اختار الدكتور نبيل عبد الفتاح في ندوة "تجديد الفكر الديني" بالمحور الرئيسي بمعرض الكتاب،أمس الخميس، أن يضع يده على الأسباب التي أدت إلى ضرورة التجديد، وأهميته في مجتمع يعاني من الفوضى الفكرية. قال عبد الفتاح إن بروز مفهوم التجديد أو الإصلاح الدينى، جاء مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي، مع مجيئ الحملة الفرنسية على مصر، مرورًا بتشكيل الدولة الوطنية الحديثة، ومن بعدها مع ظهور المجتمع الليبرالي في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضى، لافتا إلى أن هذا المفهوم ظهر مع حكم الرئيس السادات وظهور الجماعات الإسلامية على الساحة العامة والسياسية. وأضاف: إن فكرة تجديد الخطاب الدينى عادت وبقوة مع الثمانينات وتسعينات القرن المنقضى، وارتفاع وتيرة العنف باسم التأويل الديني وامتد حتى الآن، مشيرًا إلى عودة الحديث عن تجديد الفكر الدينى في هذه الآونة، يشير إلى أزمة فكرية دينية على كل المستويات. وشرح أن بدايات التجديد جاءت نتيجة الاحتكاك بالغرب منذ مدافع نابليون وحتى استعارة القوانين الحديثة ثم مع بداية تشكل الحركة الوطنية وبرزت في المرحلة الليبرالية حين بدأ يظهر مصطلح المجددين والمحافظين ويمكننا أن نرصد اسماء كان لها حظ من اطلاعها على الفكر الحديث أمثال حسن العطار، خليفة المنياوي، رفاعة رافع الطهطاوي، طه حسين، والخولي وشلتوت ثم انكسر هذا التقليد للعديد من الاعتبارات منها قوة تيار المحافظين داخل المؤسسة الإسلامية والمزايدة على الإسلام. وأوضح: هناك من رأى أن الإسلام ليس حكرا على الدولة وتراجعت مستويات التكوين الفكري لدى الأزهر وغابت الديمقراطية في الفكر والنظم وعلى أما على صعيد العملية التعليمية فقد انتشرت الحركات الاصولية واستخدام مفهوم الهوية المتغير على عكس نطاق العلم من الاسلاميين والقوميين والناصريين وهو ما جعل التجديد مسألة محورية. ومنها أيضا المدرسة الوهابية والتي ذهب المصريون إليها كنتيجة طبيعية للسعي وراء الرزق في بلاد الخليج وهو ما جعلهم يتأثرون بأنماط من التفسيرات الوهابية والقيم البدوية. ولفت إلى مظاهر عديدة للجمود في الفكر الديني الذي يستدعي قضية التجديد إلى الواجهة السياسية والاجتماعية ومنها شيوع التزمت ونمط من البلاغة الجوفاء من قبل بعض رجال الدين ومن قبل دعاة الطرق ممن ظهروا بكثافة عبر عقود عديدة يرغبون في أن يمارسوا قدرا من النفوذ على تدين الناس، وظهور وعاظ الشوارع وتمدد غلاة الحركة السلفية وتكرث ذلك بعد أن اتسع السوق الديني لكي يكون أحد مجالاته هو المجال الاقتصادي وسيطرة العقل النقدي على العقل الاجتهادي وتراجع تأثير الأزهر في الحياة وميل بعض مشايخهم إلى الغلو كنتاج للصراع والتنافس بين رجال الدين ورأى بعضهم أن تبني الحركة الوهابية يجعله طرفا في المنافسات ويروج له في المجلات الخليجية وبروز قنوات دينية وغير دينية تحتفي بذلك النمط من المشايخ ليجتذبوا أكبر قدر من المشاهدين رغبة في جلب الإعلانات. هذا التغير ساهم في التأثير على انماط القيم السائدة في مصر لأن هذه المؤثرات ساهمت في التغير..أما عبارة الإسلام الوسطي في مصر فهو تعبير يصلح في الماضي ولم يعد به وجود الآن. وأدى ذلك إلى حروب الفتاوى في الفضائيات وأجهزة الإعلام ونظرا للتدهور في مستويات التعليم والوعي باتت الفتوى هي سيدة الحياة واضطر الناس إلى المفتيين وليس دار الافتاء الذي ساهمت الجماعات الإسلامية في التشكيك فيه وانفتح سوق الفتاوى على مصراعيه وباتت حروب الفتاوى حالة مصرية وعربية. أدى ذلك إلى سيطرة على الحياة الدينية والفكرية وحجب العقل الفكري بما فيه العقل النقلي الذي يسيطر على الأزهر الشريف وهو ما جعل الدين يهيمن على كل المجالات الثقافية والاجتماعية والعلمية.. لقد حاول البعض تقديم محاولة أن كل النظريات العلمية الحديثة موجودة في النصوص المقدسة، وهو ما ادى إلى إضراب بين النص الديني وقيم الحياة ومع الرغبة في الهيمنة قام بعضهم برفع الدعاوى على المبدعين والمفكرين وتواطأ النظام السياسي التسلطي في ترك هذا وعدم حظره بالقانون لأنه يشكل جزء من التوازن في اللعبة السياسية ويجعل البعض خائفا من أن يظلم النظام السياسي ومحاولة بعضهم الذيوع في النظام السياسي برفع دعاوى الحسبة مما أدى إلى اضطراب العملية القضائية وإضعاف القوى المدنية. واستطرد: القوى المدنية في مصر متدينة وهذه الممارسات كشفت الغلو والتزمت زادى إلى أن البعض الاخر اصبح يخرج من دائرة الدين ويجد في الالحاد سبيلا وهو ما يعني اخفاق الخطاب الديني في اقتناع الاجيال الجديدة بأن الإسلام والمسيحية قابلان إلى أن تقيم جسر المؤاصرة بين الدين والحياة وثمة هروب من الفشل واسناد المسئولية إلى الآخرين مرة إلى الاسرة المفككة ومرة إلى مغريات الالحاد. حدثت أيضا بعد وصول الجماعات الإسلامية السياسية في اعقاب الربيع العربي الذي اجهض وفشل بسبب اطراف متعددة اصبح المنطق السائد هو الهيمنة الكلامية في ظل نقص الخبرات وغياب دولة لم تعد قادرة على اشباع الحاجات الأولىة للمواطنين. ما حدث محاولة لقسر الحياة المعاصرة واختزالها في مرحلة تاريخية سابقة وكل هذه المذاهب الماضية كانت من خلال تفاعلات العلماء مع عصرهم ومن ثم كانوا يجتهدون والاجتهاد بديهية يدرسها طلاب في الجامعات المصرية. هذا النمط من الاختزالية واعادة نقل الفتاوى القديمة أدى إلى أزمة العقل النقدي وقال: طالبت بعض العلماء في الأزهر الشريف بتجاوز هذه المرحلة لكن المحاولات تصدى لها بعض الغلاة. وحول أسباب الأزمة ذكر منها هيمنة التفكير النقلي واعادة إنتاج المقولات والمدارس الفقهية وانكسار فكرة التلاقي والحوار الديني بين المذهب السني الشيعي كانت هناك محاولات للتقارب ودار للتقريب في مصر وافتى شلتوت بجواز التعبد على المذهب الشيعي الاثنى عشر. بينما كان نتاج عدم الاجتهاد ضمور النزعة الاجتهادية ولم يعد الأمر إلى ترديد اتهامات قديمة ترمى على التاريخ الإسلامي والشخصيات الإسلامية وهو رمز من رموز الضعف وانعدام الجسارة ومواجهة التحديات في الفكر الديني. وشدد على أن بعض المصطلحات والمفاهيم والمقاربات المنهجية يتم استعارتها من مراجع وبحوث العلوم الاجتماعية اللغة والأنثربولوجيا، والسوسيولوجيا، والعلوم السياسية والقانونية والفلسفة.. والفنون والآداب.. الخ وغالبًا تستدعي وتستعار متأخرة عديد العقود بعد أن يتجاوزها تطور هذه العلوم والكتابات في الدرس الأكاديمي الغربي، من ثم تكون استخداماتنا أولىة وسائلة وتجاوزها تطور العلم. وانتقد نبيل عبد الفتاح الدرس الأكاديمي النظري السائد في كل فروع المعرفة الاجتماعية في الجامعات، بأنه يبدو مبسطًا، وانتقائيًا، ويقدم معممًا ومنتزعًا من سياقاته ومن تاريخ المعرفة داخل هذا الفرع في الفروع العلمية. من هنا ظهرت رطانة اصطلاحية غامضة، وممارسة انتقائية لاستخدام المصطلح، فضلا عن غياب ترجمات رصينة للمراجع الأساسية وتطوراتها في مجال العلوم الاجتماعية. وأشار إى أن المصطلح النظري يقدم مفصولًا عن نشأته، ودورات تطوره، وتجاوزه في الممارسة النظرية والحقلية، والأخطر غياب ترجمة للبحوث الميدانية التي أدت إلى بلورة مصطلحات ومفاهيم جديدة في إطارها فضلا عن استخدام بعض المصطلحات في الخطابات الإعلامية، والسياسية في غير مجالها أو معانيها، لإضفاء أهمية وهيبة على من يستخدم هذه المفاهيم. إضافة إلى ضعف وهامشية البحوث الميدانية للظواهر والمشكلات، ويقدم المصطلح كبديل عن بحث عوامل وأسباب وتطورات المشكلات موضوع الخطاب حولها. من ضمن المصطلحات الشائعة أيضا "الخطاب" الذي يستخدم بكثافة منذ عقد الثمانينيات بعد ترجمته عن الفرنسية والإنجليزية، كجزء من ثورة اللسانيات المعاصرة التي تمددت وطورت العلوم الاجتماعية كلها. ويستخدم المصطلح في عديد المجالات، ومن هنا شاع مصطلح الخطاب السياسي، والخطاب الديني، والخطاب الثقافي، والخطاب النقدي والخطاب الروائي والشعري وعادة ما يستخدم معه مصطلح تجديد الخطاب الديني، أو تجديد الخطاب السياسي، أو الخطاب الثقافي. حتى هذه اللحظة قليلة هي البحوث المعمقة التي جرت على خرائط الخطاب، وبنياته ومرجعياته، والخطاب ما وراء الخطاب وسياقاته، ومنتجي الخطاب ودوائر مستهلكيه على تعددهم وأعدادهم. أن دراسة خريطة الخطابات الدينية في الأسواق الدينية العولمية والإقليمية والوطنية، هي الخطوة الأولى للخروج من دائرة الكلام المجاني والشعارات «والأكلشيهات» الشائعة، والتي باتت تشكل عائقا كثيفا إزاء البحث الموضوعي والجاد حول الأزمات الموضوعية والتاريخية والمرجعية واللغوية للخطابات الوضعية السائدة حول الدين أيًا كان -إسلاميا أو مسيحيا.. الخ. إن بعض الاستخدام الدينى الرسمى لتجديد أو إصلاح الخطاب الدينى لا يعدو أن يكون تغيير موضوعات الخطب الدينية الرسمية لوعاظ وأئمة وزارة الأوقاف في صلاة الجمعة أساسًا، وهى سياسة مستمرة ومتغيرة في موضوعاتها منذ عقد الستينيات من القرن الماضى، وتحددها وزارة الأوقاف، وكبار مشايخ الأزهر الشريف، ومع ذلك لم يحدث تغير في عمق بنية الخطاب الدينى ومرجعياته، ومنطوقه، وتوظيفاته إلا قليلًا لدى بعض الوسطيين أو الأشعريين، أو المعتدلين على قلتهم. إن تجديد الخطاب الدينى يعنى لدى بعضهم-وهو الشائع إعلاميًا-، هو تحديد رأى المؤسسة الدينية الرسمية في بعض المشكلات الراهنة، من قبيل مواجهة الإرهاب، والتطرف الدينى، وبعض آراء الإخوان، وفتاوى مشايخ السلفية التي تبدو غريبة من منظور ثنائية الحلال والحرام، كالقول مثلًا بحرمة مشاهدة مباريات كأس العالم.. الخ، أو بعض حقوق المرأة أو الطفل والعنف ضدهما.. من ناحية أخرى مساندة الخطاب الدينى الرسمى السلطة الحاكمة في سياساتها الاجتماعية، أو مواجهة ظواهر البلطجة والجريمة والأشكال الأخرى للخروج على القانون في جرائم الوظيفة العامة، أو الاستيلاء على المال العام.. الخ!. وخلص عبد الفتاح إلى أنه لا جديد في معنى واستخدامات مصطلح الخطاب الدينى وتجديده وإصلاحه وتطويره وتحديثه إلى آخر هذه المفردات السائلة والغامضة في الأسواق اللغوية والسياسية والإعلامية والدينية، ومن ثم لن يحدث أي تغيير حقيقى أو جدى في مواجهة الجماعات المتطرفة وفى أنماط التدين الرسمى والشعبى والراديكالى الشائعة في بلادنا، وفى تدريس العلوم الدينية بل أن النزوع نحو الأشعرية كمذهب ومنحى في الكتابة والإفتاء والخطابة الدينية لن يجد صدى كبيرًا، بعد شيوع الفكر السلفى والوهابى، وتغير بعض الوسطية الاعتدالية في أفكار وتوجهات بعض أساتذة وأعضاء الجماعة الأزهرية. وتساءل عبد الفتاج: هل تمت دراسة حول الخطابات الدينية السائدة، ومكامن الأزمة فيها حتى يمكن وضع إستراتيجيات لتجديد الخطاب؟ هل يتم تجديد الخطاب دون تجديد الفكر الدينى حول أصول الفقه ومدارس التفسير والتأويل الدينى، وعلم الكلام ومقارنات الأديان، وإدخال مناهج التفكير النقدى في العلوم الاجتماعية والفلسفات المعاصرة، والمناهج الجديدة؟ وهل هناك دراسات تاريخية نقدية حول تطور الفكر الدينى المصرى وهل هناك دراسة موضوعية ووصفية وتحليلية للمدارس السائدة في الأزهر الشريف والأوقاف، ومصادرها التاريخية ومرجعياتها الفقهية والكلامية والتفسيرية وذلك على نحو نقدى وموضوعى؟... وقال: نحن في حاجة الة بيئة سياسية واجتماعية تؤدي إلى دفع رجال الدين إلى الاجهماد.. لابد أن يتسيد سطان العقل لا النقل.. أيضا محاولة تحرير الإسلام من الدين أو الدولة فالدولة من المفترض أن تكون حاضنة لها ولا تمييز الا في إطار القانون. لابد دراسة الوضع الراهن في الخطابات الدينية السائدة فلا تجديد دون حرية وديمقراطية ونبذ العنف وأن يكون سلطان القانون فوق من يمارس العنف ويتطور التعليم الديني والمدني بتغيير جذري شامل.