تحت عنوان "أجيال في الإبداع في الفن التشكيلي"، أقيمت مؤخرا بالمقهي الثقافي بمعرض الكتاب، ندوة جمعت الفنانين محمد طه حسين وطارق الكومي وهالة طوبار وأدارها الدكتور أحمد نوار، عرض فيها المشاركون معايشاتهم للحركة التشكيلية المصرية وأجيالها الفنية، من خلال تجاربهم الشخصية. وفي البداية تحدث الفنان محمد طه حسين عن تجربته الشخصية قائلا: "هناك أزمة بين العمل الفني والمتلقي، بسبب الاعتقاد السائد بأن الفن شيء ترفيهي وليس أساسيا، ويتحمل الإعلام مسئولية ذلك، لعدم اهتمامه بالفن التشكيلي. وعن تجربته الفنية الشخصية قال: أنا من الجيل الفني الثالث، عاصرت فنانين روادًا مثل محمود مختار ويوسف كامل وسعيد الصدر وحسن فتحي، وهي أجيال تاريخها معاصر لتاريخ إنشاء كلية الفنون الجميلة نفسها في عام 1907، وكان هناك حركتان تمثلان الفن التشكيلي، الأولي يمثلها المحترفون للفن وهم خريجو كليات الفنون الجميلة والتطبيقية، وكانت تنشد الفن التشكيلي بمعناه الأكاديمي، أما الثانية فكان يمثلها خريجو كليات التربية الفنية، وقامت علي التثقيف بالفن التشكيلي من خلال رواد الفن التشكيلي، ومن حسن حظي أنني أتيحت لي الفرصة أن أتعامل مع أساتذة كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، وأن أحتك بأساتذة التربية الفنية الكبار في مصر، فقد تخرجت في كلية الفنون التطبيقية عام 1951 وعاصرتها عندما كانت مدرسة للفنون التطبيقية، ثم ككلية ثم ككلية ملكية للفنون التطبيقية والتي استمرت كذلك لمدة سبعة أشهر، وحصلت منها علي شهادة من الملك فاروق، وتم تغييرها في ثورة 1952 وحولتها إلي كلية، حصلت منها علي بكالوريوس من قسم الزخرفة والخزف والإعلان، وكنا في هذا القسم نتعامل مع أكثر من خامة، ودرست علي يد أسماء كبيرة مثل سعيد الصدر وعبد العزيز فهيم وأحمد بيه حسن وأحمد بيه يوسف وغيرهم الكثير، وكانت المعارض وقتها تقام في أماكن أرستقراطية مثل بعض الفنادق الشهيرة، والقصور الفخمة بالإضافة إلي متحف الفن الحديث، الذي تحول فيما بعد إلي "جراج" كبير في شارع شامبليون. وأكمل: عينت في كلية الفنون التطبيقية كمعيد، بعد تخرجي بعامين، وبعد صراع مع هيئة الفنون ووزارة المعارف وكلية الفنون التطبيقية، فلم يكن التعيين بسهولة كما يحدث الآن، وحصلت عام 1952 علي جائزة "مختار" الأولي في النحت، والتي كانت تقيمها جمعية محبي الفنون الجميلة، وكانت الجائزة 75 جنيها، وكانت هناك أجيال كبيرة من النقاد منهم التلمساني وكمال الملاخ وفؤاد كامل والجويلي وحسن عثمان، فكانت كل جريدة تخصص مساحة ثابتة للفن التشكيلي، وكان هناك كتاب آخرون مثل لويس عوض ويوسف إدريس يكتبون في الفن التشكيلي، وكانت تعقد ندوات في متحف الفن الحديث، وبعد مرحلة من الصراع سافرت في بعثة إلي ألمانيا، وكانت أول بعثة للفنانين المصريين هناك. وتحدث الفنان طارق الكومي عن تجربته الخاصة قائلا: "أنا من مواليد 1962 وتخرجت عام 1985، وكانت قد سبقتني أجيال عديدة مهمة، وشهدت تلك الفترة تعيين وزير ثقافة مصري يمارس الفن ولا يعمل بالسياسة، وكان الدكتور نوار وقتها عميدا لكلية الفنون الجميلة بالمنيا، وفي تلك الفترة أقيمت فعاليات مهمة مثل "صالون الشباب" و"جائزة الدولة للإبداع" و"سمبوزيوم" أسوان الدولي للنحت، وقدم "صالون الشباب" للحركة الفنية العديد من الفنانين المهمين، هم حاليا عماد الحركة التشكيلية وكانت تقام العديد من المتاحف والكثير من الحراك وإقامة بانوراما لأكتوبر، تمت فيها الاستعانة بفنانين مصريين لتعديل عمل الفنانين الكوريين وصباغته بالطابع المصري، وكان متعارفا عليه أنه من الصعوبة للفنانين المصريين أن يعيشوا من فنهم نظرا لظروف المعيشة، والفن جزء مهم من حياة الشعوب، وله دور في الحس والذوق العام، والسمبوزيوم ساعد في تقديم العديد من النحاتين، بالإضافة إلي بينالي القاهرة وبينالي الخزف. وأضاف: الفن التشكيلي لغة لا تحتاج إلي ترجمة، ومن خلاله يمكن أيضا أن ننافس الدول الأخري، فمثلا فازت مصر بالجائزة الأولي في بينالي فينيسيا الدولي وهو يماثل "كأس العالم" في الكرة، أو مهرجان "كان" السينمائي، وكانت المشاركة بأعمال ثلاثة فنانين والعالم كله تحدث عن مصر، ولكن ذلك لم يكن له مردود كبير داخليا نظرا لأن لغة التواصل بين الشارع المصري والفن التشكيلي معدومة، والفن له دور مهم في حياتنا ومعاملاتنا اليومية فهو يمثل الجمال، خاصة في ظل ما يعانيه الشارع المصري من قبح ومن الممكن أن يلعب الفن دورا في تجميله. الفنانة هالة طوبار تحدثت عن التيارات الفنية المختلفة قائلة: "دائما ما يكون هناك دور للفن في المجتمع، وفي الماضي كانت الأعمال الفنية تنتمي إلي الجانب التقليدي الذي يعتمد علي الإتقان في الرسم والتصوير، ومع تطور الزمن وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية حدثت موجات من التمرد علي التقليدية نتج عنها تمرد علي الطرز السائدة منتجا لنا حركات الحداثة وما بعد الحداثة واختلفت طرق تقديم الحدث الفني وظهرت مدارس فنية متعددة وكان لظهور كاميرات التصوير دور ولم يعد الفن يعتمد علي تصوير المنظر بل الإضافة عليه وبالنظر إلي آخر الأنشطة الفنية وهو صالون الشباب الأخير تحول الفنان إلي التعبير بأطر تشكيلية حديثة بعيدًا عن القواعد والأطر بعيدًا عن الجمال الشكلي، وينم بعضها عن حالة التشظي الذي نعاصره، فلوحة ما بعد الحداثة تجسد الصراعات التي تخطر في بال الفنان. تحدث الدكتور أحمد نوار عن ذكرياته قائلا: أقيم في قرية صغيرة في الدلتا، وكان يدرس لي مادة الرسم أستاذ يأتي من القاهرة قاطعا مسافة أكثر من 100 كيلومتر ذهابا ومثلها إيابا دون أن يشعر بمشقة ذلك، وكانت مادة التربية الفنية تدرس في حصة لمدة ساعتين علاوة علي الاهتمام الذي كان موجودا في المدارس بالمسرح والموسيقي والرياضة وذلك شيء مفقود في التعليم حاليا، كما نفتقد حاليا إلي دعم المؤسسات المدنية من بنوك وشركات ومؤسسات ثقافية وأفراد للفن والثقافة، وأذكر في طفولتي وفي قريتي الريفية البسيطة أن أحد أغنياء القرية وكان أستاذ بكلية الآداب قام ببناء كنيسة كما قام ببناء جامع ومركز شباب وقام ببناء مستشفي وغيرها الكثير مما يوضح ما كان يقوم المجتمع المدني وهو شيء نفتقده بشدة حاليا. وناشد نوار قطاع الفنون التشكيلية إعادة عدد من المسابقات الفنية القديمة، التي حصل عليها كثير من أعمدة الفن التشكيلي مثل جائزة "مختار" وغيرها، وتكريم الفنانين الذين فازوا بجائزة "بينالي فينسيا الدولي"، الذي ساهمت مصر بتأسيسه، وانتقد ضعف الحركة النقدية حاليا، وعدم اهتمام الصحف بها، وهو نفس ما يحدث أيضا في التليفزيون الذي لا يقدم إلا برنامجًا واحدًا يعرض الساعة الثانية صباحا فلا يشاهده أحد.