" لا تصنعْ لك تمثالًا منحوتًا" ( خر 4:20) كان الوثنيّون يصنّعون تماثيل لآلهتهم ويقدّمون لها القرابين والتّسابيح. ونفهم من ذلك أنّ الوثنيّين صنعوا آلهتهم بأنفسهم بحسب أهوائهم، ورغباتهم، ومصالحهم. وإذا ما صنع الإنسان إلهه، سيطر عليه، وسيَّره كما يريد، واستغنى عنه أو استبدله بآخر. وعندما يصنع الإنسان إلهاً له يُسقِط عليه صورته، بل يصل إلى أن يُسقط عليه خطيئته، فيشدَّ إلهه إلى الأرض بدل أن يرتفع به إلى ما هو أبعد من حدود الزّمان والمكان. وكي لا نسمح للأسلوب الوثنيّ أن يجتاح حياتنا ويتسرّب إليها كالسّمّ، ينبغي أن نحذر من صنع تماثيل تصوّر لنا إلهنا، أو والدة الإله، أو القدّيسين، ونقف عند حدودها بدل أن نتطلّع إلى وجه الرّبّ السّاكن فينا. قد يقول قائلٌ أنّنا بشريّيون ونحتاج لأن نرى أو نلمس إلهنا. بيد أنّنا إذا فكّرنا قليلاً سنكتشف أنّنا نرى إلهنا حقّاً، بل ونلمسه ونتحاور معه. من يؤمن أنّه يقبل سرّ الأفخارستيا ليس بحاجة لصورة، أو تمثال، أو منحوتة. فالحضور الإلهيّ حضور شخصيّ، وإذا حضر الشّخص فما هي قيمة الصّورة؟. في القرن الماضي رسم ( روبيرتو فيروتزي) لوحة من بين أشهر اللّوحات في العالم، ومن أكثرها استنساخاً ورواجاً. أرادها صورة ترمز للأمومة، لهذا أسماها في البداية " مادونينا" ( Madoninna) الّتي تعني بالإيطاليّة الأمّ الصّغيرة. ولم يكن يقصد أبداً رسم صورة دينيّة. لكن مع مرور السّنوات أصبح النّاس ينظرون إلى اللّوحة كصورة أيقونيّة للعذراء وطفلها الرّضيع. وربّما كان هذا الخلط سبباً في الشّهرة الدّائمة الّتي اكتسبتها هذه اللّوحة. ومن لم يقرأ عن هذه اللّوحة ما زال يعتقد أنّها صورة والدة الإله، فيقتنيها كصورة مقدّسة. علينا أن نتبيّن ما هو مقدّس ممّا هو غير مقدّس. كما علينا أن نتنبّه للموروث الّذي يفرض نفسه علينا ونستسلم له بسهولة، ونقنع أنفسنا به. التّصوير والرّسم والنّحت فنون قيّمة، وتبعث الجمال في النّفس الإنسانيّة، لكن لا يجدر بنا تحويل هذه الفنون إلى مقدّسات. الحبّ الإلهيّ يحضر في شخص يسوع المسيح الإله الكامل والإنسان الكامل، وعلاقتنا به علاقة شخصيّة حسّيّة وروحيّة. والمسيح حاضر فينا، وفي الكتاب المقدّس، والأيقونات المقدّسة الّتي لا نساويها بالرّسومات والمنحوتات واللّوحات. وإنّما الأيقونات المقدّسة قراءات للنّصوص الكتابيّة، نعاين ونسمع فيها الرّبّ تماماً كما نعاينه في الكتاب المقدّس.