المفكر العربى الإستاذ أحمد كرفاح – الجزائر الديموقراطية كلمة براقة إستهوت قلوب الناس واستقطبت العقول وصارت حديث الساسة والمفكرين فهى أرقى مراتب الحكم وأنفعها للشعوب لأنها حكم الشعب لنفسه0 لكن فى الحقيقة إن هذا النظام الإستبدادى الذى يسمونه حكام العرب ديموقراطية قد تحول فى بلداننا العربية إلى سلطة قمعية ونخبوية بعيدة عن هموم الشعوب 0 كما أن الواقع قد أثبت بأن هذه الأنظمة العربية التى تدعى الديموقراطية قد تحولت إلى قوة إنتهازية لا ترى فى الممارسة الديموقراطية سوى مصلحتها الخاصة والمتمثلة فى الإستغلال المقنن لضمان إستمرارية شغل المناصب السياسية مفرغة الحقوق والحريات من أهدافها ومضامنها يعنى مضامين الحرية والعدالة والمساواة0 هذا ويبقى القول بأنه حتى وإن كان طبيعيا أن تسعى الأنظمة العقائدية إلى إشاعة أجواء التشاؤم واليأس والإحباط إلا أنه فى الحقيقة الواقع غير ذلك فقد أحرزت الديموقراطية تقدما لا يستهان به على صعيد البحث الذى لا ينتهى عن العدالة والحرية مع أن المهمة قد كانت تتطلب إنخراطا نشيطا وتفانيا يوميا من طرف الشعوب المعذبة والمظلومة والمحرومة من أجل خلق الركيزة الأساسية لثقافة ديموقراطية فاعلة تضطلع فيها الشعوب بدور ها فى تقرير السياسات ليس فى المضمار السياسى فحسب الذى هو مستبعد منها إلى حد بعيد فى كثير من البلدان العربية بل وفى المجال الإقتصادى الحاسم 0 كما أن هناك العديد من الطرق لإعلاء شأن الديموقراطية فى داخل البلدان العربية وحملها إلى آفاق جديد ة 0 فالفرص اليوم متوفرة والتخلف عن إغتنامها قد تكون له عواقب وخيمة على بلداننا العربية وعلى عالمنا العربى 0 هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الديموقراطية التى تعول عليها كثير من شعوب العالم فى إقرار وضمان حقوق الإنسان قد أتت فى كثير من البلدان بأناس أكثر فسادا واستبدادا من الحكام فى الأنظمة غير الديموقراطية0 والسبب طبعا فى ذلك واضح هو طبعا أن الديموقراطية تعانى من خلل ونقص فى الأسس النظرية التى قامت عليها كما تعانى أيضا من الممارسات الخاطئة فى التطبيق 0 نقول هذا لأن الأنظمة الديموقراطية الدستورية الحديثة تواجه خطرا مؤسسيا وأيضا أيديولوجيا مزدوجا فهناك طبعا إحتمال أن ينكر دعاة الإرادة العامة شرعية التعددية اللصيقة بعبارة إرادة الجميع 0 كما أن هناك إحتمال ظهور مفاهيم مختلفة للإرادة العامة وحدوث صراع فيما بينها من أجل السيطرة هذا طبعا 0 وقد قيل بأننا لا يمكننا أن نتقدم ونتطور كعرب إلا بجناحى الشريعة الإسلامية والديموقراطية وأن العلاقة بين الشريعة الإسلامية والديموقراطية تكتنفها الكثير من التساؤلات والإلتباسات والإستفهامات 0 إلا أن طبيعة هذه العلاقة هى اليوم بحاجة إلى توضيح وبيان معالمها وأسسها ومعاييرها 0 ومع هذا فإن المجتمعات العربية لا يمكنها أن تحقق قفزات نوعية كبرى فى مضمار التقدم والتطور الشريعة الإسلامية والديموقراطية0 كما أن هناك من يعتقد بأن المدخل الصحيح للتنمية والنهوض فى عالمنا العربى هو تبنى الديموقراطية السياسية وليس الديموقراطية الإجتماعية كما أنه ليس بالضرورة لا تستقيم الديموقراطية السياسية إلا فى ظل الديموقراطية الإجتماعية ولأن إلغاء الديموقراطية السياسية باسم الرغبة فى تحقيق الديموقراطية الإجتماعية لم يسفر سوى عن إستفحال البيروقراطية واستشراء الإستبداد وتفشى الجمود الفكرى والعقائدى والعجز عن توفير حتى بأكثر حاجات العيش الضرورية كالمواد الغذائية0 وفى المقابل طبعا فقد نجحت الديموقراطية السياسية فى تحقيق الديموقراطية الإجتماعية هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن إتهام الشريعة الإسلامية بالإستبداد هو فى الحقيقة إتهام يجافى الحقيقة فالشريعة الإسلامية طبعا تؤمن بالإختلاف وتقبل بالتعددية وتدعوا إلى المشاركة الفعالة فى كل مجالات الحياة وليس طبعا فى المجال السياسى فقط 0 هذا ويبقى القول بأنه من الظواهر المؤثرة فيما يتعلق بالمجال السياسى فى العالم العربى والإسلامى هو غياب مظاهر الديموقراطية الحقيقية 0 وينسب طبعا لهذا الغياب الديموقراطى الطابع الديكتاتورى والإستبدادى للشريعة الإسلامية وقدرتها على إختراق الحدود بين الدول الإسلامية وتقيد المسلمين الكامل بالمبادئ السلوكية للثقافة الإسلامية هذا من جهة0 ومن جهة ثانية فإن تيسير الإندماج الإجتماعى وانتقال السلطة إلى النخب الجديدة داخل كل بلد عربى هو عبارة شق الطريق نحو وحدة عربية0 كما أن للديموقراطية فى عالمنا العربى ثلاث وظائف تاريخية إي أنه من دون المشاركة فى الحكم ومن دون التعددية الحزبية التى تعنى تعدد الأحزاب وتعدد الأصوات داخل الحزب الواحد فمن دون ذلك لا طريق إلى الوحدة ومن دون أدنى من الوحدة العربية الحقيقية لا نهضة ولا تقدم ولا تطور ولا إزدهار0 هذا ويبقى القول بأن الديموقراطية رغم ما يعتريها من خلل وقصور فهى أفضل على كل حال من الأنظمة الأخرى لأنها إستطاعت أن تحقق للشعوب مالم تستطع الأنظمة الأخرى تحقيقه فتركيا اليوم هى أفضل عافية من أى دولة عربية وماليزيا أكثر تقدما من أى دولة عربية مع أن الشعب الماليزى أكثر عبقرية من الشعوب العربي0وهذا ما يجعلنا نقول بأن الديموقراطية بكل عنوانها السياسية والثقافية والإقتصادية هى بوابة التحديث فى البلدان العربية والإسلامية 0 نقول هذا طبعا لأن الديموقراطية هى التى تقوم بتطوير البنى الإجتماعية والسياسية وذلك طبعا لرعايتها واحتضانها كل تجليات التحديث وخطواته المتنوعة 0 هذا ويرى الكثير من المتتبعين للأنظمة الديموقراطية فى العالم اليوم بأنها قد أصبحت منهج حياة ينبغى الإلتزام بها فى كل شئون الحياة لأنها الطريق الوحيد المؤدى للنهوض والتقدم وحماية حقوق الإنسان 0هذا طبعا وتبقى الديموقراطية الرأسمالية مبدأ فردى يرى أن المجتمع مكون من أفراد ولا ينظر للمجتمع إلا نظرة ثانوية ويخص نظرته بالفرد ولذا طبعا يجب أن يتضمن على الأقل الحريات الأربعة للفرد 0 وهى حرية الرأى بحيث تجعل لكل فرد كلاما مسموعا ورأيا محترما فى تقرير الحياة العامة ووضع خططها وسن قوانينها وتعيين السلطات القائمة لحمايتها 0 وأيضا حرية العقيدة وهى طبعا أن يعيش الناس أحرارا فى عقائدهم يفكرون كما يحلو لهم ويعتقدون ما توحيه إليهم شهواتهم وأهوائهم بدون عائق من السلطة 0 فالدولة لا يجب أن تسلبه حريته ولا تمنعه من ممارسة حقه فيها وكذا الإعلان عن أفكاره وأرائه ومعتقداته 0 ثم هناك طبعا الحرية الشخصية حيث مع إختلاف المبادئ بين الرأسمالى الديموقراطى و الإشتراكى الشيوعى فى النظرة الأساسية للكون والإنسان والحياة يتفق هذين النظمين فى أن المثل العليا للإنسان هى القيم التى يضعها الإنسان لنفسه وأن السعادة هى الأخذ بأكبر نصيب من المتعة الجسدية لأنها فى نظرها هى الوسيلة إلى السعادة كما يتفقان أيضا على إعطاء الإنسان حريته الشخصية يتصرف بها كيف يشاء وعلى نحو ما يريد ما دام يرى فى هذا التصرف سعادته وليس فيه إعتداء على حرية الآخرين 0 كما أن حرية الملكية طبعا ترتكز على الإيمان بالإقتصاد الحر التى قامت عليه سياسة الباب المفتوح وتهيئة كل الميادين أمام المواطن فى المجال الإقتصادى فيباح التحلل للإستهلاك والإنتاج معا 0 كما تباح الملكية الإنتاجية التى يتكون منها رأس المال فلكل فرد مطلق الحرية فى سلوك أى طريق لكسب الثروة وتضخيمها ومضاعفتها على ضوء مصالحه الشخصية 0كما أن الديموقراطية قد جعلت الإنسان العربى فى صراع دائم كما أنها تعتمد على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة 0 ولا تأتى بأفضل الناس وأكفأهم ولم تمنع إستبداد الحكام ولمتسمح بالوصل إلى السلطة لمن تشرب بالسلوك الديموقراطى ولم توفر حتى الإستقرار فى بلداننا العربية ولم تمنع التغييرات العنيفة فالإنقلابات العسكرية لازالت موجودة فى بعض بلداننا العربية 0 ولم تجعل الشعوب العربية آمنة مطمئة لأن هذه الشعوب لم تختار حكامها بكل حرية وشفافية ونزاهة 0 كما أنها لم تنبذ الإغتيالات للرؤساء حتى فى الولاياتالمتحدة الأميريكية معقل الديموقراطية0 وهذا مما يجعلنا بأن الديموقراطية هى ربماأفضل ما توصلت الشعوب الغربية من أنظمة الحكم ووسائل التعبير عن الرأى 0 أما بالنسبة إلينا كعرب مسلمين فإننا نرى بأن الديموقراطية ليست نظاما كاملا نعول فى إصلاح مجتمعاتنا العربية والإسلامية بل نظام الشورى فى شريعنا الإسلامية أعم وأشمل من الديموقراطية الغربية التى يمكن الإستعانة ببعض أدواتها كوسيلة لتطبيق الشورى فى المجتمعات العربية والإسلامية0