إن المكتب السياسى لحزب جبهة التحرير الوطنى قد أنتخب على رأسه رئيس الحكومة المؤقتة الأسبق والزعيم فرحات عباس و هو الذى أعلن عن المصادقة على الحكومة التى إقترحها أحمد بن بلة بعد تعيينه رئيسا للوزراء من قبل المجلس التأسيسى وكذا الإعلان عن الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية والتى إنضمت رسميا إلى الأممالمتحدة فى عام 1962 0 فنفس المجلس الذى تسلم رئيسه فرحات عباس صلاحيات الحكومة المؤقتة رسميا من قبل رئيسها بن يوسف بن خدة غريمة الأسبق على منصب رئاسة الحكومة المؤقتة والخارج بعد إنهزامه فى صراعه مع التحالف العسكرى السياسى الذى إستطاع أن يكسب الكثير من الوجوه والقوى السياسية بما فيها التى كانت محسوبة على التيار الليبرالى من أمثال أول رئيس للحكومة المؤقتة فرحات عباس والكثير من الوجوه السياسية القريبة منه التى إستطاعت بسرعة التموقع مع الطرف المنتصر على حساب القيم التى تبنتها ونادت بها قبل وبعد هذا التاريخ0هذا وقد قرر المكتب السياسى لحزب جبهة التحرير الوطنى تحمل السلطات التى كانت تتمتع بها الحكومة المؤقتة بعد تكوينه فى تلمسان فى عام 1962 من طرف خمس شخصيات وهم طبعا كل من أحمد بن بلة ومحمد خيضر ورابح بيطاط والحاج بن علا ومحمدى السعيد بعد أن رفض كل من محمد بوضياف و وحسين أيت أحمد الإنضمام إليه 0 ليتم تكوين مكتب سياسى ثان فى الجزائر العاصمة فى نفس العام من طرف نفس الوجوه بالإضافة إلى محمد بوضياف الذى غادره بعد شهر من الإعلان عنه فى حين بقى حسين أيت رافضا الإنضمام إليه 0 ثم جرت إنتخابات أعضاء المجلس التأسيسى حيث تم إنتخاب 196 عضوا 0 ثم تمت الموافقة على أحمد بن بلة ب141 صوتا من مجموع 189 مشاركا فى التصويت 0 وهكذا جرت إنتخابات المجلس التأسيسى بعد أن أجلت أكثر من مرة تحت سيطرة نفس التحالف العسكرى السياسى الذى كان مسيطرا على جبهة التحرير الوطنى والذى أطلق عليه فى ذلك الوقت مصطلح مجموعة تلمسان التى كانت منافسة لما سمى بمجموعة تيزى وزو التى قادها كل من بوضياف وكريم بلقاسم0 هذا طبعا ورغم ما يقال عن هذه الثقافة السياسية وتجلياتها على مستوى السلوكات الفردية والجماعية فإن الصراع للإستلاء على المؤسسات والهياكل يبقى على أشده فى كل وقت حتى الآن خاصة إذا تعلق الأمر بحزب جبهة التحرير الوطنى الذى كان يتمتع بشرعية كبيرة فى أعين جماهير الشعب الجزائرى وكذا العالم الخارجى فى السنوات الأولى للإستقلال0 فالصراع طبعا يزداد حدة عندما يتعلق الأمر بالمناصب والمواقع داخل المؤسسات التنفيذية0 ومن هنا طبعا يفهم سرالصراع على تشكيل المكتب السياسى لجبهة التحرير الوطنى 0 فقرار تكوين المكتب السياسى قد كان يؤرخ لنهاية مرحلة كان فيها القرار السياسى يتخذ بطريقة جماعية عن طريق التوافق أو الإنتخاب بمشاركة الجميع وبداية مرحلة جديدة أخرى تتميز بسيطرة مجموعة 0 كما أن هذا التضييق على المشاركة فى إتخاذ قد إنتهى بأن أصبحت قرارات المسئول الأول لا تناقش وتتحول إلى قانون0 هذا طبعا الخلافات والصراعات الفكرية فى المشهد السياسى الجزائرى ليست هى المهمة والحاسمة بقدر أهمية التموقع داخل المؤسسات والحصول على مناصب للحلفاء والأتباع الذى لا يعتمد بدوره على قناعات سياسية أو فكرية بقدر ما يعتمد على ولاء ات شخصية مصلحية وجهوية 0 هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الخلافات والصراعات وما يرتبط بها من إتخاذ للقرارات لا تصنع داخل المؤسسات السياسية الرسمية بقدر ماتصنع و تتخذ خارجها بين الأفراد واعتمادا على موازين قوى ليست سياسية بالضرورة0 وهذا الذى حدث طبعا عند إنتخاب المجلس التأسيسى و وحتى عند تكوين المكتب السياسى لجبهة التحرير الوطنى بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان ليتحول إلى قاعدة عامة بعد ذلك طبعا 0 كماأن لقاء طرابلس للمجلس الوطنى للثورة الجزائرية قبل الإستقلال فى عام 1962 قد كان إجتماعا تمت المصادقة فيه على ميثاق أطلق عليه مصطلح مؤتمر طرابلس 0 حيث هذا المؤتمر بمثابة وثيقة سياسية أصبحت فيما بعد مرجعية أساسية للدولة الجزائرية الحديثة بعد الإستقلال فى مختلف المجالات السياسية والفكرية والإقتصادية والإجتماعية0 إلا أن هذا المؤتمر لم ينه أشعاله وعلقت جلساته عندما وصل الأمر إلى قضية التعيينات وتوزيع المناصب بين مختلف القوى السياسية والعسكرية داخل المكتب السياسى لجبهة التحرير الوطنى 0 الذى كان يفترض فيه أنه يمثل السلطة السياسية الأولى فى البلاد ومركز القرار الأساسى لجزائر مابعد الإستقلال0 حيث أن هذه القوى السياسية لم تر مانعا فى أن توافق على الوثيقة السياسية رغم ما كانت تحتويه هذه الوثية من مواقف وأراء ليست محل إجماع بالضرورة 0 هذاوقد كان الرئيس أحمد بن بلة فى عام 1962 يملك جمهورا لكنه كان من دون قوة تسانده فى حين كان هوارى بومدين يملك القوة لكنه كان طبعا كان غير معروف0 وهذا طبعا مما جعله يستعمل بن بلة للتسلق عليه نحو أعلى سلطة فى البلاد0 كما أن العملية قد على مرحلتين الأولى كانت بالإنقلاب على الحكومة المؤقتة وتنصيب أحمد بن بلة رئيسا للجمهورية 0 والثانية كانت بالإنقلاب على أحمد بن بلة وتنصيب بومدين لنفسه لمدث ثلاثة عشر سنة تم خلالها طبعا تدشين الحكم العسكرى 0 كما أن الصراع على تشكيلة المكتب السياسى لجبهة التحرير الوطنى يمكن إرجاعه إلى أن هذه القيادة السياسية الوطنية هى التى كانت تمثل الشرعية الثورية فهى التى وبالتالى فإنها كانت ترى بأحقيتها فى الإشراف على إنتخاب المجلس التشريعى وتكوين أول حكومة للجزائر المستقلة بإعتباها الوريث الشرعى للمجلس الوطنى للثورة الجزائرية والحكومة المؤقتة التى قادت المفاوضات مع الحكومة الفرنسية0