عرض لوحاته في رواق المكتبة الوطنية بالعاصمة، التشكيلي العراقي خالد المبارك: تماثيلي تنير العتمة ولوحاتي لا تعترف بسلطة المكان في زيارته الثانية إلى الجزائر، عرض الفنان التشكيلي العراقي خالد المبارك لوحاته في رواق المكتبة الوطنية، في معرض فريد من نوعه: انه ليس مجرد رصف للوحات تتكدس فيها الألوان وتزدحم بالدلالات.. إنها تواصلية إبداعية يتمم الفنان خلالها في الجزائر ما كان قد بدأ رسمه في العراق، مشرِكا الزوارَ في خطوطه وألوانه وتساؤلاته وأفكاره.. الطفولة مهد البدايات.. ومن تفاصيل أيام الطفولة المترعة بالبراءة انبجست موهبة الفنان العراقي خالد المبارك.. يقول عن ذلك ل وقت الجزائر: بدأت موهبتي في وقت مبكر، كانت مجرد خربشات على سطوح وأغلفة الكراسات والدفاتر المدرسية والكتب.. كنت أعشق صنع الدمى من طين أجلبه من حديقة المنزل، وبذلك الطين كنت أصنع ملامح شخصيات أحبها وأخرى أكرهها. عمر من العطاء أربعون عاما قضاها الفنان خالد المبارك باحثا عن رمزيات المنمنمات، تائها في متاهات الأساطير، متقصيا الدهشة في دهاليز الحكايات البابلية التي لم يقتلها الزمن، ولم تنل منها رماح النسيان. ثيمة المعرض لم تكن عبثية: تماثيلي تنير العتمة هي تعبير صريح عن القصدية التي يتوخاها الفنان من خلال إبداعاته المتدفقة: مهمة الفنان تجاه هذا العالم المتحول، المليء بالقبح والحروب والدموع، هي أن يتخذ موقفا واضحا أبديا.. أن ينقذ الإنسان المتعب من نفسه وينتشله من عالمه الى سموات عُلى من الجمال والسلام والابتسام.. هل هي خصوصية يتفرد بها خالد المبارك ومعه الفنان التشكيلي ككل- أم هي خصوصية كل فنان مهما كان اختصاصه؟ يقول المبارك: هناك مشترَكات بين الفنان التشكيلي وبين الفنان العازف، الممثل، المغني.. وغيرهم، يظل الهدف واحدا، لكن الاختلاف يمكن في فردانية الرسام، في قدرته على احتواء العالم والتحكم برمزياته. تجربته انطلقت من مدينة البصرة.. من مدينة تظللها روح الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب، ثم ذي قار، وصولا إلى الجزائر، التي زارها أول مرة في سنة 2006، وعرض فيها جمالياته في معرض مشترك، ثم عاد اليها في نهاية 2014 حاملا اليها ريشته التي لا تتوقف عن الإبداع: يظل المبارك يرسم لوحاته دون انقطاع، يريد منها أن تبقى لوحات متغيرة دوما.. يقول: أردت له أن يكون معرضا متنقلا متحولا.. لا يرتبط بوقتية المكان ولا يتوقف عند محطة الزمن.. أرسم وأرسم دون توقف، المتحول هو رسومات جديدة ستضاف، وشغل جديد على وشك أن تبزغ أطيافه، أردت له أن يكون إبداعا جديدا يرافق المكان والزمان.. رسمت قبل السفر، أثناء تواجدي بالفندق، والآن وأنا أعرض لوحاتي على الجمهور.. اشتغل أمام الناس، وأدعهم يرون انسياب الريشة على اللوحة، وولادة اللون والألق. تواصلية الإبداع لم يكتف خالد المبارك بالرسم أمام الجمهور، وتقديم شروح وإيضاحات له عن تساؤلاته الكثيرة، بل اشركه في التجربة المثيرة، وباح له عن أسرارها بالكثير، وأخبره عن مخزونه المعرفي المتراكم، وعن عمر التجربة، وتفاصيل الشعور وخبايا الإحساس.. اعترف له بما ألهمه به المكان الجديد من بعد جمالي ونفسي، وأسر له بطريقته في معالجة اللون والتعامل مع الشكل.. كلُّ التحرر هو في أن يشتغل أمام الناس وليس وحيدا في مرسم! لم يهرب من العراق أيام اشتعل أخضرُه، لم يفعل مثلما فعل فنانون عراقيون آخرون، ولم يختر المنفى، ف الوطن بيت وعائلة -يقول الفنان- وهو الذات.. هناك من لم يتحمل الأوضاع، وأنا أيضا عشت الوضع المزري لبلدي، وتقيدت عائليا، ولكني أحسست دوما أني كسمكة في ماء العراق، إذا ما خرجت منه انتهيت.. لذلك يبرز رسم السمكة كثيرا في لوحاتي.. إنه تعبير عني. كل جزء من أجزاء اللوحات كل اللوحات- أشبه بالبانوراما، تحكي شيئا ما.. ببداية وقصة وخاتمة.. لكنها في مجملها حكاية واحدة، محورها الإنسان المتعب، المضطرب، الحزين.. داخل كل لوحة شخوص وطلاسم، مثلما في كل ذات من ذواتنا ذكريات وأسرار. الدلالات قريبة الى نفس المتلقي، مصدرها أن صاحبها يعيش وضعا غير طبيعي: الشر يصارع الخير، وهي مسألة جدلية منذ بدء الخليقة، ويتحتم عليه كفنان أن يتخذ موقفا أكثر صرامة تجاه ذلك.. نحو الخير طبعا. وينفي الفنان أن يكون الدين أحد العوامل التي كبحت فن الرسم في العراق، مثلما يرى فنانون آخرون، قائلا: أنا ضد هذا المبدأ، ففي العراق كان هناك دوما وعي عميق وعريق بالفن، وعلى الفنان أن يكون متحررا دوما من كل ما يكبحه. الحديث عن الدين ذو شجون، لقد تم تسييسه في السنوات الأخيرة، وبسببه قامت فوضى في البلد، وهذه طامة كبرى. الفن بعيد عن السياسة والدين، أن ما يحدث فعلا هو قهر سياسي واضح، ودور الفنان هو أن يهضم كل ذلك ويجسده في لوحة. ويختم الفنان العراقي لقاءه مع وقت الجزائر بقوله: راقبت انطباعات المتلقي الجزائري عن لوحاتي، أعتقد أن رسالتي وصلت.. الفن وسيلة معرفية وخدمية، بمعنى أنها تنقل الإنسان من عوالم القسوة الى منبت الفرح. الخميس 04 ديسمبر 2014 م الموافق ل 11 صفر 1436 ه العدد 1781