلفة أوجه ثلاث للهوية، هي الهوية الدينية والهوية القومية وهوية اللاعب السياسي، وجاءت بأبرز الشواهد على كل منها، وأوضحت كيف تداخلت الهويات وكيف تورطت في الصراع، وكيف كانت الغلبة لإحداها على الأخريين في بعض المرات، بل وتطرقت إلى دخول النصوص الدينية طرفًا في هذا الصراع. ينتهي الكتاب بفصل مهم بعنوان "أفكار حول الخطاب" تجمل فيه المؤلفة الاستنتاجات التي وردت في الفصول السابقة، كما تضمنه بعض التحليلات المؤثرة، وتنطلق منه إلى استشراف التطورات المستقبلية، كما تتطرق إلى توصيات مركزة حول علاقة الأزهر بمؤسسة الحكم والسلطة السياسية، وتدخله في شئون السياسة بما يفقده الشفافية والمصداقية أمام الجماهير، وحول ضرورة استقلاله واستقلال موازنته عن الدولة كي لا يصبح أداة من أدواتها الطيعة مثلما جرى في عصور سابقة، وربما مثلما يجري الآن أيضًا.