مجمع أديان سانت كاترين كان اضطهاد اليهود المستمر للمسيحية في بدايتها أيضاً سببا في تشتت أنصار المسيح مبكرًا، ورغم ذلك فإن الكنائس المسيحية علي مختلف انتماءاتها وضعت الكثير من الصور المتخيلة للمسيح والتي كان أشهرها صورته كرجل أبيض قوقازي الملامح، لكن المفاجأة أن صورة المسيح المتخيلة تلونت بلون المجتمعات التي انتشرت فيها المسيحية فجاءت الصورة تعبيرًا عن مجتمعها بأكثر من التعبير عن حقيقة ملامح المسيح. ونظرا لاختلاف الرؤي والتصورات بشأن صورة المسيح آثرت «آخر ساعة» عدم نشر أي من الصور المنسوبة للسيد المسيح. لا نعرف علي وجه اليقين من أين جاءت أولي صور المسيح، لكن المؤكد أن المسيحية ظهرت في وقت كانت الديانات الوثنية مسيطرة علي مجتمع البحر المتوسط، وكانت كل هذه الديانات تمتلك تقاليد عريقة في تجسيد الآلهة في منحوتات وصور أيقونية وصلت إلينا منها آلاف القطع، ونعرف أن العديد من معتنقي هذه الأديان الوثنية انتقلوا إلي المسيحية بعدما بدأت في الانتشار ببطء طوال القرن الأول من الميلاد، قبل أن تغدو الديانة الأولي داخل الإمبراطورية الرومانية مع منتصف القرن الرابع الميلادي، فطبيعي حدوث تأثير في الفنون المسيحية الأولي من قبل المجتمعات الوثنية التي سبقت المسيحية. وفيما يتعلق بصورة السيد المسيح فأول ما تذكره الكتب الكنسية في هذا السياق هو أن القديس لوقا، كاتب أحد الأناجيل الأربعة المعترف بها كنسيًا، رسم أيقونة للسيدة مريم العذراء، في الوضع الشهير وهي تحمل الطفل الرضيع، وربما يكون رسم كذلك أيقونة للمسيح ذاته، ومن الملاحظ أن لوقا لم يكن يهوديا قبل أن يدخل المسيحية بل كان "أمميًا" ودخل المسيحية علي يد أحد تلاميذ المسيح، الذين نزحوا من بيت المقدس إلي أنطاكية، التي كانت أحد أهم مراكز الديانات الوثنية في العالم القديم. أما الرواية الكنسية الأشهر حول أقدم صورة للسيد المسيح فتتعلق بقصة أبجر أمير مدينة أسرونة (الرها)، الذي امتلك ما بات يعرف بصورة "الوجه غير البالي"، أو "الصورة غير المصنوعة بيد إنسان"، أو صورة "الوجه المقدس"، وبحسب التقليد الكنسي الشرقي كان أبجر ملك الرها مصاباً بمرض البَرص، وقد بلغت مسمعه أخبار معجزات السيد المسيح بشفاء المرضي، فأوفد إليه مبعوثه الشخصي برسالة يدعو فيها الملك المريض السيد المسيح بزيارة الرها، والعمل علي علاجه بإحدي معجزاته، لكن المسيح لم يتمكن من مغادرة فلسطين، فطلب ماء وغسل وجهه ومسحه بمنديل، فطبعت صورته علي المنديل، وأرسله إلي الملك أبجر والذي ما إن تسلم المنديل حتي نال الشفاء من مرضه، واكتسب المنديل من وقتها قداسة في كنيسة الرها، والتي قيل إن الرسامين في الكنائس نقلوها في الكثير من الأيقونات. أما في مصر القبطية فقد جاءت الرسومات المعبرة عن المسيح قريبة من وجوه المصريين بسمرتهم المميزة وشعرهم المجعد، وتحديدا تلك المتعلقة بوجوه الفيوم الشهيرة، ما أكده اكتشاف فريق من علماء الآثار الكتالونيين في2014، واحدة من أقدم الصور قالوا إنها للمسيح في مقبرة فرعونية قديمة في مدينة البهنسا بمحافظة المنيا، تعود علي ما يبدو لعدد من الكهنة، ونقل الخبراء أكثر من 45 طنا من الصخور من أجل الوصول إلي الغرفة المخفية التي وجدوا فيها الصورة، التي وصفها رئيس البعثة الدكتور جوسيب بيدرو، بأنها "استثنائية"، والرسم لشاب شعره مجعد، ويرتدي سترة قصيرة رافعا يده كما لو أنه يعطي بركته للناس. واختلف الوضع في أوروبا الكاثوليكية إذ تم الاستقرار علي رسم السيد المسيح في ضوء الخبرة الأوروبية فجاءت بشرته ناصعة البياض وأقرب إلي الملامح القوقازية، وهو ما تم تثبيته في عصر النهضة الأوروبية عندما أصبح فن رسم المسيح وأمه السيدة مريم فنا قائما بذاته، وأبدع الفنان الإسباني بارتولومي استبيان موريللو في تصوير السيد المسيح والعائلة المقدسة في لوحاته الزيتية. وتعد أبرز لوحة متخيلة للسيد المسيح تلك المعروفة باسم "العشاء الأخير" التي رسمها أحد أبرز عباقرة عصر النهضة، ليوناردو دافنشي، والذي رسمها في ميلانو علي جدار غرفة الطعام بدير السيدة مريم، وبدأ دافنشي رسم اللوحة في سنة 1495، وسعي لإظهار جميع التفاصيل بطريقة رائعة، وأبعاد الصورة حوالي 9 أمتار طولاً و4 أمتار ونصف عرضًا، وهي اللوحة التي تعرض من أشهر اللوحات التي تتصور السيد المسيح وتلاميذه، وأثرت في تصور الفنانين الأوروبيين لشكل المسيح، الطريف في الموضوع أن بعض الدراسات الحديثة تذهب إلي أن دافنشي لجأ إلي حيلة فنية، وخلع ملامحه الشخصية علي تصوره للمسيح في لوحة العشاء الأخير. ومع موجة الاستعمار الأوروبي الذي تزامن بارتكاب مذابح بشعة في حق السكان الأصليين في الأميركيتين وأفريقيا، رفضت الشعوب التي دخلت المسيحية فكرة المسيح الأبيض الذي اختلط في أذهانهم بجرائم الأوروبي الأبيض، فقرروا أن يصنعوا المسيح المعبر عنهم وعن قيم المسيحية الحقيقية بعيدا عن الاستغلال الأوروبي لها، فظهر المسيح بمعالم لاتينية في أميركا الجنوبية، بينما جاءت ملامحه سوداء في أفريقيا، لتظهر بالتوازي دراسات عديدة ترفض التصور الغربي للمسيح وتؤكد أن الأكثر منطقية هو أن لون بشرة السيد المسيح كانت أقرب للسمرة باعتباره أحد أبناء منطقة الشرق الأوسط التي تتميز بهذا اللون، وأن تخيل صورة المسيح بملامح أوروبية كان غرضه تنميط نظرية التفوق الأوروبي وتفوق الجنس الأبيض علي بقية العالم، وعلي ذلك لم يكن أبيض البشرة كبياض القوقازيين، ولا كان شعره طويلا مسترسلا كما تصوره الفنانون، بل كان أقرب لشكل المصريين أي خمري اللون أجعد الشعر، والدليل أنه عاش طفولته في مصر ولم يثر الأنظار إليه كأجنبي رغم تكثيف البحث عنه. وتوصل عدد من الباحثين بجامعة برمنجهام إلي أن المسيح لم يكن لا خالص البياض ولا أسود اللون، وإنما كان أقرب ما يكون لوجوه المنطقة التي عاش فيها في مصر وفلسطين، وعلي ذلك فهو من التركيبة الإثنية لشعوب البحر الأبيض المتوسط، وهم خمريو البشرة بدرجات مختلفة، كما أن الحديث عن أن المسيح كان مسترسل الشعر غير صحيح، لأن هناك فقرة في إنجيل بولس تقول إنه من العار علي الإنسان أن يترك شعره يطول، وعليه فقد كان المسيح قصير الشعر. في الأثناء، نشرت صحيفة " ديلي ستار" البريطانية صورة تقول إنها الأقرب شبها للسيد المسيح قياسا بآلاف الرسومات والمنحوتات التي تفنن مصمموها عبر القرون في إظهاره، وقال خبير الطب الشرعي البريطاني ريتشارد نيف، والذي شارك في المشروع، إن "تطور التكنولوجيا والتقنيات الفنية قد أعطتنا شكلا جديدا تماما للسيد المسيح"، وقضي نيف أعواما في إعادة تشكيل أوجه ضحايا حوادث الاغتيال لمساعدة جهات التحقيق علي اكتشاف هوياتهم وإلقاء القبض علي مرتكبي تلك الجرائم، قبل أن يقرر استخدام التقنيات نفسها لرسم صورة للسيد المسيح، حيث خلص إلي أن المسيح كان يمتلك بشرة داكنة وشعرا قصيرا ومجعدا أسود اللون، وربما لحية خفيفة، ناسفا الصورة التقليدية له والمنتشرة في الكنائس المختلفة. وتوصل نيف إلي نتيجته بعد دراسة الكثير من الجماجم لأناس ينتمون إلي الجنس السامي قبل أن يقوم برسم تلك الصورة للسيد المسيح والتي تظهره بوجه عريض وعينين سوداوين ولحية كثة وشعر رأس قصير ومجعد، بالإضافة إلي لون بشرة داكنة، وهي صفات كانت شائعة بين اليهود الشرق الأوسطيين في منطقة الجليل، وهي المنطقة الجغرافية التي ظهر فيها المسيح في شمال فلسطين التاريخية شرقي البحر المتوسط، ورغم اعتراف نيف أن نتائج أبحاثه افتراضية إذ لم يعمل علي جمجمة للمسيح أو لأي من أقاربه لأن مثل هذه الجمجمة غير موجودة، فإن خبراء كثر يرون أن هذا التصور ربما يكون أكثر واقعية بكثير من الرسومات والمنحوتات الدينية التي لا تُحصي والخاصة بالمسيح، فيما قال أليسون جالواي أستاذ الإنثروبولوجيا الأمريكي، تعليقا علي الصورة: "تلك الصورة أقرب كثيرا إلي الحقيقة قياسا برسومات العديد من الأساتذة العظام".