p style=\"text-align: justify;\"\" ثقوا أنا قد غلبت العالم \" (يوحنا 16/ 33) (8) كتب بولس الرّسول رسالته المفعمة بالفرح والبهجة إلى أهل فيليبي وهو في السّجن. وكلّنا يعلم الصّعوبات الّتي مرّ بها القدّيس بولس من أجل المسيح، ولا نفهم معنى الفرح الّذي يسكنه رغم كلّ الضّيقات إلّا من خلال إيمان بولس العميق بيسوع المسيح. \" إفرحوا دائماً بالرّبّ، وأقول أيضاً: افرحوا. \" ( فيليبي 4/4). فرحنا الحقيقيّ ليس الفرح الّذي يمنحنا إيّاه العالم وإلّا ما هي حاجتنا إلى فرح الرّبّ؟ إنّ الفرح الّذي لا يجب أن يبرح قلوبنا ونفوسنا هو الفرح الّذي منحنا إيّاه السّيّد، فرحنا بالحرّيّة والغلبة على العالم . وليرَ الجميع فينا هذا الفرح الّذي يغلب كل ضيق وكلّ ألم، لأنّ الرّبّ فينا، في عمق أعماقنا. هو نحن ونحن هو، وكما أنّ الرّبّ سار درب الجلجلة بفرح كذلك نحن علينا أن نسير بفرح وثقة طريق الألم حتّى نصل إلى الفرح الأبديّ. \" افرحوا بالحري بمقدار ما تشتركون في الآم المسيح حتى تفرحوا أيضاً وتبتهجوا في تجلّي مجده \" ( 1بطرس 5-13 ). ليس من فرح حقيقي دون ألم وتعب وجهاد، وإذا أردنا أن نغلب العالم فعلينا أن نقتحم أبواب الجحيم واثقين أنّها لن تقوى علينا. \" يحسبنا الناس كاذبين ونحن صادقون، مجهولين ونحن معروفون، مائتين وها نحن أحياء، معاقبين ولا نقتل، محزونين ونحن دائماً فرحون، فقراء ونغني كثيراً من الناس، لا شيء عندنا ونحن نملك كل شيء.\" ( 2 كور 6/10). نملك كلّ شيء بالمسيح لأنّ المسيح فينا، ونقوى على كلّ حزن وضيق بالمسيح لأنّنا له، ونغلب الموت بالحياة لأنّ الرّبّ حيّ فينا. إخوتي وأحبّائي، افرحوا بالرّبّ وتشجّعوا، إنّ الربّ قريب. \" ثقوا أنا قد غلبت العالم \" (يوحنا 16/ 33) (9) \" هنيئاً لمن لا يفقد إيمانه بي\"، يقول السّيّد الرّبّ في متّى ( 11/6). إن سعادتنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإيماننا الثّابت واليقين بالمسيح. والإيمان به هو علاقة شخصانيّة حميمة تعتمد على الثّقة المطلقة بأنّ السّيّد معنا كلّ حين، في الفرح والحزن، في الألم والسرور، في أيّام الأمان والسّلام وفي الصّعوبات والاضّطرابات. هو التّسليم الكلّيّ للرّحمة الإلهيّة الّتي تغمرنا وتفيض علينا. كذلك الإيمان ليس علاقة موسميّة بالرّبّ، فإن كان أمن وسلام آمنّا به، وإن هبّت عواصف الخطر والضّيقات ألقينا اللّوم عليه وحمّلناه مسؤوليّة ما نعيشه من قلق وهمّ ووجع. الإيمان هو العلاقة الممتدّة منذ الأزل وإلى الأبد بين الإنسان والله، فالله هو من زرع فينا هذه البذرة. وإذ ارتبطنا به إيمانيّاً وتفاعلنا معه كبر إيماننا وعظم وعايننا وجه الله في كلّ لحظة من حياتنا. نحن أبناء الإيمان والرّجاء، ونحمل الإيمان في قلوبنا ونفتخر به في الشّدائد، كما يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل رومية، لعلمنا أن الشّدة تلد الصّبر، والصّبر امتحان لنا، والامتحان يلد الرّجاء، ورجاؤنا لا يخيب لأن الله سكب محبته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبه لنا. (رو 5/1-4). الرّجاء هو الأمل الأكيد، لأنّنا نثق بكلمة السّيّد: \" أنا أعمل وأبي يعمل\"، وعلينا أن نحترم طرق الرّبّ الّتي هي غير طرقنا. هو الّذي أحبّنا أوّلاً، ووهبنا أن نكون على صورته ومثاله ومات عنّا ونحن ضعفاء، ثمّ قام ليمنحنا الحياة الحقيقيّة، لا يتركنا ولا ينسانا. هو الممسك بنا أبداً، الّذي لا يتعب، لا ينام، يحملنا بين يديه ويرعانا. فلنصلّ معاً بقلب واحد: يا ربّ زدنا إيماناً حتّى نعاين أبداً وجهك القدّوس في هذا العالم المضطرب الفاني. أنت وحدك الّذي يليق بك كلّ حبّ ومجد وإكرام، مع أبيك وروحك الحيّ القدّوس، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. أمين. تشجّعوا لأنّ الرّبّ قريب.