"حوار الحضارات" عبارة، وإشكالية كبيرة تشغل مساحة من التفكير فى مصر والوطن العربى، ربما لأننا الطرف الأضعف فى المعادلة العالمية، أو هكذا نتصور.. وبعد ثورات الربيع العربى أعيد التفكير فى هذه الإشكالية لكن على أرضية جديدة. وضمن فعاليات معرض الكتاب أقيمت ندوة ثقافية تحت عنوان "حوار الحضارات ما بعد الربيع العربي".. كان ضيفها الدكتور عدنان زرزور العالم الإسلامي والمفكر المعروف، وأدراها الدكتور صلاح الدين سلطان المستشار الشرعي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووزارة الشئون الإسلامية بمملكة البحرين، واستمرت لساعة ونصف. بدأت الندوة بكلمة في دقيقتين، رحب فيها د. صلاح الدين سلطان بالضيف، وعدد بعضاً من إسهاماته في الفكر الإسلامي والعلوم الشرعية، كما أشار إلى حب الدكتور عدنان زرزور لمصر وأهلها، والذي لابد أن يظهر دوماً في كلامه وكتاباته من زمن طويل، والذي بدأ بنيله درجة الماچستير والدكتوراه من مصر قبل أربعين سنة. وامتدح الدكتور صلاح الثورة المصرية التي لولاها ما كانت ندوة مثل هذه لتعقد، قائلاً أن وزارة الثقافة المصرية بعد الثورة تختلف عن وزارة الثقافة المصرية قبل الثورة، إشارة إلى مساحة الحرية التي أتيحت للعلماء والمفكرين. جدير بالذكر أن الدكتور عدنان زرزور له حوالي 40 كتاباً منها 25 مجلداً، وهو محكم دولي في الكثير من المسابقات العلمية، وقد نشأ في دمشق ونال درجتي الماچستير والدكتوراة من القاهرة، وهو دائم القول عن نفسه أنه "مصري الثقافة والهوى". بدأ د. زرزور كلمته بالحديث عن مصر مؤكداً أنها دليل العالم العربي والإسلامي إلى المستقبل، وأن ما يحث فيها سيحدث ويتكرر في سائر بلاد العروبة والإسلام لأسباب كثيرة حضارية وجغرافية. وأضاف أن الربيع العربي الذي بدأ في تونس ثم لحقتها مصر، كانت شرراته ستنطلق من مصر إذا لم تحدث الثورة في تونس أولاً، ولكانت الثورة حدثت في مصر بعد أسابيع أو بضع شهور وما هي إلا مسألة وقت. وقال زرزور أيضاً أن المتابع لمصر وشئونها يعلم أن مصر كانت دوماً على مدى التاريخ ""تنفي خبثاً" وشرح ذلك بأن مصر على مدى أجيال قديماً وحديثاً كانت تتخلص تلقائياً من العقائد والمذاهب الباطلة التي لا تنفع الناس، وضرب مثلاً لذلك ببعض فترات المد الشيعي لمصر وكيف عادت مصر بعده إلى جماعة أهل السنة. وتطرق الدكتور زرزور بعد ذلك إلى قضية الهوية المصرية، وأكد أن مصر هي موئل العروبة والإسلام معاً، ويؤكد أن العروبة لا تناقض الإسلام، ولا تعارضه بحال، بل هي وعاء له، ونقاش القومية يمكن أن يكون هادئاً عاقلاً بدون صراخ، وهو لا يرى بأساً في أن يفخر العربي بانتمائه العربي والإسلامي معاً. وعلق على مصطلح الأممية الإسلامية قائلاً أنه غير صحيح، فالرسول صلى الله عليه وسلم في دستور دولة المدينة الإسلامية "صحيفة المدينة" أقر أن المسلمين أمة، ولكن الصحيفة المكونة من خمسين نقطة اشتملت على عشر نقاط كاملة للتعامل مع اليهود وحقوقهم في المواطنة، كما أن المسلمون أمة واحدة ولكن الإسلام لم يلزم المسلمين بشكل واحد ثابت للدولة، فابن خلدون اعتبر أن التحول من الخلافة لدولة الملك العضوض ليست انقلاباً على الدين بل تحول طبيعي، فمصر أمينة على لسان العرب وعلى دين الإسلام. وأشار إلى أن التهجم الأخرق على مصر يحمل في طياته كراهية الإسلام وأيضاً كراهية القومية العربية، وهو ينزع إلى الشعوبية والزندقة، وكأن مصر تمثل الآن تاريخ الإسلام، ويتكرر فيها ما حدث في دولة الإسلام، وقال أيضاً أن الإسلام والعروبة توأمان، والشعوبية والزندقة صنوان. واستشهد د. زرزور بقول الجاحظ: وهل رأيت قرشياً تزندق؟ على أن الزندقة لم تكن يوماً في قريش ولا في العرب، ومن يقرأ عقائد الشيعة الإمامية لا يرى الإسلام الذي نعرفه بين أيدينا ولا يعبر عنه بل يناقضه، وسماه إسلام الضرار على غرار مسجد الضرار في المدينة وقصته معروفة. ثم قرأ على مرات عديدة بضع فقرات من كلام الشيعة ودلل على تحريفها وكذبها ورد على كلامهم أيضاً في ذم مصر، وكذب الأحاديث التي وضعوها في هذا الباب. ملاحظات حول الثورات العربية وأكد د. عدنان زرزور أن الثورات العربية هي أهم وأعظم حدث في تاريخ الدول العربية منذ سقوط الخلافة العثمانية، فالاستبداد صنع الاستعمار، والاستعمار كما عرفه جارودي نهب وهو بالدرجة لأولى قتل، والاستبداد مارس النهب والقتل أفضل ممارسة إن جاز التعبير. وبشر زرزور الحاضرين بأنه خلال عامين أو ثلاثة من الثورات العربية فإن الشعوب العربية ستلحق بركب الحضارة، فإما أن تشارك وتسهم في الحضارة القائمة، أو تصنع حضارة بديلة.. ونقل عن المفكر الإسلامي مالك بن نبي قوله أنه إذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية، فإن الجهل في حقيقته وثنية، وعندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم. وعن تعدد الأحزاب السياسية واختلاف التيارات في بلد واحد، أكد أن تعدد الأحزاب والشعارات ليس ظاهرة سلبية، فكثرة الآراء ليست مشكلة بل التعصب هو الخطر، فحتى في الإسلام تعدد الآراء ليس فيه حرج، ونحن لا نريد عصر الاستبداد أو أن يعتقد أحد من الناس أنهم منزهون عن الخطأ أو أنهم يملكون الحق المطلق. وأوضح كذلك أن العلمانية قد أفادت أوروبا وأعطت الناس حق المواطنة، بينما الدولة الدينية المسيحية ظلمت اليهود، لكنه صحح تعريف العلمانية التي كانت في أوروبا بأن معناها اللاكهنوتية وليست اللادينية، وقد حمت في بدايتها حرية الاعتقاد، كما أن الرؤى في الصف الإسلامي تتعدد وهذا لا بأس به وطبيعي، فهناك في مصر مثلا تياران إسلاميان هما الإخوان المسلمون و السلفيون، واختلافهم في بعض التفاصيل يثري الثقافة والحضارة. وقال د. زرزور أنه بالربيع العربي قد انتهت حقبة الإرهاب والتطرف، التي قادتها الولاياتالمتحدة بقيادة بوش الإبن، بعد أن سوق أبوه النظام العالمي الجديد، وإن أوروبا تدعي كلما انتصرت في حقبة أن التاريخ انتهى، لكن بالثورات العربية والربيع العربي نحن نعود للتاريخ. وقال رداً على من يدعي أن الديمقراطية تقف عند أعتاب العالم الإسلامي، قائلاً أن الديمقراطية تقف على أعتاب رؤوس الأنظمة الاستبدادية التي يرعاها الغرب والصهيونية وزرعوها في بلاد المسلمين، واليوم قد أصبح لحوار الحضارات معنى ومغزى، بين كل الحضارات عامة، وبين الحضارة العربية الإسلامية والغرب العلماني المسيحي. انتهى د. زرزور من حديثه فعقب عليه دكتور صلاح الدين سلطان مؤكداً أن تبعية الغرب ليست الحل لتنهض الأمة، فتجربة اليابان التي تفوقت على أمريكا صناعياً واقتصادياً لم تقم على جلب المشروع الغربي وزرعه في بلدهم، بل بالبحث والعودة لجذور حضارتهم، وجلب الثقافات الجاهزة إنما يضرنا ولا ينفعنا. بعد ذلك بدأت فقرة أسئلة الحضور، وكان أولها سؤال يقول: ما هي هويتنا التي يجب أن نعود إليها بعد الربيع العربي، هل يجب اعتبار الحضارة الإسلامية هي بداية تاريخ مصر، ونلغي معها حضارة مصر ما قبل الإسلام؟ أجاب د. زرزور أن تاريخ الحضارة المصرية كله جزء لايتجزأ من الشخصية المصرية، وأن الإسلام كما علمنا لايلغي الحضارات التي سبقته بل يتممها ويكملها، مع التمسك بهوية الأمة الإسلامية وتراثها. ورداً على سؤال حول التصادم بين التيار الإسلامي وغيره من التيارات، أجاب بأن التصادم بين الاسلاميين وغيرهم في دولة الإسلام ليس حتمياً، فالإسلام يشجع على الاختلاف لكن لايعين على إقصاء الآخر بل محاورته.