أقام ملتقى السرد العربي بمقر المنتدى الثقافى المصرى مساء السبت الماضي ندوته الشهرية بعنوان "أزمة السينما المصرية بين النص السردى والواقع المتغير"، بحضور عدد من المهتمين بالشأن السينمائي. في البداية تساءل رئيس ملتقى السرد العربي الدائم بالقاهرة د. حسام عقل، هل بالفعل وقع المشهد السينمائى فى قبضة السبكى؟ وهل هذا قدر ينبغى أن نسلم به؟ ثم قدم الناقدة السينمائية ماجدة خير الله التى خاضت تجربة سينمائية كبيرة مع فاتن حمامة وغيرها من عمالقة الفن، معرجاً على تاريخ السينما العالمية وأنها ولدت فى أحد مقاهى باريس عام 1895 م ، وقد دخلت مصر فى العام التالى 1896 م ، وانطلقت من مدينة الاسكندرية وظلت موجودة حتى تم تمصيرها. وبعدما رحل الاحتلال فرضت كل الأنظمة والحكومات رقابة على التجارب السينمائية لكن كل ذلك لم يمنع السنمائيين أن ينتفضوا متى لزم الأمر. وأشار عقل إلى أن النقد ليس موجهاً لذبح السينما بل كي تتعافى كما كانت أيام أفلام عاطف الطيب وذلك الجيل القديم، ولإنصاف السينما المصرية فقد كذب الادعاء المنتشر أن السينما هادنت الحاكم طيلة عهدها، بدليل فيلم "برئ" لعاطف الطيب الذى حمل التنبؤ لما هو قادم، وقد شاهد الفيلم ثلاثة من الوزراء هم المشير أبو غزالة وأحمد رشدى وزير الداخلية، وأحمد هيكل وزير الثقافة . وتناول الفيلم تجربة اعتقال مظلوم ، وتم الإتفاق على عرض الفيلم على أن تقطع منه أعز لحظاته وهى مشهد النهاية كما تم التنويه فى البداية على أن هذا الفيلم لا يعبر عن الواقع! كما تعرضت الأستاذة ماجدة خير الله إلى فيلم " كشف المستور " الذى تعرض إلى تغيير كثير من مشاهده، وعاد مرة أخرى الدكتور حسام عقل إلى سؤاله الأول هل يربى السبكى أولادنا؟ وأشار إلى الفيديو الذى التقط لفتاة صغيرة وهى ترقص بالسكين، تقلد فيه أحمد السقا فى فيلم ابراهيم الأبيض، وأن القضية لا تتوقف على حد السبكى فى فيلم مثل القشاش وغيره من الأفلام التى ظهرت فى الفترة الأخيرة وتسير فى نفس الاتجاة، فهل أصبح قدرا علينا أن تخضع السينما لفكر السبكى وطريقته؟ أما السؤال الثانى: هل للسينما المصرية وجود فى السينما العالمية؟ مشيراً إلى إحدى الموسوعات العالمية التى بها 1266 عمود لكن لا يوجد عن السينما المصرية غير عمود واحد! هل هذه هي مكانتها بعد 100 عام من التجربة السينمائية، مقارنا ذلك بالسينما الايرانية التي تعد ظاهرة أذهلت السينما العالمية بانسانيتها. ففيلم مثل "كندهار" وهو يصف مجموعة من اللاجئين الذين قطعت أرجلهم بسبب الألغام ومشهد الطائرات ترمى لهم بأطراف اصطناعية لا مجال مقارنة بينه وبين ما تظهره أفلام السبكى الفاضحة.. فمتى نعود إلى المشهد السينمائى مرة أخرى أو حتى نلحق بالركب العالمى؟ وقالت الناقدة ماجدة خير الله إن المشكلة ليست فى السبكى فقد عمل أفلاماً كثيرة لأحمد زكى، ولا نستطيع أن نحمله أو نطلب منه أن يحمي ثقافتنا أو يربى أولادنا فهو يصنع ما يطلبه الجو مشيرة إلى أن الكلام لا ينطبق على السبكى فقط . فليس هناك شركة سينمائية مطلوب منها أن تربى أولادنا؛ إذن فأين دور المدارس و الأسرة، فليس من الصواب أن نعطى أدوار لأناس ليسوا هم المنوطون بها. وحتى نستطيع أن نتكلم بطريقة مفيدة فلنسأل أنفسنا من أين أتت المشكلة؟ بداية، السينما المصرية مثلها مثل أى سينما فى العالم تقدم ما هو جيد وما هو رديء حتى فى أيام السينما المصرية القديمة أو ما يطلق عليها الزمن الجميل، لكن الذى ميز تلك الفترة هو التوازن بين وتحويل الروايات الجيدة لأفلام سينمائية. وأشارت ماجدة خير الله إلى دور الدولة في دعم صناعة السينما، ليس فى تغطية التكاليف كلها بل فى التمويل ولو بنصف التكلفة. وبسبب غياب هذا الدور تم إغلاق أكثر من شركة إنتاج خاصة بسبب الخوف من الضرائب والخسائر. وقالت مثمنة تجربة الإمارات وبخاصة مهرجان دبى الذي يتكفل بدفع تكلفة إنتاج أي فيلم مشارك فيه سواء فاز أو لم يفز الأمر الذي دفع منتجي الأفلام إلى عرضها فى دبى بدلا من مهرجان القاهرة بالإضافة إلى فتح بلادهم كاستديو مفتوح للأفلام الأجنبية فى التصوير رغم قلة المعالم هناك. وكان نتيجة ذلك أن أصبحت دبى من أشهر المناطق فى الشرق الأوسط، بينما دولة مثل مصر وما بها من آثار لم تستطع أن تسوق لنفسها بصور جيدة من خلال السينما. حتى المسلسلات التى كانت تقدم من إنتاج الدولة ونالت شهرة عالية رفعت الدولة يدها عنها. وعقب د. حسام عقل قائلاً إن السينما المصرية يمكن أن تكون سفيرا مصريا فى الخارج، فعلى سبيل المثال ظاهرة إسلاموفوبيا أو خوف أوروبا من الإسلام تمكن فيلم الرسالة الذي أنتج عام 1976م أن يحسن من الصورة. ومن ناحيته انتقد السيناريست أحمد كفافى غياب الثقافة السينمائية موضحاً أن السينما الغربية تصنع موضوعات من لا شئ. وعبر عن ضيقه بسبب الأفلام المصرية التي تعرض فى مهرجان دبى أو مراكش ولا تنزل دور العرض في مصر. وعقبت ماجدة خير الله بضرورة الاهتمام بالفن البصرى الذى لا يعتمد على الحوارات الطويلة بل يعتمد على مناقشة الأفكار بدون صخب. وأشارت إلى أن معظم الأفلام العالمية قد أخذت من الروايات والمسرح العالمى وأن جوائز الأوسكار تقدم جائزتين واحدة للسيناريو المكتوب خصيصاً للعمل السينمائى والآخر المأخوذ من رواية. ولفتت إلى أنه في القديم كان المخرج يشترى الرواية من الكتاب قبل أن تطبع الرواية أما الآن فقد توقف ذلك. وانتقدت خير الله القول الشائع عن السينما والواقعية مشيرة إلى أن السينما فعلا ليست واقعية وإنما الواقعية نشات نتيجة لسوء الأحوال العالمية من اقتصاد وسياسة وحرب عالمية دمرت الكثير من الاستديوهات فكانوا يصورون فى الشارع ومن هنا جاءت سينما الواقعية وتحديداً من إيطاليا وعندما تم استيرادها أعدنا صياغتها على أنها تلك الأفلام التي تصور فى الحارات الشعبية. وقالت إننا لكي نصل إلى العالمية يجب أن نصل أولاً إلى المحلية وأن نعبر عن ذاتنا وذكرتت التجربة الايرانية وكيف استطاعت أن تتميز فى الفترة الأخيرة.