لوحة اليوم (المنظر من نافذة مكتبي في بودابست) انتاج عام 1965 ألوان جواش مقاس 30 في 21 سم. مكثت في بودابست أربعة سنوات ( 1964- 1968) انتجت خلالها بعض الاسكتشات، ولوحة واحدة (المرفق صورتها)، لكن الأربع سنوات لم تضع هباءا، فقد انتهزتها فرصة لأزيد من معرفتي بالثقافة الأوروبية، وأوسع مداركي بجوانب فنية لم تكن متاحة لي في مصر. خلال وجودي بالمجر لم يكن هناك وقت لممارسة الفن لعدة اسباب:- - ظروف العمل الضاغطة، وعملي تحت رئاسة ثلاث سفراء في مدة اربع سنوات (وهذا معدل غير طبيعي، لا يحدث الا نادرا) فاضطررت لتغيير جلدي واسلوب تعاملي ثلاث مرات حتي أتوافق مع شخصياتهم ومطالبهم المختلفة. - كان الثلاث سفراء من رجال الجيش والشرطة، المعروف عنهم الصرامة والتشدد العسكري في ادارتهم للعمل، الأول هو اللواء رئيس أ.ح الجيش المصري محمد ابراهيم ووزير الحربية الاسبق، والثاني لواء شرطة عبد العظيم فهمي وزير الداخلية الاسبق، والثالث لواء عبد الفتاح فؤاد المحافظ الاسبق بكل من المنيا ثم الدقهلية.( كان يجري الحاقهم بوزارة الخارجية احيانا مكافأة لهم، واحيانا أخري لابعادهم الي الخارج كي يؤمن جانبهم)، وكانت لي حكايات ووقائع مع كل واحد منهم، ليس المجال هنا لروايتها، وربما يحين الوقت مستقبلا للكشف عنها، اذا سمحت الظروف. - قلة الخبرة الدبلوماسية لهؤلاء الرؤساء، دفعتني الي بذل جهد مضاعف لأعلم نفسي بنفسي، فتعلمت باسلوب التجربة والخطأ، وعن طريق تجنب الاخطاء التي يقع فيها هؤلاء الرؤساء، كما وسعت دائرة اصدقائي بالسفارات الاجنبية، وكان الفن مدخلي للتعرف بهم، ومنهم اكتسبت الكثير مما يتوجب علي الدبلوماسي عمله واتباعه. - لاحظت أن وجودي في بيئة مغايرة للبيئة المصرية، كان لها تأثيرها في الحد من قدراتي الابداعية الي حد بعيد، فمكوناتي الشخصية لم تجد التربة الملائمة لانتاج فني أرضي عنه، ذلك حدث في أول خدمة لي بالخارج، وقد أمكنني التغلب علي ذلك، بشكل ما، في مواقع خدمتي الأخري بالخارج. - هزيمة عام 1967 التي جلبت احباطا شديدا، لم يكن التغلب عليه بالشيئ اليسير، ونتيجة تلك الاحداث زاد ضغط العمل بالسفارة لمجابهة الظروف القاسية التي المت بمصر. رغم قلة انتاجي الفني (خلال 1964 – 1968) الا أني لم أدع فرصة التواجد في أوروبا لتضيع من يدي، فقمت بزيارة المتاحف وقاعات العرض والاماكن الأثرية والتاريخية داخل المجر وخارجها في عدد من العواصم الاوربية الاخري ( أثينا، بلجراد، فينا، براج، ميونخ، برلين، درسدن، باريس، لندن، فينيسيا ) لأستزيد معرفة بالتراث الفني في مراحلة المختلفة بدءا من العصرين الاغريقي والروماني، ثم مراحل النهضة الأوروبية، فالباروك والركوكو فالكلاسيكية الجديدة والآرت نوفو، والواقعية والانطباعية.....الخ، ونميت معرفتي الموسيقية بمشاهدة العديد من الأوبرات والباليهات. كان وجودي بالمجر مرحلة تسلحت فيها بذخيرة ثقافية ساندتني في مواصلة اهتماماتي الفنية فيما بعد، وبشكل تحقق في مرحلة سبعينيات القرن العشرين وما تلاها. معذرة فقد اسهبت في الحديث، رغم محاولتي الاختصار قدر الامكان، لكن الظروف اقتضت شرح المناخ المحبط الذي أحاط بي في تلك الفترة، وكيف نجحت في تطويع الموقف للخروج بمكاسب افادتني من الناحية الفنية.