ضمن لقاءاتي المعتادة يومياً، كان لقائي هذه المرَّة، في هذا الحوار، مع الشاعرة المغربية بهيجة البقالي القاسمي والتي تتصف شخصيتها بالوعي والذكاء الكبيرين، والجد والاجتهاد، والمثابرة، والصبر والإرادة القوية، والتصميم، ووعيها الاجتماعي والثقافي، الواسعين والعميقين، وأفكارها القيمة والنيرة والموضوعية، وإحساسها المرهف، وأجوبتها الموضوعية والدقيقة والمركزة. و التي تعتبر نموذجا للمرأة العربية التي تشيد مجد الكلمة و حريتها. من أجل الرقي الأدبي و الفكري بتعاون بناء مع الرجل. بهيجة ألبقالي ألقاسمي...شاعرة وكاتبة مغربية، تعمل مديرة ومؤسسة لمدرسة للتعليم الخصوصي الابتدائي، مرافقة في التنمية الذاتية ، حاصلة على ماستر في تسيير وتدبير المقاولات، وفاعلة جمعوية وطنياً ودولياً... كعادتي مع كل من أحاورهن، كان سؤالي الأول لها هو: @ من هي الشاعرة المغربية بهيجة البقالي ألقاسمي؟؟ مبدعة مسكونة بهَمِّ الكلمة و حرية القلم ، تتعاطى الكتابة من أجل إثبات الذات أولا ، و في سبيل إطراء الوعي العام و النهوض برهانات الثقافة المغربية في بُعديها العربي و الكوني. بهيجة البقالي إسم يتغيا التدثر بأجنحة الكلمة للطيران في سماء الإبداع. طموحي قد يسبق إمكاناتي ،لكنّ عنادي الأدبي ممهور بأوسع التطلعات ..هكذا كلما حققت خطوة أتطلع إلى عشر من أمثالها. إنها رهانات الكلمة الإبداعية التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد. و لعلّ نتاجي الإبداعي يقدمني أفضل مما أقدم به نفسي. @ما هي القيم والمبادئ التي تؤمن بها الشاعرة وتدافع عنها ؟؟؟ سئل سقراط ذات مرة: أية قيمة تراهن عليها في الإنسان؟ أجاب: الصدق. أنا أيضا أرى أن الصدق هو قيمة القيم . وفي غيابه نفقد إنسانيتنا وتوازننا، ثمة مبادئ تربيت عليها وما تزال تتأهل بها شخصيتي. ومنها: الوفاء، والعطاء، والصبر، والطموح. إن إنسانية الشخص تتحدد وفق تمازج هذه القيم، وتجاورها، بحيث لا تنفي الواحدة الأخرى. واليك هذه القصيدة من أشعاري: للحلم جرأة لا تقاوم، ولليل قهر لا يساوَم، فاستسلم متى الحلم اقتحم، واطلب السِّلم إذا ما الليل ظَلم. @ما هي علاقتك بالقراءة والكتابة، ومنذ متى بدأت القراءة والكتابة الجدية ؟؟؟ يقولون، إن القراءة هي الطريق الذي يؤدي إلى الكتابة. وهذا صحيح إلى أبعد الحدود . لقد نشأت في أسرة كان الأب فيها من رواد التعليم في منطقة شمال المغرب، لذلك كان الكتاب حاضراً بقوة. ومعه كانت المطالعة ذلك الشغف اليومي، الذي تيْنَع به الذاكرة، ويستقيم به الولع. قرأت بعض روائع التراث الأدبي العربي. كما نَهلت من مختلف فنون الأدب الحديث. ثم عرجت نحو الأدبين: الفرنسي والإسباني وقرأت لكبار أدباء الغرب في الشعر والرواية والقصة القصيرة .من القراءة إلى الكتابة، لم أتنازل عن تهيبي من الاثنين: التهيب من القراءة، باعتبارها سفراً في عوالم الإبداع المثير. والتهيب من الكتابة، باعتبارها إقامة صعبة في أبنية المعاني العسيرة. إنها أعوام قليلة تلك التي تسجل دخولي عالم الكتابة. لكن بعض الذين قرؤوا لي، يقولون إن كتاباتي تعكس دربة وتمرسا قديما. ولا أدري مدى صحة ذلك. @ هل لديك مؤلفات شعرية، منشورة او مطبوعة، الرجاء ذكرها إن وجد؟؟؟ أصدرت في القاهرة مجموعتي الشعرية الأولى بعنوان: " صراخ الصمت " سنة 2012م. و أنا بصدد إصدار ديوانين آخرين لاستكمال ثلاثية شعرية، وهما " أنثى الصمت " و" عناق الجنون " . فيما يخص تجربة الومضة الشعرية، أنهيت تصحيح بروفات ديوان يحمل اسم " على نوافذ صمتك " تقديم الناقد المغربي الكبير الدكتور نجيب العوفي، أتوقع أن يصدر في بداية سنة 2014م. إليك هذه القصيدة من أشعاري: هو الناهي...هو الآمر صمت رهيب، يردده هذا الليل، الآسر، حبر عجيب، يتحايل على قلم، هو الناهي، هو الآمر، فلِمَ ابتليت، بهذا الحب، وهذا العشق ، القاتل ؟ @ هل شاركت بمؤتمرات ومهرجانات عربية ودولية، وحصلت على جوائز تكريمية ؟؟؟ مشاركاتي الأدبية منحصرة فقط في مهرجانات شعرية وطنية متنوعة. والتكريم الأجمل الذي حصلت عليه حتى الآن، هو تكريم القراء عبر إعجابهم بشعري. @من هم الكتاب والأدباء والشعراء العرب، التي تأثرت بكتاباتهم، وقرأت لهم، ودفعوك لكتابة الشعر؟؟؟ في الواقع لقد قرأت لكثيرين واستفدت من تجاربهم في الكتابة الإبداعية. بيد أني لم أتأثر بأي أديب على نحو محدد. عندما أشرع في الكتابة، لا أتمثل إلا ما يعتمل في نفسي أنا. وأتأثر فقط بالحالة الإبداعية التي أعيشها إبان ذلك. @ما هي بداياتك بالكتابة، هل بدأت بكتابة الشعر فوراً؟؟ أم كنت تكتبي عن كل شيءْ ؟؟؟ الشعر هو الذي استأثر بكامل اهتمامي الأدبي. لذلك زاوجتُ بين كتابة القصيدة الفصيحة والشعر العامي والقصائد باللغة الفرنسية. @هل أنت عاشقة للشعر أم عاشقة للكتابة بشكل عام؟؟؟ الشعر عشقي الأول والأخير.ولو أني أكتب أحيانا في الأجناس الأدبية الأخرى . وهذه قصيدة من أشعاري بعنوان:شقائق النحاس، أحيانا.. أفتح نوافذي، ويخيل إلي أنني في .مدينة النحاس، وأحيانا.. يكون عكس ذلك، فأشتهي أن أكون أنا.. من نحاس، فلِمَ تتغير النوافذ، ويراودني، هذا الإحساس ؟ @ ما علاقتك سيدتي بكتابة الومضة الشعرية؟؟؟ وما هو في رأيك سيدتي أسباب ظهورها وانتشارها؟؟؟ لا أدرك سر علاقتي بالومضة الشعرية. لقد وجدت نفسي أكتبها – أو تكتبني – دون أن أتساءل: لماذا؟ وكيف؟ وأعتقد أن عوامل انتشارها تعود إلى حيزها التعبيري المكثف، وكثرة تعاطي القراء معها، مقارنة مع قصائد المطولة. واليك بعضاً من الومضات الشعرية التي كتبتها أرجو أن تنال إعجابك: # اشتهيت أن أدخل لوحة بالألوان، يُحذف منها الأسود، وعقارب الزمان. # تُلح الشمس على الدلال، ساعات نومها لا تكفي، فأضيفَ شهراً للتوقيت الصيفي. # عندما لا نتكلم نفس اللغة ، فالأسود لا يعني كحلاً، والأبيض لن يكون أبدا قمراً، وكل الألوان والأشياء ، تكون لها دلالات أخر. # لن أنتظر...مهما الساعة الصيفية للتأخير تُبرر. # أحببتك بصمتٍ...بجهرٍ...بصراخٍ، و نسيتُ أن أسألك ، بأية لغة تريدني أن أحبك، #ثقة ..وحبٌّ صادق..عشق آسِر. # تلك النظرات...هي كل الكلام...هي سرّ الحياة . # كثير ما نحس أننا غرباء غير أن الغريب هو هذا الإحساس نفسه. # مهما فتحت من نوافذ، تغلقها الرياح. # وقاحة هي الهروب من المسؤولية..بالهجوم على الغير..قصد الدفاع عن النفس.متى سنرتقي ؟ # حقيقة البطلة العاشقة، حقيبة أسرار مذهلة. # أجمل ما في العشق..أنه يجعلك تعيش دائما على..الأمل. # كثيرة هي مشاغلي...فما رأيك في استفزازك لي...على أوراقي ؟. # أحزن...كلّما تعِب منّي...القلم. # إليك...كلماتي التي أكتبها لعشقي لصمتي قالت: ومضاتك أستعملها رسائل لحبيبي..فأنت تكتبين بلساني..قلت:قلب العاشق واحد فكيف لا يكون لسانه لساني # كلَّمَتني إشراقة الشمس عنك هي الأخرى تحبك.. # كثيرات المفاجآت..وأقساها..غياب..بلا سبب. # و يبقى الصمت أفضل جواب .لمن لا يفقه علم الحوار. # مع الأسف..لا زلنا نفتقد القدرة على الإصغاء..واحترام الرأي الآخر. @هل أنت مع كتابة القصيدة العمودية أم مع الحداثة في كتابة الشعر؟؟؟ أنا مع روح الشعر، سواء، لبست الإيقاع العمودي، أو فضلت التحليق في التعبير الحر. المهم ليس القالب الذي نصب فيه الشعر. المهم هو الشعر نفسه، وأشكال القبض عليه. واليك هذه القصيدة من أشعاري بعنوان:صدفة خير من ألف ميعاد أسرعَت إليّ بالأحضان، والقبل قائلة : على الفايس..أنتِ صديقتي، منذ أكثر من..أربع سنوات لا أضع صوري، ولا إسمي، ولا أية معلومات عنّي، غير أن كتاباتك كثيرا تعجبني، وكأنك تكتبين عنّي صمتَ نطق لساني، وبدوري كلمتها بالقبل، والأحضان ما أروعك صديقتي، إليك حبي وحناني. @ما هو المركز الذي يتبوأه الحب في كتاباتك الشعرية؟؟؟ الحب عندي، هو روح الجمال الشعري. لا أتصور قصيدة تخلو من أطياف الحب. كما لا أتصور حبا دون شعر. إليك هذه القصيدة من أشعاري: حذار... لا زال الصباح نائما، يرفض الوقت، مثل كل من سُحِر بجمال.. ليلها..والسّهر.. البحر..و هدير أمواجه.. والقمر.. بعروس الشمال.. الكل يحتار..في اختيار التمتع، بالليل أم النهار، حذار ثم حذار، إن لم تأخذ بعد.. القرار. @ هل للسياسة مجال في كتاباتك الشعرية؟؟؟ أحب دائما أن أضع مسافة بين ما هو سياسي– مرحلي، وما هو أدبي– دائم. صحيح أن الإبداع في عمقه رؤية سياسية. والسياسة في عمقها رؤية إبداعية. لكني أفضل أن أتموضع في سياق شعري، بعيد عن الهم السياسي. @ما هي الموضوعات التي تتطرقين لها بأشعارك بشكل عام ، غير الحب ؟؟؟ أشعاري موجهة للإنسان في جميع حالاته وانشغالاته، ومواضيعي أعالج فيها كل هموم الحياة. أخافني أقرأ حرفك أٌقرأ صمتك أسمع همسك و لا أكتفي أقرأ ما بين السطور ما بين النقط ما بين الحروف أحس حزنا لا ينتفي حزنك حزني و همك همي أخافني أخاف خوفي أحتار مع جنوني أهرب في حلمي أخبؤك في عيوني و في عيونك أختفي @ هل تعتقد الشاعرة بهيجة بوجود شعر نسائي وآخر ذكوري، وهل هناك فرق بينهما؟؟؟ لا أومن بهذه المقولة. هناك شعر جيد أو رديء بصرف النظر عن جنسية المبدع. نعم ثمة فروق في الكتابة بين الرجل والمرأة، لكن في الحكم على الإبداع، ينتفي هذا التقسيم المجْحِف، ويغدو الفيصل هو جودة الكتابة فقط. @من هم في رأيك أهم الشاعرات والشعراء في بلدك المغرب؟؟ ثمة في المغرب تجارب شعرية نسائية جيدة ، تؤسس لأفق إبداعي متطور، وتؤثث المشهد الشعري المغربي بكتابات وازنة. لكن ما يزال التعتيم مسلطاً على الكتابات النسائية !! @كيف يخدم الشعر القضايا التي تؤمني بها وتدافعي عنها؟؟؟ من خلال جعل الكلمة عنوانا لتكريس الحرية. وجعل الحرية سمة للنهوض بالكلمة . @ هناك مثل مغربي يقول: إذا كنت في المغرب فلا تستغرب، هل من تعليق عليه؟ هذا المثل يعكس انتقاداً عنيفاً للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المغرب. وما يجب التأكيد عليه، أننا في المغرب، ننعم باستقرار أضحى أمل كل الدول. كما أن المرأة المغربية، لها حضور وازن في مراكز صنع القرار السياسي. والتحديث في بلادنا يتجه نحو القطيعة مع السلبيات لصنع ديمقراطية منتجة، وتأهيل المجتمع ثقافيا، وإحقاق العدالة الاجتماعية . @ كلمة أخيرة توجهينها في ختام الحوار؟؟؟ أشكر الأستاذ أحمد القاسم الذي أتاح لي فرصة الحديث عن تجربتي الشعرية و طموحاتي الأدبية، راجيا أن أكون قد قدمت إجابات في مستوى ما يرجوه منّي قرائي الأوفياء .