ان اواصر الصلة التي يترابط فيها الدين والشعر تتركز في اعتماد كل منهما على الروح الالهام والحدس والتلقي اعتقادا واستنادا وافرا ابتداءا من اقتناع الانسان الاول بان لكل شيء روحا وهذه الروحية هي ما في الدين من شعر وما في الشعر من دين وان الفرق بين الروءيا الصوفية والرؤيا الشعرية ينبثق من درجة تسامي كل منهما نحو الحقيقة. لذا نلاحظ في مجال الفناء في هذا العالم والامتزاج فيه لدى الصوفي بحيث تتوحد كل تناقضاته ويغدو عينا شفافا خاليا من التعكر الفكري والصراع النفسي وربما لا يفترض في التجربة الشعرية بلوغ هذا المدى في كل الاحيان الا عند القليل من الشعراء ففي حالات الصفاء والشفافية تقترب رؤى الشعراء من رؤى الصوفية وقد تبلغ مبلغها من السمو والتركيز فتاتي او تجيء اشعارهم كشطحات صوفية جانحة الى الايماء والرمز والغموض واللامعقول فالشعر الصوفي هو امتداد لشعر الزهد فقد انحدرا في نهر واحد ثم افترقا قريبا من بعضهما ثم يلتقيان ليصبا في مصب واحد فشعراء الزهد كانت قصا ئدهم واشعارهم في التقرب الى الله تعالى طمعا في الجنة والجزاء الحسن ومن هنا كان شعرا مليئا بالفاظ التوسل و الرجاء و المناجاة والتحذير من النار وملذات الحياة الدنيا وشهواتها والتذكير بالاخرة والمعاد والحساب يوم القيامة . اما الشعراء الصوفيون فقد نبعت اشعارهم وقصائدهم من هواجس الحب والشوق والوجد والوله والعشق لخالقهم لذا اختاروا الالفاظ الغزلية وكلمات الحب الخالص في التعبير عن مكنون انفسهم وافكارهم وما يداخلها من حب وشوق الى الله تعالى. وشتان بين الخوف والرهبة وبين هاجس الحب والشوق فالشاعر الصوفي محب عاشق واله من حيث ان الصوفية في جوهرها وذاتها ضرب من ضروب الحب والوجد والوله والفناء بالحبيب واليه. والاسلوب الشعرى هو بنا ء القصيدة من حيث الشكل والمضمون حسا و مضمونا وفنا وتخيلا وتصورا واحاسيس ووجدان وعواطف وصورا شعرية وبلاغة وموسيقى و نحوا في كل ما يتطلبه البناء الشعرى للقصيدة وداخل فيها ابتداءا من مطلعها الى خاتمتها . واللغة الشعرية التي استعملها الشعراء الصوفيون قد اشتملت على معاني الغزل العذرى وما فيه من الفاظ تعبيرية تذوب فيها عواطف المحب في الحب والشوق والوجد والفناء في داخل المحبوب وقد اضافوا اليها احدى طرق التعبير الصوفي ماثلة في التلويح او الرمز الشعرى الذى يومىء او يثير النفس به الى ما لا حد لها ومن خلال هذا الطريق استطاع الشاعر الصوفي التعبير عما يخالجه ويجول بخاطره من عبارات دون الاكتراث بما حوله . وقد اكد الشيخ الكيلاني هذه الحقيقة في شعره متخذا من الرمز او الاشارة مسلكا كقوله : اسراري قراءة مبهمات مسترة بأرواح المعاني فمن فهم الاشارة فليصنها وإلا سوف يقتل بالسنان كحلاج المحبة اذ تبوت له شمس الحقيقة بالتداني . وقال انا هو الحق الذى لا يغير ذاته مر الزمان . ومن العناية الشعرية جودة الصياغة وحسن اختيار الألفاظ حيث كان الشاعر الصوفي دقيقا في اختيار الفاظ الشعر الصوفي في ظل الرمز. وقد استعمل الالفاظ السهلة وانتقاء الكلمات الحلوة او الجميلة التي تبين ما يتمتع به او يحس به في دواخل نفسه ويمتنع عن غيره . فالشاعر في قوة والهام في الاختيار والتعبير والشاعرية الفذة بالفاظ سهلة مالوفة يلبسها ثوبا جديدا قشيبا يتلون بالوان وهج القصيدة واحاسيسها اوقعها بين الرقة والعذوبة والخطابية وصياغة الكلمات الحلوة التي تبين ما يتمتع به وقد يستعمل الألفاظ السهلة وانتقاء الخطابية لذا جاء شعره رقيق الحواشى جميلها رمزيا وهذا ما نلاحظه في قصائد الحلاج والكيلاني ورابعة العدوية وفي قصائد ابن الفارض . أما الموسيقى الشعرية فإنها تنبع من احساس الشاعر وما يتأجج في نفسه من أحوال ومواجيد . وقد ارتبط بالموسيقى مظهران أساسيان واضح من وعائهما وهما الأوزان والقوافي. ففي مجال الأوزان الشعرية والوزن هو قالب موسيقي يعتمده اسلوب الشعر العربي او هو مصطلح الايقاع واللحن الحادث ينتج من تجمع اصوات حروف الكلمة او العبارة المنتقاة وتجاوبها مع بعضها تنسيقا واداءا مع متانة الصياغة من خلال انتقا ء الشاعر لها ونلاحظ على سبيل المثال ان الشيخ الكيلاني قدس سره قد اختار لقصائده الاوزان ذات النغمات الطويلة والمؤثرة في المتلقي لذا جا ءت قصائده تسبح في بحار الطويل والبسيط والكامل والوافر. أما القوافي فانها تنطوي على تقدير الاتصال بين أبيات القصيدة الواحدة وتبرز أهميتها من خلال الاتصال والتناسق مع الاوزان الشعرية والانسجام بينهما بحيث نجد في الشعر الصوفي معظم قوافيه جاء منسجما مع الوزن بحيث تشكل جرسا موسيقيا عذبا متالقا متصاعدا بتفاعله مع العواطف المتلقية حتى تصل الى حد الانبهار في بعضها. أما فى موضوع الفنون الشعرية فأقول ان الصوفي ولد في أحضان حركة الزهد الإسلامي وتطور من خلالها والشعر الصوفي ولد في رحم التيار العام للشعر الديني في الإسلام وترعرع فيه وقد عبر الشعر الصوفي بأمانة عن مختلف النوازع الصوفية كالاعراض عن الدنيا والزهد فيها والاخلاد الى القناعة والرضا بفضل الله تعالى والصبر عند النوازل والشكر لنعم الله تعالى وآلائه والتوكل عليه في السراء والضراء . وفي مقامات الصوفية وحقيقتها نلحظ نهوض القلب في طلب الحق عز وجل . والمقام عندهم مقام العبد بين يدي الله تعالى فيما يأتيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع اليه تعالى مع فرضية الاتيان بكل التكاليف الشرعيه والتاكيد على الديمومة عليها و شد كل هذه النوازع والسبل اليها نجده ثابتا في الشعر الصوفي . يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني في احدى قصائده يناجي نفسه عند الشدة : ان ابطأت غارة الارحام وابتعدت عنا فاسرع شيء غارة الله ياغارة الله حثّي السير مسرعة في حل عقدتنا ياغارة الله ان الشائد مهما ضاقت انفرجت لاتقنطن اذا من رحمة الله فافزع سريعا بقلب محرق وجل مستعطفا خائفا من سطوة الله وقل اذا ضاقت الأحوال مبتهلا برفع صوت: الا ياغارة الله فكي خناق الذي قد ضاق في عجل ونفّسي كربتي ياغارة الله يانفس قولي اذا ضاق الخناق الا ياغارة الله حتى ياغارة الله والصورة الفنية هي اللمحة والحالة التي يسجلها الشاعر وما يتمثل به من احساس وادراك للوصول الى ما تسمو اليه شاعريته ويروم تسجيله بحالة انصع وافضل والصورة الشعرية قمة خيال الشاعر فهي بحر يسبح فيه ويبحر في مداه وسماء يعرج فيها الى مبتغاه وارض يتنزه عليها فيها. والصورة الشعرية الفنية نجدها واضحة جلية في اغلب القصائد الصوفية ومقطوعاتها الشعرية و تشمخ من خلال دراسة هذه القصائد ونستطيع ان نلمس ذلك في جل الفنون الشعرية التي طرقها الشاعر الصوفي فكانت فنونا شعرية واغراضا مختلفة تعبر عما يخالج القلوب بحيث ترقى الى صوامع النفوس ومداخل الافكار . امير البيان العربي د فالح نصيف الكيلاني العراق- ديالى – بلدروز