أكد الداعية الدكتور أنس عطية الفقي أن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين يتمثلون صفة الرسل عليهم صلوات الله المتعلقة بالمسارعة إلى الخيرات. وقال في الخطبة التي ألقاها أمس في مسجد طارق بن زياد بمدينة السادس من أكتوبر إن هذا التنافس الشريف والتسابق العظيم يأتي على المستوى الفردي والمستوى الجماعي. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». أخرجه مسلم . وعند الطبراني في الكبير : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَعْلَى بِهِ الضَّحِكُ، ثُمَّ قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا جَمَعَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إِلا مُؤْمِنٌ، وَإِلا دَخَلَ بِهِنَّ الْجَنَّةَ». وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا". وقال: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ ، وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ » . قِيلَ : وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟ قَالَ :«مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْن". وقال: "إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» . فقام أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال :«لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى لله بالليل والناس نيام". وقال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ» أخرجه الترمذي . وأشار د. أنس الفقي إلى أن التنافس سبب لرفع الهمة وإثارة الحماس، يكشف عن معادن الناس وعلو نفوسهم وقوة عزائمهم، كما يبين مواطن ضعفهم وقصورهم. ولا يستوي في الناس مبادر إلى الخير ومتباطيء فيه، قال تعالى: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) الحديد: 10. وقال إن التافس في الخيرات والمبادرة إلى الطاعات من أبرز عوامل نهوض المجتمعات وتحصينها ضد الأدواء الاجتماعية التي غالباً ما تصيب الأممالشرقية والغربية على السواء. قال تعالى يصف رسله عليهم السلام : (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء : 90. كما أن بلوغ الدرجات في الجنة يكون بما يقدمه العبد من أعمال الخير في الدنيا، قال تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) الواقعة : 10 12. وقال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين) الحديد: 21. وأكد د. أنس الفقي أن الإنسان لا يدري ما الذي يأتي به الغد، فليبادر قبل العوائق والعوارض، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، قال الشاعر: بادر بخير إذا ما كنت مقتدراً… فليس في كل وقت أنت مقتدر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ". فجوهر الحياة الدنيا العمل الصالح، بدليل هؤلاء الذين يموتون.. على ماذا يندمون؟ قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾ المؤمنون:99 100. ولو أن الإنسان في هذه الحياة الدنيا قد كسب مالاً وفيراً، وحقق نجاحاً كبيراً، واعتلى أعلى الدرجات، وفاز بكل الملذات، وجاب مختلف الأقطار، وأكل أطيب الطعام، وسكن في أجمل البيوت، ولم يكن له عملٌ صالح فإنه لخاسر، بل هو أشد الناس خسارةً، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ الكهف: 103 104. لذلك فالمؤمن الصادق شُغْله الشاغل العمل الصالح، كيف لا؟ وهو عمله الصالح الذي ينور قبره ويؤنس وحدته فيه حتى تقوم الساعة.. كيف لا، وها هي أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها، حينما وزع النبي شاةً وزع أضلاعها، أطرافها، صدرها، وما بقي شيء، فقالت له: (يا رسول الله، لم يبقَ إلا كتفها، فتبسم عليه الصلاة والسلام وقال: بل بقيت كلها إلا كتفها). رواه الترمذي. وهذا الفاروق سيدنا عمر يمسك تفاحةً ويقول: (أكلتها ذهبت، أطعمتها بقيت). وختم د. أنس عطية الفقي خطبته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم نصه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا!؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". متفق عليه.