p style=\"text-align: justify;\"نهى البلك: p style=\"text-align: justify;\"لم يرد في القرآن الكريم ما لم نؤمر بتأمله والتفكر فيه وتدَبره وتلمس بعض من الحقيقة من خلاله, حقيقة أنفسنا وحقيقة الخلق وغايته والاستدلال على الخالق العظيم.. حتى, أو لاسيما, القصص؛ فما اختار الحكيم أن يخبرنا به في ذِكرٍ يتلى إلى يوم الدين لابد وأن من ورائه نوراً وعلامات وآيات لا تنفد, كما كل ما ورد بالقرآن الذي \"لا يخلق عن كثرة الرد\" -كما قال الصادق عليه الصلاة والسلام- والذي لا تنقضي عجائبه؛ فهو كالأفق لا نهاية له, وكلما أمعنَّا فيه النظر اتسع. ليس الأمر مجرد \"حكاية\", حدث وفعلوا, وإنما ما يعنيه ما حدث ولماذا فعلوا وكيف, وكل الأسئلة التي لا تنتهي والتي تحمل كل إجابة على سؤال منها أسئلةً جديدة, وأبواباً أوسع للتفكر. الخالق القدير, الذي إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون, لم يرسل آدم وإبليس إلى الأرض واضعاً لهما القانون وجاعلاً بينهما الصراع بغير علة, بل كان البدء وكان الأمر والعصيان ثم العداوة الأبدية.. لما نفخ الله عز وجل الروح في آدم, حان تنفيذ الأمر الإلهي للملائكة بالسجود.. كان لابد لآدم أن يدرك هذا الاصطفاء وتسخير الكون له, ويدرك مكانة إبليس منه -سجود التعظيم طاعةً لأمر الله- ويدرك بغض إبليس وتكبره وتوعده؛ ولكنه نسي ! \"وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىَ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدم فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ * فَقُلْنَا يَآدَمُ إِنّ هَذَا عَدُوّ لّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ\".. نسيان الأمر ونسيان العدو ونسيان المكانة والاصطفاء. رأى إبليس نفسه زاهياً, من نار, وطبع النار الخفة والميل والاستعراض, وتدمير ما سواها, ولم يدرك من آدم إلا إنه خلق من طين, لا بريق له, ولا خيلاء.. لم يدرك السر الذي أودعه الله آدمَ وفضله به واصطفاه, نفخة الروح والعقل و\"العلم\"..\"وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ\".. والإسم كما ورد في المعجم:\"هو مَا يعرف بِهِ الشَّيْء ويستدل بِهِ عَلَيْهِ و(عِنْد النُّحَاة) مَا دلّ على معنى فِي نَفسه غير مقترن بِزَمن\", وقال ابن عباس أنه علمه الأشياء كلها ذواتها وأفعالها, وهذا قد يعني العلم كله -كما يرى بعض العلماء- علمه الله سبحانه لآدم, لتتوارثه ذريته إلى يوم طي السماء, يكتشفونه ويتذكرونه بالتدريج على مدار الزمن. لم يدرك إبليس ذلك, وكان معجباً بنفسه وبعبادته, فتكبّر.. والكبر قرين الغباء؛ فلن تجد متكبراً إلا وقد عميت عليه فضائل من سواه وعميت عليه عيوب نفسه ونقائصه, وانشغل بالظاهر عن الباطن, وكان مختالاً بالمظهر مستعرضاً غير مكتف ولا منشغل بعلم أو قيمة أو بجمال حقيقي. المظهر من كل شئ, هو الخواء, مظهر الشكل والمال والمناصب والصحبة والسلطة ,والعبادة, وحتى العلم الفارغ الذي ينسب الفضل للذات أو لمؤقت أو للاشئ! ألم ترَ المعجبين بعبادتهم, الخاوية عقولهم من كل علم, كيف يتهاوون ويهوون بالمجتمع وبعقول تابعيهم؟! عبادة بلا علم لا تورث خشيةً, ولا تقوى ولا خشوع \" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ \".. وإذا كنا جميعاً مأمورين بالتعلم وبالتفكر والتدبر, فإن العلم يتناقل, لا علم بدون عالم ومعلم, ولا يصح تصور الاستغناء عن عالم بعلوم الدين المختلفة, ينقلها لنا بإخلاص لنعمل نحن عقولنا ونتدبر, ككل مجالات العلم والفكر, وندرك منه ما لايجوز الاجتهاد فيه -كالعبادات- وما هو واجب علينا الاجتهاد والتفكر فيه واستفتاء القلب؛ فمجتمع يصلح علماؤه ويخلصون وينشرون علمهم فيه هو مجتمع امتلك نصف أسباب السلام والتحضر؛ فاللهم ارزق علماءنا الإخلاص وزدهم علماً, واكفنا المدعين طلاب الدنيا بالدين. وبرغم أن اختبار إبليس ربما كان أيسر! فبذل الجهد أيسر من مخالفة الطبيعة؛ إلا أن سقوطه كان أبدياً, وكانت خطيئة آدم جزءاً من اكتماله, أورثته, مع العلم, تواضعاً وانكساراً للخالق.. وضع سر الاختبار في آدم, الشهوة, وأوكل إليه أداته, العقل, وكان الاختبار الصعب, فنسي العقل, وغلبت الشهوة.. وكان اختبار إبليس من جنس إعجابه بذاته:\"اسجد\" , فغلب كفره وأبى وتكبر.. وكانت التوبة التي تجب ما قبلها وتبدل السيئات حسنات, وكان الكبر الذي لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منه, كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم. وفي حين انشغل آدم بنفسه وزوجه وجنته, وطبيعته المفطورة على الشهوة والمحكومة بالعقل والممنوحة العلم المكلفة به, طلباً وتطبيقاً وتوريثاً, انشغل إبليس بغيره, كيف يغويه ويعطله ويسقطه.. ِتاب آدم واستغفر لينقذ نفسه وينجو, وانشغل إبليس كيف يصطحبه معه إلى العذاب..! p style=\"text-align: left;\"المصدر : البلد اليوم