لم أجد ما يليق في وصف حالِ جماعة الإخوان المسلمين في مصر أبلغ من هذا البيت الشعري الذي قاله النابغة الذبياني في " المتجردة " زوجة النعمان بن المنذر حين سقط نصيفها.. وإن كان المعنى يختلف عند كليهما. فجماعة الاخوان المسلمين في مصر سقط نصيفها و"تجرّدت" في يوم " الثلاثين" حتى أصبحت عارية إلاّ من وعود فاقعة الكذب . انفجر بركان " الثلاثين" في وجوه الاخوان المسلمين وقذف من فوهته انصهارات شعبية أُطلق عليها إسم " تمرّد" . تمرّد شعبي سلاحه عَلَم مصري وقوامه 22 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، رقمٌ تحقَّقَ على أرض الواقع ولم يقتصر على توقيع استمارات، "تمرّد" شاركت فيه حتى الجاليات المصرية والعربية بالخارج وبالدول الأوروبية. هذا " التمرد" اعتبرتْه أغلبية الأوساط الشعبية المصرية خلاصا للمصريين ومقاومة " لاحتلال" مصر من طرف الاخوان المسلمين . واعتبره الإعلام الغربي إشارة الى "وجود انقسامات سياسية واجتماعية ودينية حادة وخطرة فى مصر" ولا يحتاج المرء للكثير من الحصافة والوعي ليتبين بأن ما حصل كان متوقعا جدا بعد أن ضلّت المحروسة طريقها لمدة سنة بقيادة الرئيس المصري محمد مرسي ولم ينفعهُ في " تمرد الثلاثين" أصبعًا كان قد لوح به مهددًا ومتوعدًا معارضيه خلال خطابه " الأسطوري" بستاد القاهرة منذ أيام وهو يقول : للحرية ( الحمراء) بابٌ بكل يدٍ مضرجة يدق. ولعل الكثيرون قد أُعجبوا بنباهة الرئيس " الشعرية" عندما قال هذا البيت الشعري لكني لستُ افهم لمَ اختار هذا البيت بالذات وما علاقته بالمعارضين من الشعب المصري وقد قاله أمير الشعراء احمد شوقي لتحفيز همة السوريين ودعوتهم الى ثورة دامية من أجل "تحرير الوطن" عندما قُصفتْ دمشق بالقنابل من "العدوان الفرنسي الكافر" . فهل يعني ذلك ان الرئيس يعتبر من يعارضه من المصريين والمتظاهرين في حملة " تمرد" من الأعداء والكفّار؟ أتمنى ان اكون مخطئة طبعًا ، لكني سمعتُ ورأيتُ بأم عيني فخامة الرئيس " الاسلامي " يجلس في منصة ستاد القاهرة مستمعًا بهدوء الى مناصريه من التكفيريين من أمثال محمد عبد المقصود ومحمد حسان وهم يتوعدون المعارضين وأصحاب حملة " الثلاثين" ناعِتينَ إياهم : بالكافرين وبالمنافقين والأدهى من ذلك أن الرئيس لم يحرك ساكنا حين دوّتْ كلمة "الرافضة" في ستاد القاهرة في دعوى صريحة لتأليب السنة على الشيعة . فهل أصبحت مصر في عهد الإخوان المسلمين منبرًا للطائفية ولدُعاتها ؟ كيف يسمح رئيس دولة اسلامية تجْمع فوق أراضيها جميع الطوائف والأديان - منذ الأزل - لمؤيديه من شيوخ الاخوان بتكفير الناس ونعْت الشيعة بالرافضة ؟ ( فيديو الخطاب الرئاسي ومداخلات " الشيوخ" موجود على اليوتيوب) غير أنّ ..." السحر انقلب على الساحر" ، كما قال عماد حمدى، المتحدث الإعلامى للتيار الشعبى "لأن خطاب الرئيس محمد مرسي في ستاد القاهرة جاء بنتيجة عكسية وصب الزيت على نار الغضب المتأججة في صدور المصريين الحانقين على سياساته وعلى جماعته " لقد بدَا الخطاب "متحدّيا وأخرقاً" كما قالت صحيفة «واشنطن بوست»، الأمريكية فزاد من رقعة الإنقسام بين أنصاره والمعارضين لحكمه. خطاب طويل وعريض كان عبارة عن " جرْدٍ" بأسماء لمعارضيه مما لم نتعود على رؤيته أو سماعه في خطابات " رؤساء الدول" ، خطاب لم يأتِ فيه الرئيس على ذكر إسرائيل ولو تلميحًا وكأنها بريئة مما يحدث في مصر من بلبلة وانشقاق وكأنه لا يد لها في خلق وتزكية الصراعات وإشعال الفتن في المنطقة بأسرها. خطاب الرئيس هذا ، جعل قيادات التنظيم الدولى للإخوان المسلمين تسارع بتنظيم اجتماع طارئ يوم الجمعة 28 يونيو ببروكسل لتفادي الاسوأ ، داعية الرئيس محمد مرسي الى "التنحى" ومناشدة المرشد العام للجماعة محمد بديع باقناعه قبل ان يندلع غضب الشعب المصري ويحرق الجماعة كلها فتنتهي الى الأبد؟؟ فلماذا يتجاهل الرئيس محمد مرسي هذه النصيحة من " إخوانه" ؟ الم يسمع بقول سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه : "لا تستبد برأيك، فمن استبد برأيه هلك". بل وتجاهل الرئيس ايضا تصريحات الحكومة الامريكية التي أعلنت انه يتحمل المسؤولية في التوصل لحل وسط مما يعني التنحي وتنظيم انتخابات مبكرة مصرحة عبر خارجيتها بانها تدعم الشعب المصري وليس النظام بل وطالبت الجنرال السيسي بالتدخل لحماية حق المصريين في التعبير عن ارائهم السياسية بكل حرية ، ولم تكن الخارجية الامريكية لتدلي بهكذا تصريحات لو لم تكن تعرف مسبقا عواقب هذه الفتنة التي أدخلت مصر في نفق مظلم فسارعت وقبل اندلاع المظاهرات بيوم واحد إلى إجلاء رعاياها الامريكيين المقيمين في مصر وفوق كل هذا أعلن البنتاجون عن خطة طوارئ لتأمين مصالح أمريكا بالقاهرة خلال المظاهرات من خلال وحدة خاصة من المارينز يتوقع نقلها جواً خلال ساعة واحدة من ايطاليا او اسبانيا فور تلقيها أوامر التحرك على متن طائرات من طراز "V-22" قادرة على حمل القوات والأسلحة. فكيف لا يستوعب الرئيس المصري كل هذا التغيير في السياسة الامريكية تجاه سياسته وسياسة " جماعته " ؟ وهل كان من الضروري ان يُؤتى بالقرضاوي إلى مصر على وجه السرعة ليلقي كلمة عبر التلفزيون مهدئًا : " أنادى المصريين جميعا أن يكونوا أمة واحدة، والسمع والطاعة مطلوبة للرعية مالم يُؤمروا بمعصية، وإذا كنا نريد أن نغير حقا فيجب ذلك من خلال الانتخابات البرلمانية". أليس هذا هو نفسه " الداعية القرضاوي" الذي وقف منذ أيام في خطبة الجمعة يدعو أمريكا " للجهاد" ضد المسلمين في سوريا ويتوسل إليها ان ترسل الاسلحة للمعارضة في سوريا " للّه" ؟؟؟؟ "أتسيل عينه دمعا عندما يجد ما يراه من فرقة فى شعب مصر" ولا تسيل عينه دمعا للتفرقة في سوريا؟ وهل مسلمِي مصر في " شريعة القرضاوي" غير مسلمِي سوريا أم أنه يُفتي بما تُمليه المصالح والاجندات الأمريكية والإسرائيلية ؟ لقد أثبت الإخوان المسلمين أن الوصول الى كرسي السلطة كان هدفهم الأكبر وأن تشتبهم بالمناصب رغما عن إرادة الشعب المصري ليس له بديل ولو كلفهم ذلك سفك الدماء وأقول للذين يؤيدون محمد مرسي ويرون فيه الرئيس "الإسلامي" المناسب : مصر ليست في حاجة إلى رئيس بلحية يصلي بالناس يوم الجمعة لتعمّ العدالة والديمقراطية ويحصل التغيير ، فالحجاج بن يوسف الثقفي كان يصلي بالناس كل جمعة ويكثر من قراءة القرآن وتعظيمه ويجيد الفصاحة والشعر ومع ذلك عُرف باسم "المبيد" وكان يسفك الدماء لأدنى شبهة. أما هؤلاء الدين يدّعون بأن حملة "تمرّد" الشعبية تهدّد الإسلام في مصر وبأن سقوط الرئيس محمد مرسي معناه سقوط للإسلام فأسأَلهم بمثل سذاجتهم : هل الرئيس محمد مرسي هو الذي جاء بالإسلام الى الديار المصرية ؟ وهل كان المصريون كفّارا قبل حكم جماعة الاخوان ؟ أم أن مصر أرض للخلافة الإسلامية منذ عهد سيدنا عمر بن الخطاب وما زالت وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ؟ لا أحد ينكر أن الرئيس محمد مرسي منتخب من الشعب المصري شرعيا لكن الشعب أصابه الخذلان واليأس حين لم يحقق الرئيس من وعوده شيئا يُذكر وحين تفاقمت المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد مرور سنة من حكم الاخوان المسلمين فقرر أن يعيد النظر في شرعية هذا الرئيس المنتخب قبل ان تستفحل الامور ويصبح امام حرب اهلية.. أفلا يحق له هذا ؟ لقد اختصر الإسلاميون مصر العظيمة وتاريخها وحضارتها العريقة في مجموعة من " اللحى والعمائم" نقولها حسرةً لا شماتة ونقولها بمرارة لانها الحقيقة ، مصر اليوم لا تعبّر إلا عن الانقسام والإنهيار السياسي والاقتصادي، انها تعيش انتكاسة حقيقية ومستقبلها أضحى مجهول المعالم وشعبها الطيب على اهبة حرب اهلية ، حرب تؤججها وسائل الاعلام من جميع الاطراف وتحرض عليها كل القوى السياسية. وها هو الجيش يصدر اليوم بيانا (01.07.13) يؤكد فيه انضمامه الى الشعب عندما استشعر الخطر المحدق بالامن القومي للدولة فأعطى مهلة 48 ساعة للاخوان المسلمين من اجل ايجاد الحل الوسط .. فهل سيتنحى الرئيس محمد مرسي ويعلن عن اتنخابات جديدة .. ام سينتظر حتى تمتزج مياه النيل بدماء المصريين (لا سمح الله) ؟