لم يعرف التاريخ العربي رئيساً سابقاً حياً سوى القليل الذي لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، الرئيس في أوطان العرب إما إلها حاكماً، وإما مقتولاً، حتى جاء الربيع العربي فهرب بن علي، ومرض مبارك، وتحول على عبدالله صالح إلى سياسي يقود حزبا، بينما كان أحمد بن عبدالمجيد بن بلّة (25 ديسمبر 1916 -11 أبريل 2012) ، أول رؤساء الجزائر بعد الاستقلال، من 29 سبتمبر 1962 إلى 19 يونيو 1965، وأحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني في عام 1954، الذي سجنته الحكومة الفرنسية بالفترة من 1954 إلى 1962، وبعد الاستقلال أصبح رئيسًا للجزائر حتى خلعه هواري بومدين، واعتقله ليصبح رئيساً سابقاً. ولد بن بلة في مدينة مغنية الموجودة غرب مدينة وهران بالغربي الجزائري، وواصل تعليمه الثانوي بمدينة تلمسان، وأدى الخدمة العسكرية سنة 1937. تأثر بعمق بأحداث 8 مايو 1945 فانضم إلى الحركة الوطنية باشتراكه في حزب الشعب الجزائري، وحركة انتصار الحريات الديمقراطية حيث انتخب سنة 1947 مستشارًا لبلدية مغنية،أصبح بعدها مسؤولًا على المنظمة الخاصة حيث شارك في عملية مهاجمة مكتب بريد وهران عام 1949 بمشاركة حسين آيت أحمد ورابح بيطاط. إلى أن ألقي القبض عليه سنة 1950 بالجزائر العاصمة، وحكم عليه بعد سنتين بسبع سنوات سجن، وهرب من السجن سنة 1952 ليلتحق في القاهرة بحسين آيت أحمد ومحمد خيضر حيث كون فيما بعد الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، ليقبض عليه مرة أخرى سنة 1956 خلال عملية القرصنة الجوية التي نفذها الطيران العسكري الفرنسي ضد الطائرة التي كانت تنقله من المغرب إلى تونس، والتي كان معه خلالها أربعة قادة آخرين لجبهة التحرير الوطني وهم محمد بوضياف، رابح بيطاط، حسين آيت أحمد، ولشرف، وتم اقتياده إلى سجن فرنسي يقع في الأراضي الفرنسية، وبقي معتقلًا فيه إلى موعد الاستقلال في 5 يوليو 1962 فعاد هو ورفاقه إلى الجزائر. وقد أطلق سراحه سنة 1962 حيث شارك في مؤتمر طرابلس الذي تمخض عنه خلاف بينه وبين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. أما في 15 سبتمبر 1963 فتم انتخابه كأول رئيس للجمهورية الجزائرية، قبل أن يعزل في 19 يونيو 1965 من طرف مجلس الثورة وتسلم الرئاسة لهواري بومدين، ليظل بن بلة معتقلا حتى 1980- ولكن هذه المرة معتقلا من بني وطنه – ، ولم تجد تدخلات جمال عبد الناصر الشخصية في إطلاق سراحه، وذهبت سدى كل محاولات الزعماء العرب والافارقة في التوسط لدى السلطة الجديدة التي يقودها وزير دفاعه الذي انقلب عليه، وبعد إطلاق سراحه، عندما وصل الشاذلي بن جديد إلى السلطة سنة 1980 وأصدر عفوا عنه، أنشأ بفرنسا الحركة الديمقراطية بالجزائر، ثم عاد نهائيًا إلى الوطن بتاريخ 29 سبتمبر 1990. يذكر أن بن بلة كان مؤمناً بعروبة الجزائر ولذلك قام باستدعاء آلاف الأساتذة العرب من مصر والعراق وسوريا للمساهمة في قطاع التعليم، وقد اصطدم هؤلاء التربويون العرب بمجموعة كبيرة من العراقيل البيروقراطية التي كان يضعها في طريقهم سماسرة الثقافة الفرانكفونية، فاختار العديد من هؤلاء الأساتذة العودة إلى بلادهم، ورغم إيمانه بعروبة الجزائر إلّا أنّ بلة كان مهووسا بالفكر الاشتراكي اليساري وكان متحمسًا لبعض التجارب التي كانت سائدة في البلدان الاشتراكية، وتحمسّه للفكر الاشتراكي واليساري جعله يصطدم بالرجل الثاني في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ البشير الإبراهيمي الذي ورث خلافة الجمعية من الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي أدركته المنيّة قبل أندلاع الثورة الجزائرية، وفسرّ البعض ذلك الصدام بأنّه بداية الطلاق بين النظام الجزائري والخط الإسلامي الذي كانت تمثله جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة الشيخ البشير الإبراهيمي. وبدأ الطلاق عندما اتهم البشير الإبراهيمي الرئيس أحمد بن بلّة بتغييب الإسلام عن معادلات القرار الجزائري وذكّر بن بلة بدور الإسلام في تحرير الجزائر والجزائريين من نير الاستعمار الفرنسي. وقد توفي أحمد بن بلة يوم 11/4/2012 في الجزائر عن 96 عاما في منزل اسرته بمدينة الجزائر، وكان قد نقل إلى المستشفى مرتين قبل أكثر من شهر من وفاته بعد إصابته بوعكة صحية، وقال محمد بن الحاج كاتب سيرته لوكالة الصحافة الفرنسية إن الرئيس الراحل “كان بخير الثلاثاء، لكنه شعر فجأة بإرهاق وصعد إلى غرفته لينام, ثم توفي بعد ظهر الأربعاء خلال نومه, وكانت إلى جانبه ابنتاه مهدية ونوريا. وقد أعلنت الحكومة الجزائرية الحداد في البلاد لمدة ثمانية أيام بسبب وفاته.