الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى المَبْعُوثَ رَحْمَةً للعالمين،... ثُمَّ أمَّا بَعْدُ: قد استوقفني كثيرًا الدور المُهِمُّ الذي قامت به المرأة العربية والمسلمة في علوم عربية شتَّى، وكذلك دورها في التَّاريخِ العربيِّ الإسلامِيِّ، فإنَّ "النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"[سنن الترمذي (1/190) ، وسنن البيهقي (1/168) ، وسنن أبي داود (1/61) ]. كما أخبر الرسول الكريم r، فوجدنا "أُمَّ جُنْدُبٍ" زوجة "امرئ القيس" ناقدة قديمة عندما فضَّلت شعرًا لعلقمة الفحل على شعر زوجها، وكذلك رأينا الشاعرة الخنساء وغيرهما الكثيرات . ومِمَّا لاشَكَّ فيه معرفتنا بالسيدة أم المؤمنين عائشة؛ وأم سلمة؛ والسيدة نفيسة رضى الله عنهنَّ جميعًا وغيرهنَّ من نماذج المرأة العربية في شتى علوم الشريعة الإسلامية وتراثها ومؤلفاتها. ومما لاشَكَّ فيه هو سلامة اللغة لدى هؤلاء؛ فاللغة قبل ظهور علم النحو كانت تخرج من العربيّ كما يسيلُ العسلُ من النَّحْلِ؛ وكما يفوحُ العِطْرُ مِنْ الزَّهْرِ، وعندما انتشر اللحنُ؛ وأشرفتُ ألسنةُ بعضِ العَرَبِ على الفَسَادِ؛ بسببِ اخْتِلاطِ العربِ بغيرهم مِنْ العَجَمِ، كانت الحاجةُ ماسَّةً مِنْ أجْلِ وَضْعِ عِلْمٍ يحفظُ للعَرَبِ لُغَتَهُمْ ؛ لُغَةَ القُرْآنِ الكَرِيمِ الذي شرَّف اللهُ العَرَبَ بإنزاله بلغتهم، يقول U ) إنَّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا لعلَّكم تعقلون ( [يوسف:2]، ويقول تعالى: ) بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ ( [الشعراء:195] وَوُضِعَ عِلْمُ النَّحْوِ، وَنَشَأَ وَتَطَوَّرَ، وقَامَ بِدَوْرِهِ خَيَر قِيَامٍ، ولا يَزَالُ بإذن الله تعالى، فهو القائل U : )إنَّا نحنُ نزَّلنا الذِّكر وإنَّا لهُ لحافظون ( [الحجر:9]، ويبقى سؤالٌ مُهِمٌّ ألا وهو: ما دَوْرُ المَرْأَةِ فِي التُّرَاثِ النَّحْوِيِّ العَرَبِيِّ ؟؟ وللإجابةِ على هذا السؤال يجدرُ بنا أن نُقَلِّبَ الكثيرَ مِنْ صَفَحَاتِ الكُتُبِ والمَصَادِرِ والمراجع النحوية العربية، ومما يبدو لنا عدم وجودِ مُؤلَّفٍ نحويٍّ لامرأةٍ عربيَّةٍ لدى القدماء كما يوجد للنحاة الرجال؛ أمثال: سيبويه، والفرَّاء، والمبرِّد، وابن السرَّاج، وابن جني، وابن هشام، وابن مالك، وابن عقيل، وغيرهم. وإن وجدنا حديثًا في زماننا المعاصر لدى بعض أستاذات الجامعات أو الباحثات العربيات في مختلف الأقطار. يقول الدكتور عبدالله الغذَّامي:"إنَّ كتابةَ المرأةِ جاءَتْ كَطَارِئٍ لُغَوِيِّ، وكَحَدَثٍ جَدِيدٍ على ثقافة قد ترسخت تقاليدها وأعرافها حسب قواعد الفحولة، ولم تجد المرأة بدًا من أن تكتب مثلما كتب الرجل فتسير في خطاه وتستعين بمجازاته وبرموزه، وهذا لا يُمكِّن المرأة من أن تحتل موقعًا جوهريًا في صناعة الكتابة، وقصارى ما ستدركه من ذلك هو أن تكون مثل الرجل، تتساوى معه أو تنافسه أو تتحداه ، ولكن حسب النموذج الذكوري وبناءً عليه" [المرأة واللغة ؛ لعبدالله محمد الغذَّامي ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء . الطبعة الثانية . 1997م ، (ص 209) ]. ولكن؛ هل ذلك يمنع أن يكون للمرأة دورٌ في التراث النحوي العربي ؟؟ وفي سبيل معرفة دور المرأة في تراثنا النحوي العربي رأيت أن أقصر الدراسة على أهم المؤلفات النحوية منذ التفكير في وضع علم النحو، ونشأته مرورًا بأطواره وانتهاءً بمؤلفات القرن العاشر الهجري؛ أي : أبدأ بكتاب سيبويه، وأنتهي بمؤلفات السيوطي كالهمع والأشباه مثلاً ، وهذه الفترة كبيرة جدًا في عمر الزمانِ زاخرةٌ بالمؤلفات اللغوية والنحوية؛ لذلك سأعتمد على بعض المؤلفات تمثيلا ًلا حصرًا ، وذلك دون وقفٍ على مدرسة نحوية دون غيرها أو عالمٍ دون غيره. ولقد كانت المرأة العربية في التراث النحوي الغائبة الحاضرة ، ولمعرفة هذا الأمر نتابع المقالات القادمة بإذن الله تعالى