الحبّ هو هذا المُلك المُعدّ الّذي وعد به السّيّد المسيح لمحبّيه. والحبّ هو المسيح، لأنّ الرّسول يقول " إنّ الله محبّة ". (القديس إسحق السّرياني) الحبّ سبب وجودنا وغايته، وبين السّبب والغاية تتّضح ملامح مسيرة حياتنا الدّنيويّة بالنّظر إلى يسوع المسيح والارتباط به بل التّعلّق الشّديد به. وكلّ الحقائق الباحثة في الحقيقة الإنسانيّة تصبّ في هذا الحبّ الأزليّ الأبديّ، وتبلغ اكتمالها به. من أحبّ عرف الله، ومنه استمدّ كلّ الحبّ. ( 1 يو 8:4). وبالتّالي تتولّد علاقة تفاعليّة مميّزة بين الله والإنسان غير تلك العلاقة التّقليديّة المتجلّية بعبادات اعتاد عليها الإنسان دون أن يقترب من الله. هذه العبادات المتعدّدة والّتي عرفها الإنسان منذ البدء، تشكّل اعترافاً بالوجود الإلهي وخضوعاً له يحدّده الزّمان والمكان والطّقوس والانغلاق الجماعي… وقد يعبّر العابد عن حبّه لله بتطبيق الوصايا أو الالتزام بفروض وواجبات دينيّة، إلّا أنّ هذا الحبّ يبقى محصوراً بالطّبيعة البشريّة الّتي تتأثّر بالمغريات الأبديّة والخوف من العقاب الأبدي والتّقلّبات العاطفيّة. وأمّا المسيح فأتى ليهزّ هذه الثّوابت ويدفع الإنسان ليثور عليها كي لا يبقى مسجوناً في شكليّات لا تعطي العلاقة مع الله شكلها الصّحيح. وأمّا العلاقة الصّحيحة فتظهر في الحبّ من أجل الحبّ، والعبادة بالرّوح والحقّ، في حركة تخطٍّ للزّمان والمكان، والهيام بالسّيّد المتّحد بنا. الحبّ جوهر الله الّذي يفيض على الإنسانيّة كلّها، وإذا ما خطى الإنسان نحوه وأحبّه، افترض هذا القرار تفاعلاً مماثلاً. بمعنى آخر، يريد منّا المسيح أنّ نحبّ بقلب إلهي، لأنّه يقول: " أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم". ( يو 34:13). والمسيح أحبّنا حبّاً إلهيّاً وينتظر منّا حبّاً مماثلاً، كي نستحقّ أن نكون مسيحيّين. والوصيّة الكبرى كانت: " أحبّوا الرّب إلهكم بكلّ قلوبكم وكلّ نفوسكم وكلّ قدرتكم" ( تثنية 5:6)، أي بكل كيانكم، فيأتي التّفاعل عقليّاً ونفسيّاً وروحيّاً. وإذ امتلأ الكيان من الحبّ الإلهي تحرّر الإنسان من كلّ قيد ودخل قلب الله ومكث فيه. تلك هي المحبّة الموجّهة إلى الرّبّ، وذلك هو الشّوق إليه، وهو أن نحيا حبّاً به ونشتاق إليه وهو الحاضر فينا، ونموت حبّاً بلقائه الأبديّ. " أنا لحبيبي أنا، وإليه اشتياقي." ( نشيد ألأناشيد 11:7).