أكد الدكتور أنس عطية الفقي أن الإنفاق على العلم من أعظم الصدقات لما له من رفعة وقدر عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كتب الله الرفعة للعلماء وجعلهم ورثة للأنبياء الذين لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه، أخذه بحظ وافر.. فيا سعده، ويا هناه. وقال في الخطبة التي ألقاها أمس بمسجد طارق بن زياد بمدينة السادس من أكتوبر إن العلم النافع يورث الخشية والتقوى وإذا أراد الله الخير لعبد من عباده علمه وفقهه في الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، أي في علوم الدين. وخير قدوة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى في شأنه " وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما". ولذلك أنزل الله أول ما أنزل من القرآن قوله تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم" فالله يريد من العبد أن تكون لديه إرادة القراءة والسعي في سبيل العلم، والصدق في هذا السعي.. حينئذ يرفعه الله إلى أعلى الدرجات قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وأشار د. أنس الفقي إلى أن الله عز وجل حثنا على أن نتخطى حاجز الكسل الذي توطنت عليه النفس البشرية فيقرر أن العالم والجاهل لا يستويان، قال تعالى: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب" ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وجاء في نص الحديث "..على كل مسلم" أي يشمل الذكر والأنثى تغليباً. ومن هنا يتضح لنا أن حرمان الفتيات من التعليم خطأ كبير، ويتضح كذلك أن طلب العلم له آداب، منها أن يجعل مقصده وجه الله عز وجل لا التفاخر والرياء ولذلك قال العلماء "آفة العلم الكبرياء" أي الكبرياء في طلبه وتحصيله والكبرياء في إعطائه وبذله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة". وصدق أحمد شوقي حين قال: قم للمعلم وفه التبجيلا… كاد المعلم أن يكون رسولا ومن هذا الوفاء المحفوظ للعلماء جاء قولهم "من علمني حرفاً صرت له عبدا". ولا بد أن يثمر العلم العمل وإلا كان حجة على صاحبه. هذا العلم الذي ينتج عنه عمل يحق لصاحبه أن يفتخر به ويباهي الخلائق، ولذلك قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الناس من جهة التمثال أكفاء… أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم في أصلهم نسب… يفاخرون به فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم… على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرىء ما كان يحسنه… والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم تعش حياً به أبدا… الناس موتى وأهل العلم أحياء والمعنى أن العبد إذا قصد الله بعلمه بارك الله فيه وفي علمه وأورثه علم ما لم يعلم وما قصة سيدنا موسى وسيدنا الخضر عنا ببعيد. فكل تصرفات سيدنا الخضر كانت مبنية على علم حباه الله به، ولذلك قال لموسى عليه السلام : "ما علمي وما علمك في علم الله تعالى إلا كنقطة من بحر". ونحن مأمورون بالتأدب مع العلماء وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون إليه يستمعون منه الموعظة ويصف بعضهم بعضاً بالقول "كأن على رؤوسهم الطير" كناية عن الهدوء والسكينة التامة. وللعلم رحم تجمع أهل العلم، والعالم الحق هو من يعرف قدر غيره من العلماء فينحني تواضعاً واعترافاً بالفضل والقدر والمنزلة. قال الإمام الشافعي عن أستاذه الإمام مالك ( ليس لأحد منة علي كما للإمام مالك). وللعلم كذلك نور ينعكس على القلب والجوارح فتجدها طوع صاحبها، فإذا ما أتى ضباب أو سحاب ليحجب هذا النور سرعان ما ينعكس ذلك على الجوارح. من قوة هذا النور كان الإمام الشافعي ينظر في الصفحة الواحدة فيحفظها، لكنه تأثر يوماً بنظرة نظرها إلى امرأة في الطريق فلم تسعفه ذاكرته، فذهب إلى شيخه وكيع يشكو له سوء حفظه فأخبره الشيخ الخبير بنور العلم وانعكاساته على القلب وعلى النفس بأن أنوار العلم قد تعترضها سحب المعاصي فليحذر هذه السحب.. وحول ذلك أنشد الشافعي يقول: شكوت إلى وكيع سوء حفظي… فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور… ونور الله لا يهدى لعاصي. وخير علم يتعلمه الإنسان ويعلمه لغيره هو علوم القرآن الكريم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، كما أن الإنفاق على العلم من أعظم الصدقات. والربط بين العلم والخشية أو العلم والتقوى معيار لما ينبغي أن يكون عليه العلماء العاملين بعلمهم، قال تعالى "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وتفسير الآية ببساطة يتضح حين تطرح هذا السؤال: من الذي يخشى الله من عباده؟ الإجابة: "إنما يخشى الله من عباده العلماء". ومن جميل الشعر قول الشاعر: تعلم، فليس المرء يولد عالماً… وليس أخو علم كمن هو جاهل فإن صغير القوم والعلم عنده… كبير إذا ردت إليه المسائل وإن كبير القوم لا علم عنده… صغير إذا التفت عليه المحافل