جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي 2025 الترم الثاني محافظة قنا    نماذج امتحانات الصف الثاني الثانوي pdf الترم الثاني 2025 جميع المواد    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير أرض مطار إمبابة ومنطقة عزيز عزت    أشرف العربي: رغم التحسن الملموس في أداء التنمية في مصر إلا أنه لازال أقل من المأمول    700 جنيه شهريا.. قوى النواب توافق على زيادة الحافز الإضافي للعاملين بالدولة    موعد وصول رسالة الأولوية للمتقدمين لحجز شقق سكن لكل المصريين    بتكلفة 24 مليون جنيه.. محافظ الشرقية يتفقد أعمال توسعة ورصف طريق جميزة بني عمرو    الذهب أم بيتكوين؟.. من المنتصر في سباق التحوط المالي لعام 2025؟    مدير المستشفى الإندونيسي بعد حصار الاحتلال: ماذا قدمت لنا القمة العربية بالأمس؟!    المصري الديمقراطي يشيد بكلمة الرئيس السيسي في القمة العربية: مصر تتحمل مسؤوليتها التاريخية في ظل غياب مخزٍ لعدد من القادة العرب    رومانيا.. انتخابات رئاسية تهدد بتوسيع خلافات انقسامات الأوروبي    مستشهدًا ب الأهلي.. خالد الغندور يطالب بتأجيل مباراة بيراميدز قبل نهائي أفريقيا    الحماية المدنية المدنية تنقذ مدرسة من حريق داخل جراج سيارات في حدائق الاهرام    «تعليم الشرقية»: أكثر من مليون طالب وطالبة أدوا امتحانات المواد غير المضافة للمجموع    اليوم.. نظر استئناف المتهم الأول بقتل «اللواء اليمني» داخل شقته بفيصل    سالي عبد المنعم: المتحف القومي للحضارة يعكس ثروتنا الحقيقية في الإنسان والتاريخ    اليوم في "صاحبة السعادة" حلقة خاصة في حب نجم الكوميديا عادل إمام أحتفالا بعيد ميلادة ال 85    هيقفوا جنبك وقت الشدة.. 5 أبراج تشكل أفضل الأصدقاء    في أجندة قصور الثقافة.. قوافل لدعم الموهوبين ولقاءات للاحتفاء برموز الأدب والعروض المسرحية تجوب المحافظات    التعليم العالي: القومي للبحوث يوجه قافلة طبية لخدمة 3200 مريض بمشاركة 15 طبيبًا في 6 أكتوبر    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا الودية استعدادًا لكأس العالم للأندية    الثلاثاء.. قطع الكهرباء عن مركز طلخا فى الدقهلية 3 ساعات    غدًا.. انقطاع المياه عن مدينة شبين الكوم وضواحيها    مصدر ليلا كورة: اتجاه لإلغاء اجتماع اتحاد الكرة مع أندية الدوري    حفيد عبد الحليم حافظ علي فيس بوك : الواحد لو اتجوز هينكر الجواز ليه.. شيء مش عقلانى    خطوات التقديم للصف الأول الابتدائي 2025-2026 والمستندات المطلوبة    للمرة الرابعة.. محافظ الدقهلية يفاجئ العاملين بعيادة التأمين الصحي في جديلة    «أنتم السادة ونحن الفقراء».. مشادة بين مصطفى الفقي ومذيع العربية على الهواء    الهلال الأحمر الفلسطينى: خطر توقف سيارات الإسعاف يهدد بكارثة صحية فى غزة    تجديد حبس تاجر ماشية 15 يوما لاتهامه بقتل عامل فى أبو النمرس    سعر تذكرة الأتوبيس الترددي الجديد.. مكيف وبسعر أقل من الميكروباص    يحذر من مخاطر تحرير الجينوم البشري.. «الخشت» يشارك بمؤتمر المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت    شوبير يحرج نجم الأهلي السابق ويكشف حقيقة تمرد رامي ربيعة    إصابه 13 شخصا في حادث تصادم بالمنوفية    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا منذ بداية الحرب    1700عام من الإيمان المشترك.. الكنائس الأرثوذكسية تجدد العهد في ذكرى مجمع نيقية    زيلنسكى ونائب ترامب وميلونى.. الآلاف يحضرون حفل تنصيب البابا لاون 14    وسائل إعلام إسرائيلية: نائب الرئيس الأمريكي قد يزور إسرائيل هذا الأسبوع    سحب 944 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    في ذكرى ميلاده ال 123، محطات فى حياة الصحفي محمد التابعي.. رئاسة الجمهورية تحملت نفقات الجنازة    الرقية الشرعية لطرد النمل من المنزل في الصيف.. رددها الآن (فيديو)    الأزهر للفتوى: أضحية واحدة تكفي عن أهل البيت جميعًا مهما بلغ عددهم    ضبط 48.4 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    مصرع شخصين وإصابة 19 آخرين إثر اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين    متى تقام مباراة اتلتيكو مدريد ضد ريال بيتيس في الدوري الاسباني؟    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    10 استخدامات مذهلة للملح، في تنظيف البيت    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    براتب 15 ألف جنيه.. «العمل» تعلن 21 وظيفة للشباب بالعاشر من رمضان    النسوية الإسلامية (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): أم جميل.. زوجة أبو لهب! "126"    رئيس جامعة القاهرة: الجامعات الأهلية قادرة على تقديم برامج تعليمية حديثة.. ويجب استمرار دعمها    خطوة مهمة على طريق تجديد الخطاب الدينى قانون الفتوى الشرعية ينهى فوضى التضليل والتشدد    استشهاد طفل فلسطيني وإصابة اثنين بجروح برصاص إسرائيلي شمال الضفة الغربية    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    سيراميكا كليوباترا يقترب من التعاقد مع كريم نيدفيد    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    هزيمة 67 وعمرو موسى    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بسمة عبد العزيز : موقف الأزهر من الصراع السياسي فَارَقَ الحياد العلمي والتجرد الديني
نشر في البديل يوم 07 - 03 - 2016

اللغة أداة مخيفة يمكن من خلالها إعادة تشكيل وعي الجماهير وتزييف التاريخ
حل أزمة الهوية في إطلاق طاقات البحث والاستكشاف دون قيود
في كتابها "سطوة النص.. خطاب الأزهر وأزمة الحكم" الصادر حديثاً عن دار صفصافة تشتبك الكاتبة والباحثة المصرية بسمة عبد العزيز* مع الدور السياسي للمؤسسات الدينية في مجتمعتنا العربية، وتقدم تحليلا لخطاب مؤسسة الأزهر بوصفها أداة رئيسية من أدوات السيطرة على المجتمع المصري، مستخدمة منهج "التحليل النقدي للخطاب" لكشف عمليات الهيمنة وتوجيه الجماهير التي يتم تمريرها عبر خطاب الأزهر.
اختارت الكاتبة فترة زمنية شديدة الصعوبة والتعقيد لتكون محل الدراسة وهى الثلاث أشهر الممتدة من يونيو إلى أغسطس 2013 والتي شهدت حالة من الصراع الكبير والعنيف بين جماعة الإخوان المسلمين من جهة، والقوي السياسية والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، وانتهت إلى عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، وتشير الكاتبة للدور السياسي الكبير الذي لعبه الأزهر في هذه الفترة عبر البيانات التي صدرت من مؤسسة الأزهر.
عن كتابها ورؤيتها للأوضاع السياسية والاجتماعية ودعوات تجديد الخطاب والفكر الديني ودور اللغة كأداة للهيمنة والسيطرة دار معها هذا الحوار
_أشرتي في مقدمة الكتاب إلى أن هذه الدراسة تقدمتي بها للحصول على درجة الماجيستير لكن المشرف على الرسالة رفضها، وحاول فرض أفكاره على دراستك، فقررتي سحبها ونشرها في كتاب. في هذا السياق كيف ترين وضع البحث العلمي في مصر؟
حال البحث العلمي في مصر مما يؤسف له، فمن ناحية هناك جمود فكريّ هائل، ورفض للابتكار والإبداع، ورغبة في التشبث بالمعتاد دون مسائلة ولا اختبار . هناك أيضًا عجز عن إخضاع المسائل الخلافية إلى نقد موضوعي ومنهجي، والأسوأ هو خلط الوضع السياسي بالعلم ومناهجه وأدواته، فكما تعرف هناك رسائل أكاديمية تم وقفها وأحيل المشرفون عليها إلى التحقيق، لا لشيء إلا لأن باحثيها استخدموا مصطلحات وتعبيرات غير مرغوبة، وأذكر على سبيل المثال باحث أكاديمي استخدم مصطلح "انقلاب" في وصف أحداث الثالث من يوليو عام 2013، فأوقفت رسالته، وذاك أمر مدهش، فالتوصيف قد يستدعي النقاش والاختلاف حوله أو الاتفاق، لكنه لا يجب أن يؤدي بأية حال إلى المعاقبة والتنكيل.
يبدو أن الأفكار المنغلقة الجامدة التي تسيطر في هذه المرحلة على المناخ العام، تشتد وتقوى، وهو أمر مفهوم فالضيق بتعدد الآراء والرؤى ومحاولة إجبار الجماهير على التزام جانب محدد تنعكس على المستويات كافة؛ اجتماعية وعلمية وسياسية . الاتجاه الأوحد يؤدي بالعلم إلى كارثة محققة، فالتقدم عماده تعدد الطرق والاتجاهات، أما اختزالها في واحد وحيد، وادعاء صوابه المطلق، وحرمان الباحثين من إعمال عقولهم فسيفضي بنا إلى هاوية الجهل والإخفاق. أما عن خلافاتي مع المشرف، فمنها ما كان منهجيا، ومنها ما أتصور مبعثه الخوف من حساسية الموضوع الذي تطرقت إليه، وخاصة مع بروز النتائج التي أسفرت عنها الدراسة، فللمؤسسة الدينية سلطة لا يمكن تجاهلها ولا إنكارها.
_ اعتمدتي في دراستك على "التحليل النقدي للخطاب" الذي يكشف الهيمنة والسيطرة التي تحققها السلطة من خلال استخدام اللغة، برأيك في أي منزلة يمكن أن نضع اللغة ضمن ادوات القمع المختلفة التي تستخدمها السلطة، وكيف يمكن تحرير اللغة وتحويلها من اداة للسيطرة إلى اداة للتحرر؟
اللغة أداة مخيفة وجبارة، يمكن من خلالها إعادة تشكيل وعي الجماهير، وتزييف التاريخ والحاضر، ومِن ثمّ صياغة المستقبل بالصورة التي تدعم أركان السلطة الحاكمة وتوطدها، بغض النظر عن تقييمها سواء سلبًا أو إيجابًا. لك أن تنظر في خطاب وسائل الإعلام بالأمس القريب، وأن ترى استخدام المفردات والتعبيرات في غير موضعها، وأن تتبع صك المصطلحات التي تقدم كوجبة يومية إلى المشاهدين، وأن تسأل نفسك عن التعريفات بحياد وموضوعية، فكر مثلا في مصطلح "الإرهاب" وتعريفه ستجد أن هناك خلافا دوليا عليه، فكر في تعبير "المواطن الشريف" وما يرمز إليه ستجد أن المعنى يناقض ما يرمز إليه، أنظر إلى خطاب الأزهر واستخدامه لمفردتي "الضحايا" و"الشهداء" في المواقف المتشابهة وستدرك أن ثمة تلاعبًا بالألفاظ يهدف إلى ترسيخ مفاهيم محددة في الوعي العام.
أما عن تحرير اللغة فذاك مجال بحثي شديد الأهمية والخطورة، وفيه مداولات شيقة، وأنا أعمل الآن على إخراج ورقة تحوي بعض النقاط التي يمكن بمزيد من الاجتهاد والابتكار أن تصبح ركيزة لجعل اللغة وسيلة للمقاومة، وضحد خطاب الهيمنة، وإنتاج خطاب مضاد .
_ هل هناك لغات بنيتها تحررية ولغات أخرى بنيتها سلطوية؟
أظن أن كل لغة تحمل داخلها بنى تحررية وأخرى سلطوية، والعامل الحاسم في تغليب بنية على أخرى هو الثقافة السائدة والضوابط والشروط الحاكمة للخطاب، والمناخ الذي تتفاعل فيه الأطراف المتباينة . هذه العوامل مدعمة بالسياق تعمل على خلق البنى الملائمة لها، وأعتقد أن حال المجتمع ومؤسساته وطبيعة الدور الذي تؤديه السلطة بأوجهها المختلفة هي المحدد الرئيس لما سوف يتم إبرازه واستخدامه، ولا ننسى أن اللغة أداة طيعة يمكن التحكم فيها، كما يمكن من خلالها التحكم في الآخرين، وعلى كل حال قد يجيب علماء اللغة عن هذا السؤال أفضل مني.
_ أشرتي في الكتاب للدور الكبير الذي لعبه الأزهر في دعم المؤسسة العسكرية في مواجهة الإخوان بينما هناك وجهة نظر مغايرة يروجها بعض داعمي المؤسسة العسكرية، تشير إلى أن الأزهر لم يكن داعمًا للمؤسسة العسكرية بل بالعكس تنصل من معرفته بفض إعتصام رابعة، وطالب أكثر من مرة في بياناته بضرورة المصالحة، ولم يعتبر جماعة الإخوان إرهابية، وفي بعض الخطابات وصف ضحايا الإخوان بالشهداء كيف ترين هذه المفارقة؟
بالنسبة للشق الأول من السؤال فالكتاب بأكمله يتتبع الاستجابات المتبادلة بين خطابي المؤسسة العسكرية والأزهر، وقد أجملت وحللت مجمل هذه الاستجابات في الفصل الأخير "أفكار حول الخطاب"، ولقد لاح لي أن المؤسسة الدينية التي دعمت المؤسسة العسكرية في بادئ الأمر بقوة وثبات، قد راحت بمرور الوقت تتذبذب، وتتراجع عن تقديم دعم كامل غير مشروط مع تصاعد أحداث العنف التي راح ضحيتها مئات المنتمين إلى جماعة الإخوان ومؤيديهم، وقد ظهرت مؤشرات التذبذب واضحة في الخطاب، وفصلتها في مساحة واسعة من الكتاب، وقد أشرت من بعد إلى أن هذا التذبذب والتراجع ربما كان سببًا في ضغوط مورست على الأزهر من قبل السلطة السياسية لاحقًا، ولاحظ أن الضغوط المقابلة التي تعرضت إليها المؤسسة الدينية من أطراف متعددة بسبب ضلوعها في الفعل السياسي، ربما كانت عاملا مؤثرًا، وربما كانت تأييدها غير المشروط في بداية الامر هو انعكاس لعملية الصراع على التمثيل التي خاضتها ضد جماعة الإخوان المسلمين رغبة في الاستئثار بالسلطة الدينية، لكن التطورات العنيفة التي جلبت إلى الأزهر اتهامات بالتورط في سفك الدماء ربما أعجزته عن استكمال المسيرة.
بالنسبة للشق الثاني من السؤال فإن المطالبة بالمصالحة تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بين النصوص التي عملت عليها جميعها إلا فيما ندر، وقد تطرقت إلى مسألة المصالحة في فصل علاقات السلطة، وكذلك إلى مسألة إعلان الأزهر معرفته بموعد فض اعتصام رابعة، وبينت بوضوح أن المؤسسة العسكرية قد استجابت إلى خطاب الأزهر في هاتين الحالين بالتهميش والإقصاء، وتوصلت تحليلا إلى أن المؤسسة الدينية رغم ما أدته من دعم إيجابي للمؤسسة العسكرية في الأشهر الثلاثة محل الدراسة، فإن هذا الدعم بدا غير كافٍ في نظر السلطة، وهو ما تسبب في ممارستها ضغوط لم يتم الإفصاح عنها صراحة لكنها انعكست بوضوح على خطاب الأزهر.
أما البيانات التي حصلت عليها من موقع مشيخة الأزهر، والخطب التي ألقاها شيخ الأزهر فخلت من وصف "شهداء" فيما يتعلق بمن قتلوا في فض ميدان رابعة العدوية، لاحظ أن البيان الصادر في يوم الفض بتاريخ 14 أغسطس لم يذكر مفردة شهداء على الإطلاق، وقد علقت على هذا الأمر باستفاضة في موضعين من الكتاب أهمهما تحت عنوان "التسمية يصنعها المنتصر"، وقد لاحظت أن هناك تطورًا في استخدام هذه التسمية، ففي أحداث الحرس الجمهوري تم وصف القتلى بكونهم شهداء ثم لم يلبث خطاب المؤسسة الدينية أن تراجع تدريجيا عن إسباغ مفهوم الشهادة على قتلى جماعة الإخوان في الأحداث المتتالية، وكان هذا التراجع التدريجي محل بحث ودراسة مدققة، ولاحظ أن السلطة لا تبغي أبدًا خلع قيم إيجابية على خصومها.
_ واحدة من الأسئلة الهامة المطروحة عبر فصول الكتاب هى أزمة المصطلحات، فهناك خلط بعمد أو بجهل بين مفاهيم مختلفة، كالخطاب الديني وخطاب المؤسسة الدينية "الأزهر"، وكالخطاب السياسي والخطاب الوطني كيف ترين هذه الأزمة وكيف تعاملتي معها عبر الكتاب؟
هذه بالفعل هي إحدى الأزمات الكبرى التي واجهتني مبكرًا في بداية عملي على الدراسة، فقد أصر المشرف على الرسالة أن الدين هو كل، وما عداه مجرد أجزاء منه، وبذا صارت الفيزياء والفلسفة والرياضة والزراعة أجزاء من الدين، وصارت السياسة جزء من الخطاب الديني، ومن ثم زالت الفواصل بين الخطابات، وكانت تلك اللبنة الأولى في الخلاف الجذري بيني وبينه، والحقيقة أن لكل حقل خطابي مفرداته وتراكيبه اللغوية وتعبيرات الخاصة، فحين نتحدث مثلا عن الحق في سلامة الجسد، فإننا بصدد خطاب حقوقي، وحين نتحدث عن جرائم وعقوبات فإننا إزاء خطاب قانوني وحين نتحدث عن الممارسة الديمقراطية نكون إزاء خطاب سياسي وهكذا.
تواصلت الأزمة المتعلقة بالحقول الخطابية فيما بعد، فقد أصر من تمكنت من مقابلتهم من مسئولي الأزهر على أن الأزهر يقوم بدور وطني لا سياسي وأن خطابه خطاب وطني لا سياسي، وقد تم التركيز على هذا الأمر في البيانات والخطب الأخيرة الصادرة عن الشيخ والمشيخة، فقد طالتهما الاتهامات بالانحياز إلى فصيل سياسي ومعاداة آخر، وبدا الدفاع واجبًا، وكان المخرج المتاح هو إعادة تعريف الدور الذي تقوم به المؤسسة الدينية، وقد بينت في الكتاب أن الفصل بين ما هو وطني وما هو سياسي أمر شديد الصعوبة، فالوطن مفهوم شامل جامع يضم بين جنباته التاريخ والحدود الجغرافية والسياسية والموارد الطبيعية المشتركة، والفعل الوطني بدوره يحوي مكونا سياسيًا لا يمكن إنكاره إنما يوصف بكونه وطني لتمييزه بالإيجابية التي تصب في صالح الوطن. على كل حال هذا جزء من عملية التلاعب اللغوي التي تمارسها السلطة الاجتماعية بمختلف أوجهها لتقديم صورة ذاتية إيجابية، تشتت انتباه الجماهير عن جوهر الأمور.
_سؤال الهوية مطروح بقوة أيضاً على مدار الكتاب برأيك إلى أي مدى تلعب اللغة دورًا رئيسيًا في فهمنا لهويتنا، وهل المجتمع المصري يعيش أزمة هوية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما السبيل للخروج منها؟
اللغة هي الوعاء الرئيس الذي تتشكل فيه الهوية، وحين نفكر فإننا نستخدم اللغة الأم التي نعرفها، وحين تكون معرفتنا بها قاصرة ينعكس الأمر على ما ننتجه من أفكار، أما بالنسبة لأزمة الهوية فمسألة مطروحة منذ زمن بعيد، ولا أظنها كامنة في تعدد الثقافات والمنابع المعرفية التي مرت بنا وتركت أثرها فينا، بل أزمتنا الحالية في الاستسلام إلى حال من الركود والثبات، نحن نكاد نكون ملتصقين بأماكننا، عاجزين عن مجاراة التقدم العلمي والمعرفي الهائل في شتى الحقول، وفاقدين للثقة في قدرتنا على إحداث نهضة ثقافية شاملة. أظن أن أزمة الهوية التي أراها تحظى بكثير من المبالغة ستجد حلا مناسبًا حين نطرق أبواب البحث والاكتشاف دون قيود ودون خوف ومحاذير.
_ الملاحظ على مدار الكتاب رصدك لهيمنة الخطاب الذكوري والأبوي، إلى أي مدى يلعب هذا الخطاب دور رئيسي في دعم السلطة ومساعدتها على تحقيق الهيمنة؟
نعم الخطاب الأبوي هو خطاب مهيمن بطبيعته، بل قد يمكن القول بألا وجود لخطاب أبوي غير مهيمن وغير ساع إلى السيطرة، وعلى هذا فإنه يكون ملائمًا تمام الملائمة لتحقيق أغراض مؤسسة الحكم التي تمثل السلطة السياسية، والمؤسسة الدينية التي تمثل أحد أوجه السلطة الاجتماعية القادرة على توجيه الناس . هذا الخطاب يفترض دومًا أن الطرفين؛ المنتج والمتلقي ليسا على قدم المساواة، فأحدهما هو الأعلى منزلة وقدرًا وهو الذي يملك حق إصدار الأوامر ويتوقع الطاعة والخضوع، بينما الطرف الآخر أدنى شأنا وعادة ما يتم تصويره أقل معرفة ودراية وحنكة، وفي حاجة مستمرة إلى الإرشاد والتوجيه بل وإلى المجازاة والمعاقبة في بعض الأحوال، ومن ثم تصبح العلاقة أشبه بعلاقة الأب بالابن غير الناضج، أو المعلم بالتلميذ، وتلك هي علاقة شائهة إذا ما أردنا تطبيقها على ثنائية الحاكم والمحكوم، الرئيس والمواطن، ومثلهما: المؤسسة الدينية والشعب.
لا يتم فرض هذه العلاقة عبر الخطاب الأبوي من الطرف الأول قسرًا وإجبارًا أو تلاعبًا فقط، بل أنها تجد صدى لدى الطرف الثاني في كثير من الأحوال، وأظن أن محاولة تفكيك تلك العلاقة المعقدة وتعرية الخطاب الأبوي المهيمن وكشفه، قد تسهم في حل هذه الأزمة المتجذرة في مجتمعنا والتي تحول دون اتخاذ خطوات حقيقية تجاه التحرر على المستويات كافة.
_في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم وبخاصة الدول العربية في ظل منظومة العولمة ووسائل الاتصال الحديثة إلى اي مدى يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة كشف وفضح خطاب السلطة وكيف ترين محاولة السلطة للسيطرة على هذه الفضاءات وترويج خطابتها من خلالها؟
هذه إشارة شديدة الأهمية فمع تطور وسائل الاتصال وتنامي شبكات التواصل الاجتماعية، دخلت عملية كشف خطاب السلطة منعطفًا جديدًا، فهذا الخطاب صار يسجل ويعرض خلال لحظات من بثه، ليقوم جمهور المتلقين بتفكيكه وإعادة إنتاجه، بل وإنتاج خطاب مضاد ربما في فترة زمنية لا تتجاوز الدقائق، وهو ما يسهم دون شك في تسليط الضوء على أبعاد وزوايا متعددة ربما كانت خافية على قسم من المتلقين كما يسهم في إنشاء منظومة جماعية قادرة على تقديم خطاب خاص بها، وبناء شكل مبتكر من أشكال المقاومة.
أما عن محاولات السيطرة التي تقوم بها السلطة فهي مستمرة ومتواصلة، لكني أظن أنها ستلقى فشلا ذريعًا، فحين يأتي الأمر لاستخدام الأدوات التكنولوجية نجد أن ثمة مجموعات بارعة تظهر من وسط الجماهير، وتأخذ على عاتقها عملية التصدي للعراقيل التي قد تضعها السلطة بهدف إحكام سيطرتها على فضاءات التواصل الإلكترونية، وذاك أمر يحدث على مستوى العالم كله . السيطرة على هذه الفضاءات قد تكون مستحيلة، لكني لا أستبعد في الوقت ذاته ما للقمع المادي المباشر من أثر، فسن القوانين التي تجرم بعض أشكال التواصل، ووضع عقوبات مقيدة للحرية قد تدفع البعض إلى إيثار السلامة، مع ذلك سيبقى آخرون قادرين على الحركة وعلى التفاعل. هي معركة أظن الانتصار فيها سيكون باتجاه مزيد من الحريات.
* بسمة عبد العزيز تخرجت من كلية الطب والجراحة جامعة عين شمس 2000، وحصلت على ماجيستير الأمراض النفسية والعصبية 2005، وعلى دبلوم علم الاجتماع عام 2010، صدرت لها مجموعتان قصصيتان ورواية، وثلاث دراسات نفسية واجتماعية، وفازت بجائزة ساويرس للأدب عام 2008، كما فاز كتابها "إغراء السلطة المطلقة بجائزة أحمد بهاء الدين للباحثين الشباب عام 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.