الثقافة وهوية الدولة – الدولة المدنية رئيس الجلسة: أنور مغيث المتحدثون: - حازم أحمد حسني - حسن طلب - شريف يونس - فتحي أبو العينين . افتتح الأستاذ الدكتور أنور مغيث الجلسة الأولى لليوم الثاني لمؤتمر "ثقافة مصر فى المواجهة"، موضحًا أن فكرة الهوية مختلفة مع فكرة الأمة، وهذا الخلط ينعكس بالطبيعة على الدستور (كمثال)، والمفهوم نفسه يعد إشكالية في حد ذاته، والإشكالية الثانية في مفهوم الدولة المدنية حيث وجود قوى لها تصورات متناقضة تماما تريد دولة مدنية تطبق الشريعة الإسلامية (كما طرح ذلك عصام العريان)، خصوصا بعد أن أصاب مصطلح العلمانية كثير من التشويه؛ وقد رجع إلى ما قاله العالم الفرنسي جون لوك حول الحكومة المدنية التى تعني بالأساس التخلي عن الحكم الديني أو الإلهي. . كلمة الأستاذ الدكتور فتحي أبو العينين : أوضح أنه زاد الاهتمام بمصطلح الهوية والمواطنة خصوصا بعد الثورة والعمل السياسي، وصار ذلك مطروحا في الإعلام وفي المجال العام وبين عامة الناس .. حيث تبرز الهوية عندما يشهد المجتمع امورًا جسامًا مثل الحروب والثورات والتمردات، فهذه الأحداث تهز المجتمع وقد تتشكل الهويات بفعل التغيرات التاريخية. فمفهوم المواطنة بالنسبة للمجتمع المصري هو مفهوم متأصل منذ العصر التأسيسي مرورًا بالهلينستية حتى العصر المسيحي والإسلامي، فهو مفهوم جامع شامل نتيجة احساسهم بوجود شئ مشترك فيما بينهم حتى مع فترات الظلم الاجتماعي حيث كان المصريون لا يتناحرون في الشوارع لأن فكرة المواطنة كانت متأصلة بداخلهم. وفى ختام كلمة د. فتحي أبو العينين طُرحت هذه التوصيات التالية: - تأصيل الثقافة القومية والنضال من أجل التعليم. - تفعيل دور الفنون والآداب لما لهما من دور مهم في تشكيل وعي الفرد المصري. - تفعيل دور المثقفين بشكل حقيقي عبر التحامهم بالفرد العادي. أكد الشاعر حسن طلب أن هوية مصر متفردة ولم تكن بأي شكل من الأشكال مؤسسة على إطار ديني منذ الفراعنة وحتى الآن، وأننا بحاجة إلى التركيز على إعادة الوعي التاريخي (وندين بالفضل فيه للأثريين)، وعلى أن مصر لم تكن غائبة فقط عند المصريين وإنما كانت غائبة في الخارج أيضا، ولننظرعلى سبيل المثال كيف تناول هيجل مصر وأنه تعامل مع الهيروغليفية على أنها طلاسم، مع العلم أنه قد صدر قبل موته بأربع سنوات كتاب شمبليون فى فك رموز اللغة الهيروغليفية، ونحن كنا نعاني من التعامل مع الهيروغليفية على أنها نقوش غامضة، على عكس ما اتضح لنا بعد ذلك من أنها أسلوب حياة وبها من الفنون والعلوم الكثير. وأضاف حسن طلب أن الشعب المصري قد غير ديانته مرتين وكذلك اللغة مرتين، من الهيروغليفية إلى القبطية، ومن القبطية إلى العربية، وقد رُفضت اليهودية لأنها دعت إلى الانصياع وراء مقولة شعب الله المختار، مما يؤكد أن مصر على طول تاريخها آمنت بتعدد الديانات واستوعبتها كلها مما يضعنا أمام حقيقة الهوية التي اعتقد أنها مشتقة من الأساس من كلمة (هو)، والحالة الوحيدة التي اعتقد أنها استثنائية هي حالة القصرية التي فرضها "اخناتون" على مصر عندما فرض التوحيد بالقوة. أما الدكتور حازم حسني فقد تناول أزمة الثقافة المصرية موضحًا أن في الأزمات لابد أن يقوم المثقفون بدورهم دون الانتظار لدور الدولة، مع الوضع في الاعتبار الإشكالية الأخطر عند المثقفين المصريين التي تتمثل في تصحيح الترجمة للمصطلحات التي يتم تداولها فمثلا كلمة (مواطنة) لا تعني مواطنة وإنما تعني (ممادنة) وكذلك كلمة (سياسة) التي تعني Political بالإنجليزية والمأخوذة من الكلمة اليونانية Police والتي تعني في الأصل المدينة – الدولة، وبالنسبة للهوية فهي تقوم على التطابق والفردية أي هي إطار جامع شامل، والهوية عندما تفرض على الدولة تصبح هي النطاق الشمولي بعيدًا عن الفردية، كما ركز أيضا على ضرورة الوعي التاريخي عند الشعب المصري. أما كلمة الدكتور شريف يونس عن " الثقافة وهوية الدولة، الدولة المدنية، المواطنة، الوعي التاريخي" .. ما معنى هوية الدولة؟ وما معنى علاقتها بالثقافة؟ أشار الدكتور شريف يونس في كلمته أنه لا توجد في تقديره هوية ثقافية، لكن توجد سياسة هوية ثقافية وتعليمية وإيديولوجية. فهناك تيارات هوية تشكلت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وهي التي وضعت قضية الهوية على رأس جدول أعمالها الرامي إلى "توحيد" المواطنين على رؤية واحدة تتفق مع الهوية المرغوب فيها (مصرية / عروبية / إسلامية / خليط) وحققت أحد أشكال هذه التيارات سيادتها برسوخ نظام يوليو، وأفضت في النهاية عبر الديكتاتورية وما يرافقها من محو أي أساس للمسئولية الاجتماعية إلى الانهيار الاجتماعي والإفقار الإيديولوجي والسياسي الذي أصبح الإطار العام للوضع لعقود مضت، وما زالت البلاد تعاني منه بعد الثورة. فعلى مستوى النشاط الثقافي، المعرفي والفني والأدبي، سؤال الهوية هو سؤال القمع الأكبر. سؤال الهوية بإجاباته عديمة المضمون لا يعمل سوى كحاجز أمام الإبداع الذي هو ركيزة النشاط الثقافي المذكور. ويفيد في تصنيف ما هو "من الهوية" المفترض أنها ثابتة مع أنها غير معروفة أصلا، وما هو "خروج على الهوية". سؤال الهوية هو سؤال محاكم التفتيش .. وسؤال شن الحروب للحفاظ على تراتيبات في السلطة الثقافية، أو هدمها لصالح تراتيبات أخرى معطاة. وأشار إلى أن التأكيد حاليا على أن الهوية المصرية تعددية أولا ومنفتحة ثانيا لا يعني أي شئ، فالتعدد والانفتاح سمة لمعظم المجتمعات بفعل العولمة وظهور وسائط الاتصال العالمية. ومن هذا المنطلق رأى ضرورة ألا يتجه هذا المؤتمر إلى هدف المواجهة ويهمل الكوارث الحقيقية في طبيعة المجال الثقافي والمجال العام التي كانت أساس صعود التيارات الدينية. ويرى أننا أمام فرصة اتاحتها الثورة لمواجهة جادة لأزمة الثقافة المزمنة وعلى رأسها التمحور حول مفهوم الهوية الاستبدادي بدلا من إهدار الجهود في مجرد مواجهة الأشرار. أما الدكتور طارق النعمان في مداخلة له يؤكد على أن قضية الهوية إشكالية بطبيعة الحال وان السؤال فى العادة يطرح نفسه في حالة الأزمات فقط أو بمعنى أدق السؤال ينتج من الخلل، ويضيف: وإذا رجعنا إلى توصيف اللحظة الحالية فنجد السؤال كالتالي: هل مشكلة الهوية هي مشكلة مجتمع ككل.. أم مشكلة نظام الحكم والعلاقة المتبادلة بينهما؟ ويرى الدكتور طارق النعمان أنها نتاج الصدام بين نظام الحكم (سياسيا) وبين المجتمع، فمحاولة فرض جماعة بعينها هويةً على المجتمع يعمل على احتدام الصدام؛ والدولة أيضا لها هويتها الخاصة التي قد تكون متجانسة أحيانا أو متشابكة متقاطعة في أحيان أخرى مما يجرنا إلى فهم الإشكالية الآن على أنها نتاج عدم تمثيل المجتمع ككل في النظام السياسي وبناء الدولة ومصطلح الهوية عامة مصطلح دال يحيلنا للثابت والمتغير. وفي ختام الجلسة أشار المتحدثون إلى بعض التوصيات: . تفعيل دور الفنون والآداب بسبب دورهما المهم فى إعادة تشكيل الوعى عند الفرد. . إعادة تصحيح المصطلحات ووضعها فى إطارها الصحيح. . ضرورة إعادة الوعى التاريخى عند الشعب المصري. . مقاومة القيود التى تُفرض على حرية الثقافة. . تحرير المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة ودعم استقلالية قرارات لجانها. . تأصيل الثقافة القومية والنضال من أجل إعلام وتعليم مختلف قائم على الجدية. . تغذية ثقافة الهامش ورفض الديكتاتورية الثقافية. . إعادة تفعيل دور المثقفين أنفسهم على أساس اللحظة الراهنة التى تتطلب العمل بعيدا عن انتظار دور الدولة.