أسعار الذهب اليوم الجمعة 23 مايو 2025    "كاسبرسكي": 9.7 مليون دولار متوسط تكلفة سرقة البيانات في القطاع الصحي    مايكروسوفت تمنع موظفيها من استخدام كلمة «فلسطين» في الرسائل الداخلية    القبض على عاطل وسيدة لقيامهما بسرقة شخص أجنبي بحلوان    لم يصل إليها منذ شهر، قفزة في أسعار الذهب بعد تراجع الدولار وتهديد إسرائيل لإيران    في يومه العالمي.. احتفالية بعنوان «شاي وكاريكاتير» بمكتبة مصر العامة بالدقي    «التنسيق الحضاري» يطلق حفل تدشين تطبيق «ذاكرة المدينة» للهواتف الذكية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة| الأهلي ضد الزمالك في نهائي كأس أفريقيا لليد    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    بسمة وهبة لمها الصغير: مينفعش الأمور الأسرية توصل لأقسام الشرطة    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    رئيس البنك الإسلامي يعلن الدولة المستضيفة للاجتماعات العام القادم    توجيه اتهامات ب"قتل مسؤولين أجانب" لمنفذ هجوم المتحف اليهودي بواشنطن    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    بصورة قديمة وتعليق مثير، كيف احتفت هالة صدقي بخروج عمر زهران من السجن    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    لجنة التقنيات بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    انفجار كبير بمخزن أسلحة للحوثيين فى بنى حشيش بصنعاء    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سعر السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    عودة لحراسة الزمالك؟.. تفاصيل جلسة ميدو وأبو جبل في المعادي (خاص)    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    ضبط مركز أشعة غير مرخص فى طهطا بسوهاج    في حضور طارق حامد وجوميز.. الفتح يضمن البقاء بالدوري السعودي    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 23 مايو 2025    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد لخمس قصص متنوعة للكاتب يوسف ادريس
نشر في شموس يوم 27 - 07 - 2013


يوسف ادريس :
عندما أقرا يوسف ادريس أقرأ مصرى تربى فى طين أرضها نبت من بين زروعها ترعرع على شواطئ النخيل الممتد من أدناها إلى أقصاها ،
هو ذلك الطفل البائس الصغير الذى يعكس حالة مجتمع طبقى يحمّل الصغار فيه فوق طاقاتهم فكتب نظرة
وهو الطبيب الذى يحمل هموم المرضى ليس فقط يعمل على شفاء جراحهم البدنية ولكن يعكس مدى ضحالة الأهتمام بهم فسطر لنا ( على أسيوط).
كما أنه عايش الظلم والاستبداد وداخل النفس البشرية التى تبطش ووظف علم النفس فى دراسة حالة المصريين فكتب (الكنز)
غاص أكثر فى النفس البشرية التى ينعدم لديها القدرة على التفاعل الذين يفضلون الأنسحاب دائما من الساحة حتى يختفون فى تجويف كريه من صنع أنفسهم .
وأخيرا رحلته نحو الذات والبحث عن المجهول فى عربة تحمل الموت .
لو أردنا أن نطلق مسمى عن يوسف أدريس سنجد الكثير فهو:
يوسف ادريس وطبقة المهمشين
يوسف ادريس والفقراء
يوسف ادريس والنفس البشرية
يوسف ادريس والمواطن المصرى
وغيرها من المسميات التى كتب عنها وصنفها وسردها بكل تفصيلات حياتها فهو لم يترك طبقة أو مهنة أو حتى موقف إلا وسجله بين صفحات قصصه البديعة .
لم يكتب يوسف أدريس لزمن معين أو فترة معينة لتندثر كتاباته وتظل مجرد قصص للقراءة فقط ولكنها كانت أسطر تعبر عن واقع يمتد بأشكال مختلفة عبر الأزمنة المختلفة والتغيرات الأجتماعية التى نراها ونعود إلى ما كتبه يوسف ادريس لنتعلم كيف عايش وكيف عبر عما نراه اليوم فى مجتمعاتنا .
عندما نلقى الضوء على هذه المجموعة المختلفة من القصص (نظرة/ المرتبة المقعرة/ الكنز / على أسيوط/ والرحلة)
نجد كل منها مختلف من حيث المضمون ولكنها من حيث الشكل تعكس لنا حالة مجتمع يعيش فيه نماذج مختلفة من البشر كل منهم يبحث فيه عن مأوى مختلف عن الأخرى ولكنه فى النهاية ملاذ قد يتحقق وقد يتوه منا الدرب فنعود حيث كنا ،قد تعترضنا مشيئة أخرى فتقتل النهايات المرجوة ويبدأ الصفر من جديد ، وقد تجبرنا أن نترك قبورنا فى الطريق ونسير نحو بداية جديدة .
1-لنبدأ أولا بنظرة :
هذه القصة ذات العنوان المنفرد مجرد نظرة تحولت بين يدى يوسف ادريس إلى حالة ،إلى قصة ،إلى واقع مرير .
تلك الخادمة الصغيرة التى لا ترى فى الحياة سوى عملها ،ومخدومتها ،وسطوة الأيام، كيف ارتسمت تلك النظرة على وجهها ، نظرة البراءة والطفولة ، نظرة البحث عن روح تاهت ، وجسد ينحل وحمل ثقيل قابع فوق الرأس ،كيف تتخلص من كل ذلك فى نظرة واحدة نحو اللعب واللهو ، وكيف ساعدها عقلها الصغير فى احداث هذا التوازن العجيب لتنطلق بعده نحو حياتها وقد أشبعت عيونها الصغيرة من تلك اللذة .
نظرة ليست عادية هى نظرة يوسف ادريس للقهر للحرمان للفقر لطبقة الأطفال لأستغلال البراءة ، نظرة للحلم الضائع فوق الطريق الطويل التى تسير فيه حاملة على عاتقها مهمة سيدتها .
لم تكن نظرة الحسرة والألم فقط ولكن واقع أجتماعى لا أنسانى لطبقة الأطفال العاملين المهمشين الذين يبحثون عن مأوى .
معاناة الطفلة الشديدة التى أبتدأها وجرأتها فى سؤال المساعدة واندهاش المتلقى للسؤال يعطينا فكرة عن مدى الظلم الذى تحتمله تلك الطفلة وخوفها الشديد الذى ولّد لديها تلك الجرأة ليس لحماية ما تحمل ولكن لتصل بسلام خوفا من بطش السيدة .
انبهار بمدى قوتها وعزيمتها ونصيحة يقدمها لا تعمل بها وعيون زائغة بين الأطفال التى تمرح وتلعب وبين رؤيتها للطريق والحفاظ على توازنها حتى لا تفقد عطف مخدومتها ، فهى تشبع رغبتها المكبوتة ، وتمارس عملها فى حرفية أدت إلى اندهاش المتابع لها وخوفه عليها من تحول يومها إلى كارثة ولكنها بحكمة أستطاعت أن تنهى عملها باقتدار .
هل كتب يوسف ادريس عن تلك الطفلة كحالة تنقضى بانقضاء وقتها وتظل مجرد قصة للتداول ، لا ولكنها قضية مجتمعية مستمرة بأشكال مختلفة وعيون زائغة بلا مأوى ومسمى أخر وهو أطفال الشوارع ، الذين يبحثون عن مأوى .
2-عندما ننتقل إلى أغوار النفس البشرية أكثر وهو ما يحمله لنا يوسف ادريس فى جعبته من الناحية الطبية وعلم النفس وكيف تتكون النفسية الأنهزامية صاحبة القيم والمبادئ ولكنها تريد للعالم أن يتغير ليتماشى مع تلك القيم والمبادئ ، ألأ يعلم أن فى الحياة لذة أكبر وهى التفاعل والغوص فى مكنون البشر وفرض قيمه عليهم بطرق مختلفة حتى تُغلّب فى المجتمع
المرتبة المقعرة:
*****
كيف ربط هذا الطبيب النفسى بين تلك المادة المتمثلة فى المرتبة وهذه النفس الانهزامية الكسولة يا له من عبقرى درس كيف تحول المجتمع المصرى كله إلى تلك الحالة من التسليم المطلق .
هذا المسالم لا المستسلم الذى اشترى ما هو جديد حتى يرى التغيير تلك النظرة الضيقة لمفهوم التغيير ما بين النوم واليقظة دائرة مغلقة لا تتغير فيها سوى أجسام يزيد هزالها ويزداد ألاحباط فيها فتهوى ، تلتصق بالمادة التى أشتراها يتسطح الجسد تبتلعه المرتبة الوثيرة التى تغيرت بعوامل الزمن تصير قبرا .
لم يتغير الوقت ، لم تتغير الدنيا ، التغير الوحيد هو أختفاء رقم بين الأحياء ليكتب بين الأموات دون ترك بصمة
أو فكرة أ و قيمة
تلك أيضا حالة مجتمعية تكونت من المنسحبين والمهزومين هؤلاء الذين لا يدركون أن القيم والمبادئ لا تنتقل بالوراثة فقط ولكن بالتفاعل والانتصار فى المعركة الدائمة بين الخير والشر الدائر ، وأن الغارقين فى مستنقع الحياة سيظلون هكذا حتى يدفنون فى حفر من الانتظار . أعوام عاشها بين منسحب، ومهزوم، ومستسلم ، هل هو القدرالذى جعله يكتب تلك الرائعة وتوافيه المنية دون أن يعى هذا التغيير الذى بحث عنه أعوام طوال دون جدوى ، نحن ألان نرسل له رسالة التغيير فى عام طال انتظاره عام(2011) لعل وعسى نتمتع بالمرتبة لا ندفن فيها .
تلك الرائعة ليوسف ادريس حملت الكثير من القيم التى حرم البطل من نشرها فدفنت معه ليخلدها يوسف ادريس فى قصة المرتبة المقعرة
3-محطة قطار أخرى توقفت على رصيف حياة يوسف ادريس ليسجل بقلمه الغائر فى نفوس البشر الذين أمتزج بهم و:انه يحيا لهم فوصف انفعالاتهم وسجل لحظات ضعفهم وأبرز مكنونات نفوسهم، الشر فيها والخير الذى يسكنها
الكنز
****
:من مجموعة أليس كذلك
وعودة إلى عنوان منفرد يجذب القارئ نحو كنز من نوع أخر كنز بشرى وكنز مادى .
واحدة من أروع ما كتب يوسف ادريس فيما لا يزيد عن خمسين سطرا يلقى فيها الضوء على نواة لتشكيل منظومة الأمن بما تحمله من نفسيات مختلفة يقوم عليها أمن بلد بأكملها .
فى عفوية بسيطة ياتى المخبر عبد العال يتباهى بمنصبه لأنه من طبقة المسيطرين ، ومع ذلك فهو بداخله ذلك الرجل البسيط الذى يحلم بمأوى ولكن عبد العال أسرف فى حلمه كثيرا ليصل إلى منصب وزيرا للداخلية ، لو كان يعيش بيننا اليوم لوصل إلى مبتغاه فالحرية التى يزعمها البعض الأن وما يصاحبها من فساد فى منظومة الأمن قد تتيح له تلك الفرصة .
لقد استطاع أدريس بلباقة قلمه المعهودة وببساطة فكرته أن يوحى بما يحمله هذا المخبر من علامات الخير فهو يؤمن بالله وقدرته على تحويل مجرى الأمور من خفير إلى وزير وكيف لا وهو يجيد القراءة والكتابة .ولديه ثقافة أيضا وعلم بما يدور حوله .
ينتقل بنا القاص إلى مكنون النفس البشرية التى تحلم وتتطلع وتبتغى الثراء ولو بالوهم ، فذلك ما يستطيع فعله عبد العال ولكن غيره يحلم ويتطلع وينول ما يبتغى ولو بالاحتيال ، فهى سمة مجتمع طبقى بأشكال مختلفه .
حلمه أن يقتنى صورة لشيك مزيف يا له من حلم يكلفه نصف راتبه ونقل من المباحث وانذار بالفصل ومع ذلك يحمل فى أعماقه رضا وسعادة لمجرد حمل تلك النسخة ، حاله نفسية يبحث فيها عن السعادة ليتمكن من مواصلة معيشته التى ظاهرها القوة وباطنها الزيف ، كحال طبقة الفقراء بكل طوائفها كل يبحث عن سعادته بطرق مختلفة خلف ماوى قد يسترهم أو يشف ليفضح عيونهم الذليلة .
هذا النموذج المجتمعى البسيط فى ظاهره ،الذى يدور حول شخصية واحدة هى المخبر عبد العال ، ولكنه يحمل بين طياته فلسفة مجتمع كامل رآها الكاتب فى ضعف النفوس البشرية و عبد العال ليس فرحا في الحقيقة وإنما هو محبط ، وبينما يعلم أن الشيك وهم لكن ما عساه يفعل إن عدم كل شيء سوى الوهم، فليتمسك المجتمع بوهم يخرجه من حالة الأحباط الذى يسيطر على النفوس والذى يدفعهم إلى الأستسلام .
*************
.
حالة مؤلمة أخرى من واقع عمله كطبيب
علي أسيوط :
في تلك القصة يصف لنا المؤلف كطبيب،حال المستشفيات الحكومية أيام زمان، فالمترددون على المستشفى ملبدو الوجوه بغيوم الحاجة، والمرض ونَمُر مع طبيب الأستقبال على المرضي، فنجد ذلك الرجل من أسيوط الذي تورمت قدمه وسرت فيها الغرغرينا، وهم يحولوه من عيادة الجراحةإلى الباطنة،إلى الجلدية، .يرمقه الطبيب في قليل من الدهشة .."يابني آدم أنا مش محولك من أسبوع لعيادة الجراحة ...هنا يامغفل حاجة أسمها الأستقبال بس..فاهم.."المريض:- بقالي أسبوع ياسعادة البيه ع الرصيف ،الطبيب:- طب وأنا أعملك أيه؟..وأنا مالي ياأخي؟..أنا ملزوم؟ . أنا ملجأ؟..أنا لوكاندة ..أنا ح أحولك الجراحة تاني ..المريض:- لا لا والنبي يابيه وحياة والدك مش عايز الجراحة..حولني على بلدي ..حولني على أسيوط.
كم هو مؤلم تطور تلك الحالة مع كل التقدم التكنولوجى والطبى والأنسانى نجد مازال على أسيوط يعيش بيننا ولكن بمسميات مختلفة وبجراح مختلفة ، فالكاتب عرف بلغته البسيطة كيف يلقى الضوء على تلك البقعة المهمة من حياة البشر المهمشين ولا زالوا ، عبارة بسيطة فى شكلها مؤلمة فى مضمونها (حولنى على أسيوط) وكأن الرحمة التى انتزعت من قلب الطبيب والتمرجى سيحصل عليها فى أسيوط .
اليوم ومع اضراب الاطباء كم حالة ستحول على كم أسيوط ؟
المكان مستشفى ، الأفراد ملائكة الرحمة ، الموضوع ألالم، تصوير بديع لكاتب هزته المشاعر الأنسانية فعالج قضايا مجتمع بأكمله ليترك بصمته على وجوه البشر .
***********
لابد أن تنتهى انت لأبدأ أنا :
الرحلة:
***
ما بين البداية والنهاية رحلة قد تطول وقد تقصر ولكنها تحمل بين أسطرها حياة كاملة لشخص أراد أن يقوم بها وهو يعى تماما ما يقوم به وما سيؤل عليه الامر فى نهايتها فهو يبحث عن ذاته عن حريته عن مكنون نفسه عن بقاءه ربما .
قد تكون هى رحلة الكاتب نفسه الذى استخدم ضمير المتكلم فى حواره ، وقد تكون حالة إجتماعية بحتة يعكس فيها خبايا النفس البشرية التى تحاول التخلص من ماضيها بكل ما فيه من سوء ،
وقد تكون انعكاس لحالة سياسية أراد الكاتب ان يلقى الضوء عليها بطريقة سردية مشوقة .
على كل فالرحلة التى نحن بصدد الحديث عنها هى رحلة موت وقبر تحدد من اللحظة الأولى بشكل مبهم لينتهى بميلاد جديد ،
المكان محدود عربة قديمة تشبه كرسى الاعتراف أو سرير الطبيب النفسى حوار من طرف واحد، أعتراف ، سرد لذكرى مؤلمة فى بعضها ، متصارعة مع الذات القاصة فى مجملها ،
الزمان متحرك داخل العربة إلى مجهول ،ليس له وجهة معينة، لا يبحث عن مكان أو مأوى ,لكن يبحث عن نفس ضائعة أنا ومن بعدى الطوفان تلك هى مقولة اليأس من الحياة ولكن لم يسأل الكاتب نفسه على من سيطا بقدميه ليرتقى فوق الطوفان ؟
هل على الأب الصامت أم على الزمن المكروه أم على النفس التائهة بين من تكون وبين من تتبع طيلة ما فات من أيام وسنين أم على الخوف من المجهول ؟
يا لها من نفسية معقدة توحدت مع جثة صامتة فروى مثالبها وعدد حسناتها ومنعها حق الذكرى فتركها فى قبر مجهول الهوية كما عاش هو مجهول الشخصية .
شارك البطل_ ولكن ايهما البطل الموت الأب أم ألابن الهارب فى رحلته من انهاية إلى بداية جديدة؟
شارك البطل الأبن حياة ابيه من وجهة نظر المسيطر على حياته بأدق تفاصيلها والتى أنكرها عليه فهى قيود جعلت منه فاقد الكينونة .
ألان هو المسيطر هو ألأب هو القائد هو الحر يحركه كالدمية يلبسة يهتم به هو الوالد تقمص الدور تطابقا
صعّد الكاتب من الحالة النفسية للشخصية المحورية وهو ألابن الذى تدافعت مشاعره مابين الحب والكره والصدمة لموت الاب ،فيشعر ألابن بفداحة الخسارة يستنكر معها أن تكون تلك جثة كما يراها البعض ويتساءلون عنها حتى يصفها بالمؤامرة بين رجل البوليس وعامل البنزين
شيزوفرنيا بين الرغبة فى الحرية وبين التمسك بالماضى فىرحلة هى أشبة برحلات الموت تحت عجلات الزمن البطيئة نبحث فيها عن ذات خائفة تتحرر من خوف لتدخل تحت نطاق خوف أخر
علاقة شائكة بين مجتمع ميت وأبن ضال يبحث فيه عن مكان يتنفس فيه بعيدا عن رائحة الموت الممتدة ، يحلم بوطن نظيف وسماء صافية ورائحة عطره ولكن هل قصد الكاتب وصف المجتمع أم وصف قائد أرتبط أسمه وانتشرت رائحتة حتى يومنا هذا ولم تكن رائحتة مزكمة لكل الأنوف ولكنها رائحة تعطر بها الكثيرين ومازالوا .
هل أراد للبطل أن يثور على ما يراه فى مجتمعه على رائحة تعتقت وفاحت حتى زكمت أنفة ، حيث واكب الهزيمة وطال انتظار النصر،فليستنشق عطر الحرية فى مكان أخر يسير إليه دون معلومية لهذا المكان ،
هل خرج البطل من أطوار حياته المملة من الطفولة والمراهقة إلى الرجولة ليثور على نفسه وذاته ومن حوله حتى جثة أبيه ،هل أراد له أن يترك قطار أبيه وقيود المكان والزمان والأرصفة المعلومة إلى عربة تطير وتتوقف حيث أرادت إلى عربة الحرية ، وهل نسميه صراع جيل على أنقاض جيل أخر دون نزاع او مواجهة ، العديد من الأسئلة التى لا يعرف إجاباتها إلا من سطر تلك القصة التى انتهت رحلتها ليس بموت البطل الصامت ولا بميلاد البطل المتحدث ولكن بفتح آفاق جديدة نحو الحرية والعلم والمعرفة والأنتصار والتطور المجتمعى وتطور العلاقة بين الأباء والأبناء حتى الثورة على كل ما هو ثابت ومسيطر ومقيد للأمال بم تكن رحلة لشخصين فقط وانما رحلة لعالمين احدهما ينتهى بهزائمه ونجاحاته وأخر يولد بانتصاره وحريته وتطوره
ولم تكن عربة الحرية سوى قبر للقيود والعتمة والظلم ،
فترك العربة وسار على قدمية يستنشق الهواء النقى بعيدا عن الرائحة الملعونة أى كان نوعها
فلابد للحياة ان تستمر ولا بد من التغيير- ألذ من الذكرى الحاضر ،وألذ من الحاضر أننا كالسهم ننطلق .
أستخدم الكاتب العديد من الألفاظ التى تدل على الأنطلاق والحرية التى حظى بها بطلنا ومنها تدخين سيجارة هو فى حاجة إليها دون وجود عوائق تمنعه ، قيادته للعربة بحرية كاملة
حتى فى حفاظه على جثة أبيه من المتطفلين لأن فى اخذه نهايته وهو لا يحب النهايات بل أصبح يعشق البدايات . سعادته بالخلاص عندما ترك العربة وسار على قدميه ،كل ذلك التحرر هو تحررلذاته من هموم الوطن الكبير من اختراق الحواجز من التملص من التاريخ والتمسك بالحاضر والسعى نحو المستقبل .
تلك هى رحلة الذات ورحلة القائد ورحلة الوطن من متغير إلى أخر سايرها الكاتب بلباقة وحسن أستعمال للكلمة والتعبير الدقيق عن حالة هى أشبه براكب القطار وراكب العربة
ما احوجنا الأن إلى تلك العربة لتنطلق بنا نحو آفاق أسرع من التغيير من التنمية من التقدم ولكننا مازلنا فى القطار ومازال يحبوا بين الأرصفة لا يغادرها إلا بصعوبة بالغة
لقد أتاح لنا يوسف ادريس فى رحلته التطلع نحو الفضاء نحو البراح نحو الحرية وأن ندفن موتانا نبكيهم نحافظ على ذكراهم ولكن لانستنشق رائحة الموت فيهم حتى لا يأخذنا القطار إلى نفق لا ارتداد منه .
****
أوجه الشبه بين القصص الخمس :
تغلب عليها الناحية الأنسانية لطبقة المهمشين
تأثر الكاتب بما يدور حوله من أحداث حتى ولو صغار
التعمق فى سرد الأحداث وتطويع اللغة فى سلاسة واسترسال
التكثيف الذى لا يضر والاسهاب الممتع
لكل قصة رحلة يغوص داخل النفس البشرية فيرى ضعفها هوانها وحتى الرغبة المكبوتة بها
الأهتمام بالرمزية التى توحى بهّم أكبر من مجرد السرد والاتجاه نحو هموم الوطن
ترك مساحة منالتأويل وتفسير الأحداث حسب رؤية القارئ
وأخيرا نجد فى كل قصة وجه ليوسف ادريس المواطن المصرى المهموم بقضايا وطنه والطبيب الذى يعلم خبايا النفس البشرية المتعمق فى مكنون الذات وما يتعلق بها من أحداث مصيرية ومتغيرات مجتمعية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.