فى مؤتمرها العلمى الدولى الثانى عشر ... فنون جميلة المنيا تعيد إحياء دور الفن التشكيلى فى خدمة قضايا المجتمع وتناشد الدولة بالعودة لدورها في تبنى ودعم الصالونات والبيناليات والتريناليات الإقليمية والدولية ما لبث المجتمع المصرى أن أفاق من غيبوبة الدعوات الظلامية لتحريم الفنون بصورة عامة إلا وانطلق يؤكد وينادى بضرورة عودة دور الفن فى المجتمع ، وبالتالى تم كشف النقاب عن دور مؤسسات الدولة الذى توارى خلف دعاوى ضعف الإمكانيات وهذا ما نتج عنه إضطراب تنظيم الفاعليات الدولية والمحلية بسبب الظروف السياسية والإقتصادية المضطربة فى السنوات القليلة الماضية ، ومن ثم تقلص الدعم المادى الموجه للثقافة ككل ومن ثم الفنون ، وذلك بإعتبار الفن رفاهية يمكن التازل عنها كنوع من أنواع ضغط الإنفاق وترشيده. وهذا ما تنبهت إليه كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا بقيادة الفنان الدكتور أحمد رجب صقر المهموم دائماً بقضية الهوية المصرية ، فبدأت الكلية خطواتها الحثيثة فى محاولة إعادة التنبيه لضرورة الفن و تسليط الضوء على دور الفن فى المجتمع بصورة عامة ، ومدى تأثره بالحالة العامة التى مرت بها البلاد ، والتأرجح بين الإلتزام والتمرد ، ودور الفنانين التشكيليين فى دعم العملية الإبداعية بممارسة الأنشطة التطوعية التى تساهم فى إعادة مصر إلى مكانتها السابقة على خريطة السياحة الثقافية والفنية الدولية . فقد أقامت كلية الفنون الجميلة بالمنيا عدة فاعليات متوازية ومكثفة تسعى إلى تحقيق تلك الأهداف ، كان أولها عقد مؤتمر " الإبداع بين الإلزام والتمرد " برعاية الدكتور أحمد محمد شريف رئيس جامعة المنيا وبرئاسة الدكتور أحمد رجب صقر عميد الكلية ، حيث ناقش المؤتمر عدة محاور تناولت البحث فى طبيعة التمرد لدي الفنان ، ومدى تأثر الهوية في ظل الالتزام ، و رصد العلاقة بين الالتزام والتمرد في الواقع الإنساني ، وأشكال وطبيعة التمرد في ظل التقدم العلمي والتكنولوجي ، وكذلك مناقشة طبيعة الإبداع في ظل التقاليد الصارمة للفنون ذات الطابع العقائدي ، و قيود الإبداع في ظل الأفكار الموجهة "الأيدلوجيات القديمة والحديثة" ، كما حرص المؤتمر على التنوع فى تعريف مفهوم الإلتزام ليرصد طبيعة التصميم وعلاقته بالتمرد والالتزام الوظيفي . وأرى أن هذه المحاور قد تم إختيارها بدقة متناهية لرصد طبيعة الإلتزام والتمرد على كافة الأصعدة الفنية والتى تطرقت بالطبع إلى المفاهيم المجتمعية للإلتزام والتمرد ، وفى هذا ربط عبقرى يؤكد عدم إنفصال الفن عن القضايا الإجتماعية والثقافية وكذلك التركيز على عرض وتقديم نماذج للإبداع فى الفنون ذات الطابع العقائدى الصارم لتأكيد أن العقيدة مهما كان لديها من قواعد لا يمكن أن تقف حائلاً أمام العملية الإبداعية. ويعتبر هذا المؤتمر علامة مضيئة جديدة تضاف إلى تاريخ كلية الفنون الجميلة ، حيث حرصت على إقامته فى ظل هذه الظروف السياسية الغير مستقرة وبمشاركة العديد من المبدعين الأجانب حيث شارك فى هذا المؤتمر عدد ستون بحثاً تشارك فى تحكيمهم كوكبة من الأساتذة المحكمين من كليات الفنون الجميلة والتربية الفنية بمصر . كما افتتحت بالتوازى مع المؤتمر ورشة عمل دولية شارك بها نخبة من الفنانين الأجانب من ألمانيا والهند وسلوفاكيا وصربيا والبوسنة والسودان ، بالإضافة إلى مشاركة كبار الفنانين المصريين منهم جورج البهجورى ، و أحمد شيحه ، و حسن عبدالفتاح عميد كلية الفنون الجميلةجامعة حلوان الأسبق إلى جانب أساتذة الكلية وطلابها، وقد عرضت أعمال الورشة الفنية بالقاعة الخامسة بمتحف الفن الحديث التابع لكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا ، حيث يعد هذا العرض تدشيناً لنشاط القاعة . كما تضمنت فعاليات المؤتمر إقامة معرض الطباعة الدولي الثالث للطلاب والذى عرض على هامش المؤتمر. حيث يعد المعرض من أهم الفعاليات الفنية الدولية لطلاب قسم الجرافيك حيث يتيح لهم الفرصة للاحتكاك الفني و الثقافي بين طلاب الفنون المصريين و الأجانب .كما شارك فى المعرض هذا العام 102 فنان من عشرين دولة وهى : مصر ، واندونيسيا ، واستراليا ، وايرلندا ، وايطاليا، وبنجلادش ، وجواتيمالا ،وفنلاندا ، والمكسيك ، وكندا ، وانجلترا ، والهند ،والصين، و سلوفانيا ،وسلوفاكيا ، وفلسطين ، والإمارات العربية المتحدة ، ورومانيا ، وسنغافورة ، والولايات المتحدةالأمريكية . كما ناقش المؤتمر محوراً هاماً عن الالتزام بالمواثيق الدولية وأثرة في الحفاظ علي الآثار ، كما تم تفعيل هذا المحور الهام كخطوة تفاعلية غير مسبوقة فى تاريخ المؤتمرات العلمية حيث قام فنانى الورشة الدولية المصاحبة للمؤتمر بزيارة لكنيسة القديسة هيلانة وجبل الطير بسمالوط وكذلك زيارة الكناسس التى اضيرت من جراء العمليات الإرهابية فى المنطقة تلك الكنائس التى تقوم القوات المسلحة المصرية باعادة بناءها . حيث بادر كل من الفنان احمد شيحا بالتنسيق الدكتور احمد رجب صقر عميد كلية الفنون الجميلة بالمنيا وبحضور دكتور براهيم غزالة بحث سبل امكانية مشاركة الفنانين فى ترميم الايقونات التى اصباها التلف وكذلك الاثاث الخاص بتلك الكنائس ، وذلك فى مبادرة جديدة لمبدعين مصريين لتفعيل دور الفن فى خدمة المجتمع والتفاعل مع قضاياه الملحة وإذابة حائط الصد بين الفنون التشكيلية والمجتمع. حيث تضمنت توصيات المؤتمر ضرورة حث أجهزة الدولة بصورة مستمرة على صيانة وحماية الآثار لأهميتها للدخل القومي المصري . وكذلك ضرورة عودة الدولة لدورها الرائد في تبنى ودعم الصالونات والبيناليات والتريناليات الإقليمية والدولية لسد الطريق على المسابقات والصالونات المشبوهة غير معروفة المصدر ، وغير الموثوقة في لجان التحكيم . وحث المؤسسات التعليمية على مواصلة التطور ،وإعتماد تكنولوجيا المعلومات كوسيلة آمنة وسهلة وسريعة . وضرورة التخلص من كل أوجه الإلزام الأيديولوجي الذي لا يتماشى مع روح العصر ، والتعامل بحذر مع محركات عصر العولمة حتى لا نفقد هويتنا التي تميزنا عن الآخر. وفى النهاية لا أستطيع أن أنهى هذا المقال دون التنويه على الدور الرائد الذى قدمته كلية الفنون الجميلة بقيادة الدكتور أحمد رجب صقر فى الإهتمام بالقضايا الثقافية المعاصرة والأسلوب الغير تقليدى فى الطرح وأختيار المضمون للمؤتمر ، ولم ينتهج الأسلوب التقليدى الجاف فى عقد المؤتمرات العلمية الجامعية والتى تهدف فى معظم الجامعات إلى عرض أبحاث تنفصل عن الواقع بهدف إجتياز شروط الترقيات للأساتذة والأساتذة المساعدون ، بل أصر على إستقدام خبرات أجنبية مختلفة ودمجها مع حبرات فنية مصرية ذات تاريخ كبير ، حيث يعود هذا الدمج فى النهاية بالنفع على كل من شارك فى الأبحاث أو الورش الفنية المصاحبة أو المشاركة فى المبادرة المطروحة لترميم الكنائس التى أضيرت من أحداث العنف فى السنوات الأخيرة كرسالة سلام جديدة يقدمها التشكيليون للعالم أجمع بأن مصر ستظل نبعاً أصيلاً للخير والفن والحضارة.