بقلم ياسمينة حسيى " آن الأوان لكي يُستحدث منهج نقدي عربي لتقييم ودراسة القصيدة النثرية العربية أو ما يسمى بالشعر الحر انطلاقا من "بيئة" النص وواقعه وشاعريته وإيقاعه الداخلي والمعنوي وليس اعتمادا على "التنظيرات الغربية " التي تآكلت بفعل الزمن، فنحن أمة الشعر وأوْلى من غيرنا بوضع التنظيرات النقدية " . وعليه أطرح اليوم سؤالاً مهماً : ما مدى ملاءمة المناهج النقدية الغربية لطبيعة النص الشعري العربي وللذائقة العربية؟ لأن الحاصل ( وللأسف ) هو أن أغلب النقاد ما زالوا يجترون النظريات النقدية الغربية القديمة ويلبسونها للنصوص العربية معتمدين على اجتهادات "جون درايدن" و " كولردج" أو " ماثيو آرنولد " وغيرهم ، محاولين إضفاء " بعض" الأهمية على تحليلاتهم من خلال رصٍّ وتصفيفٍ لبعض المصطلحات الغربية الخاضعة لفوضى الترجمة وللحمولات الدلالية المختلفة ، يفككون النص بأدوات نقدية دخيلة على ثقافتنا ولا علاقة لها بالذائقة العربية دون اعتبار لخصوصية النص العربي وبيئته فيخضع النص بذلك لعملية "تغريب" مهولة. حتى اني رأيت بعض النصوص الشعرية " الواضحة" تتحول الى " طلاسم مبهمة " بعد عملية النقد والتحليل !! وهذا - في رأيي - تقليل من شأن الإبداع العربي واستصغار للمنجز الادبي وإن كنت أؤمن إيمانا عميقاً بعالمية الأدب إنسانيا إلا ان ذلك لا يمنع من وجود اختلاف وفروقات في الموروث الثقافي والحضاري تمليها السياقات التاريخية لكل موْطن وتفرضها النظريات الفلسفية والفكرية فيه . اذ يبقى النص " قضية اشتباك" مع واقع اجتماعي او سياسي خاص بموْطن ما ولنا في الحاصل من " الفوضى السياسية والدينية " في الوطن العربي خير دليل. فمتى سنبتعد عن التبعية للمنهجية النقدية الغربية ونكف عن الدوران في فلك المصطلحات الغربية المترجمة والتي تختلف ترجمتها من ناقد لآخر ؟ متى نستحدث نظرية نقدية عربية خالصة توافق الموروث من خلال رؤية معاصرة ؟ فاذا كان الاصرار على الأخذ من الثرات فالأوْلى أن يكون الأخذ من كتب الآمدي وابن قتيبة والجرجاني وابن سينا وابن رشد وغيرهم لخلق نظرية نقدية عربية تقوم على أسس عربية أصيلة . ولن أتحدث عن طه حسين أو العقاد أو حتى عن ميخائيل نعيمة وغيرهم لأنهم ( مع احترامي الكبير لهم كعمالقة في الأدب العربي) ظلوا متأثرين بالثقافة الغربية رغم محاولتهم الجادة والرائعة لخلق " منهجية جديدة للنقد العربي". وقد يكون محمد مندور إستثناءًا ( في بعض كتاباته) رغم تشبعه بأفكار أستاذه طه حسين فهو على الأقل يعترف قائلاً : " وفي الحق ان في الكتب العربية القديمة كنوزاً نستطيع إذا عدنا إليها وتناولناها بعقولنا المثقفة " ثقافة أوروبية حديثة " أن نستخرج منها الكثير من الحقائق التي ما تزال قائمة حتى اليوم ". فماذا ينقصنا اذن لتكون لدينا منهجية نقدية عربية أصيلة ومعاصرة ؟