متى كانت الألوان تصنع الفنان ...؟ و الشواهد الإنسان؟... أهدي هذه المداخلة إلى: كل قلب ينبض بالحب و كل يد تضيء بالشعر و كل عين تلتمع بالجمال. ( 1 ) لا يستقر زخم القلب في شجن القصيدة إلا حين تصير الكلمة آهة، و يغدو الحرف شهقة، و تمطرالعبارة شآبيب الوجد المتقد. (2) حين تضبط الذات الشاعرة وهي متلبسة بأشجان الهوى: يتضوع القصيد بالطيوب، و تتزيا الكلمة بجماع ألوان الطيف، فإذا الدلالة مراوغة، و الصورة لعوب، والإيقاع رشيق، و الحرف متمنع وهو راغب. (3) في الحب: اليد التي تكتب آية للقلب الذي يخفق. الحبر واحد لا شريك له: يستعير من القلب هبوب التوق، و يستمد ألق الارتعاش. (4) لا يعتلي الشعر سدة القلب إذا هو لم يشهر شرعية الهوى. و لم يومن بقولة إبن الفارض: "ومن لم يفقهه الهوى فهو في جهل" (5) الشاعرة بهيجة البقالي لا تتوفر فقط على شرعية الهوى بل هي متفقهة في نوازل الغرام. و ها هو ديوانها يشهد – بالكلمة و الإحساس- على ضلوعها الطاعن في أبجديات الحب والوله والوجد والحنين. هي تطلق عليه "صراخ الصمت" و أنا أسميه "فتاوى القلب" . و لا جناح علينا. لأن القلب حين يصمت، تقول فتواه: الحب أعلم. و لأن الصمت حين يتكلم، يقول الحب: القلب أعلم. (6) عند بهيجة البقالي: لا شعر دون حب. لا حب دون شعر. و هي حين تكتب يجلس الحب على أطراف أصابعها. و حين تحب يرتاح الشعر على أغصان قلبها. و لم يسبق لها أن توقفت عن الشعر، لأنها لم تتوقف عن الحب. إنها لا تخون الحب مع الشعر. ولا تخون الشعر مع الحب. هي لهما معا. و ترضيهما في وقت واحد. ذات مرة سألتها: من يخطب ودك أولا: الشعر أم الحب؟ قال: ابحث بين أسطري، غص في أعماق حروفي، تعثر على الجواب. و حين فعلت اكتشفت أن حرف الشين (شعر) هو نفسه حرف الحاء (حب) في أبجديتها الإبداعية. و قبل أن أغادر حروف بهيجة البقالي، سمعت الشعر يردد في مسمعي: - أنا الحب حين أرتدي الكلمات. و سمعت الحب يهمس لي: - أنا الشعر حين أقيم في الآهات. لملمت إعجابي المسفوح على حواف المعاني. قلت لهما: - أنا القارئ حين أذوب في الشهقات. ( 7) تعلمت الشاعرة فنون الحب في سكينة الصمت، لا في ضوضاء الكلام. جاءها الشعر و هي في حالة حب صامت. ثم أتاها الحب فوجدها في لحظة شعر جهير. فهل نفضح أجمل ما فيها. إذا رددنا بيقين القراءة قائلين: في الحب كبر و عيها الشعري و أينع. و في الشعر خفق وعيها الوجداني، و سلمت مفاتيح نبضها لمن في الجفون يعبر و يقيم...؟ تقول بهيجة البقالي في نص يعكس تلاحم المكتوب بالمحسوس: قلمك يكلمني يهمس في أذني أحبك يبحر في عيوني يدون على أهدابي أعشقك يخط في شراييني يرسم على أوردتي أشتاقك ها هنا الحب ليس مجرد دلالة تطل من نوافذ الكلمات. ليس مجرد إحساس يقفز بين بياضات السطور. إن الحب هنا روح و ثابة. إيقاع صارخ. صور مفتونة بالمعنى. و لغة مسكونة بحرائق الوجد. لكأن الشاعرة تريد أنتقول لنا ما سبق إلى قوله شقيقها في العشق، العباس بن الأحنف: أستغفر الله إلا من محبتكم فإن حسناتي يوم ألقاه فإن زعمتم أن الحب معصية فالحب أجمل ما يعصى به الله (8) لكم هو صعب الحب عند الشاعرة بهيجة. إنها لا تعشق بقلبها بل بكيانها. لا تولع بالجزء بل بالكل. فهي إذا أحبت تخنق. و إذا غارت تشنق. و إذا كرهت تقتل. إذن فالعاشق، في جميع الحالات، ميت ، ميت، ميت، يا بهيجة... هذا النوع النوع من الحب يخلق في النص الشعري عنفوانا مجردا و محسوسا. و يحول القصيدة من مدار الكلام المحتفى بذاته، إلى مقام القلب المنذور لمن يسكنه. إن الشاعرة مسكونة بالعشق. تقيم على أطرافه. تحيا بأنفاسه. تتجدد على دربه.تحترق في لهيبه. ثم هي دائما على حب، على شعر. تسافر على متن الحرف، و هي تصرخ: نبضك طريقي أنفاسك بوصلتي أتوضأ من عينيك أركب سجادة عشقي بهيجة البقالي لم تشرك بالحب شيئا. و صدقت ما عاهدت العشق عليه. قد تتمرد على الحب. قد تتعالى على مكابداته. لكن لم يحدث أن كفرت بنعمه. ها هي ذي تقول معترفة: لولا الحب و العشق ما أدركت... أني شمس زماني. عبر هذا البوح تثبت الشاعرة أن القلب هو سيد القصيدة. و أن الشعر لا يفوح له أريج مالم يستحم في المياه الدافئة العميقة للوجدان. أجل يا بهيجة: هكذا هو الحب. من شاء أن يومن و من شاء أن يكفر... (9) تشربني سمك جرعة...جرعة... تقتلني...تحييني... بك أموت... و بك أحيا... و رغم ذا و ذاك أحبك. الحب هنا عنوان للشعر. مثلما الموت سياق للحياة. أن تموت بضربة وجد، معناه أن تعيش برشة شعور. هكذا تفنى بهيجة- الشاعرة- في المعاني المتخمة بإيقاعات الروح. هكذا تغوص بهيجة – الإنسانة- في المشاعر المتعالقة مع ذبذبات الهوى. في المحصلة: لا يتلعثم القلب في التعبير عن أشواقه العاطرة. ولا ينخذل الكلام . أمام هذا الفيض الوجداني. و لا ننجو نحن من أشجان هذا ، و اشتعالات ذاك. أحببت ساعة مجيئك لازلت أتذكرها أحببت نظرة عينيك لازلت أخاطبها أحببت كلماتك لازلت أحفظها أحببت دفء ابتسامتك و اشتقت كثيرا إليها. هذه الليونة التي تحس بالعين ، و ترى بالاحساس: تأخذنا إلى أقاصي الشاعرة و منابع تمثلاتها العشيقة. فندرك بفرح: كم هو رائع الحب حين يستفز فينا حاسة القصيد. و كم هو فاتن الشعر عندما يمثل في سويداء نبضنا. لهذا و ذاك: من أرادت الشعر عليها بالحب. و من ابتغت الحب فلتراود الشعر عن نفسه... (10) قد يموت الحب على أعتاب الغيرة. و قد تكون الغيرة فراشة تزهو بحضورها سماءُ الحب. ذلك مرتبط بحالة القلب: هل هوواثق من مصدرخفقانه. أم يهزُّه الوجع كلما هبَّت رياحُ الشك...؟ و قلب الشاعرة بهيجة البقالي من شيمة خاصة: إنه ينتج الغيرة من تلقاء وجده ليشحن بطارية حبِّه. و يشعل الحب بجمر البُعاد ليستمر ألقُ الغيرة. فلنستمع إلى شجون هذاالقلب:عندما يلامسني صدقك، و يقظ أنوثتي نبضك، و تلبسني تاجك و لا تلبسه غيري، ولو للحظات، آنذاك سأتلف مفاتيح قلبي و أسرع إليك لأموت بين يديك. هكذا هو العشق عند بهيجة: رحيل دائم صوب الاستئثار بكل الأحاسيس. و طواف أبدي حول مركزية الذات العاشقة. لا تنازل في الحب.لا مساومة في القلب. و الشعر مفتتح للصبوات اليقظة، و منتهى لبوارق الروح و رعودها. (11) في ديوان "صراخ الصمت" تحضر مفردات الحب، مثلما يحضر بريق الشعر، في تجاور يتيح لبهيجة البقالي شرعية القول: هي ذي أنا. محلوقة من لظى الشوق. و عبير الكلام. 1- في قاموس الحب: - العين: باب يفضي إلى أبعاء القلب. فإذا كحلت تؤول إلى دوار التوق. - البوح: اعتراف باقتراف الصبوات. عن سبق إصرار و ترصد لاجناح عليهما. - الهمس: إحساس يمتطي التعبير المنخفض. ليجعل الأذن شاهدة على كثافة اللحظة. - الحنين: سفر على متن الذكرى، يمنح للروح فرصة التلفت نحو ما كان و يكون. - الاشتياق: انتقال من الهدوء إلى العاصفة، و سعي دائب إلى الإقامة في الما بين. 2- في قاموس الشعر: - الصورة: رهان لتحويل المكتوب في المعنى إلى مرئي ، و تجاوز الثابت في العبارة إلى متحول. - الإيقاع: رقص على أنغام الحروف، و عزف على أوتار المعاني. - اللغة: دال يلاحق مدلولا. و ظل يستسمك بضوء. و كلام يجهش بالفرادة. - الشاعرية: كتابة بخفق الأعماق، لا بمداد السطح. و جنون يلد جنونا. - الخصوصية: استسماك بالمدهش. معانقة للخصيب. و البحث عما وراء الأشياء. 3- في قاموس بهيجة: - إسم: يحيل على امرأة لا تخفض عينيها عن الأعالي. تسير بخطوات واثقة، يسبقها الطموح، و يُظلها الإشراق. - حب: يؤول إلى عاشقة تشتعل ببرق الغرام. و تتبلل بمطر الأحاسيس. و تقول للجمال: كن حبيبي... - شعر: يفضي إلى مبدعة تستلهم أجمل ما فيها لتعبر عن أجمل ما فينا. تداعب الحرف بدلال أنثوي. فيقول لها الشعر: كوني حبيبتي... - حو"َلت بهيجة البقالي صفحتها على الفايس بوك إلى ديوان بحجم توثبها الإبداعي. و مع إشراقة كل كلمة: ترحل معانيها إلى مختلف العوالم، ثم تؤوب إليها على شكل إعجاب. على هذه الصفحة حققت بهيجة البقالي اكتفاءها الذاتي الشعري. ولم تقترف الاستيراد من خارج عالمها الافتراضي. رغم أنها دائمة التصدير نحو الأقاليم العاشقة للقصيد البهي. صباح كل يوم تكتب بهيجة ومضاتها الشعرية، و تطلقها في سموات العالم،لتختبر قدرتها على التحليق في الأمداء الحرة لقلوب ليس عليها أقفالها. و لبصائر لا تكبِّلها الأبصار. بهيجة- أيتها السابحة في بحور الشعر و العشق-: لاأملك الان حاسوبا. و رصيدي في س م س (SMS) ، و مع ذلك سأقول لك اليوم، و غدا، و دائما: - جيم - جيم - جيم