أن الأزهر الشريف يستعد لممارسة نفوذ واسع علي الصعيد السياسي في الفترة المقبلة التي تشهد تصاعدا في أهمية دور الدين في الساحة السياسية المصرية. إن الأزهر الذي كانت الحكومات المصرية الاستبدادية علي مدي عقود تختار شيخه يستعيد الآن مكانه الصحيح باعتباره الصوت الأعلى في العالم للإسلامي السني, وأنه بدأ ينفض التراب المتراكم عليه إن ضغوط السلطة الحاكمة كانت تدفع علماء الأزهر إلى تبني الروايات الأضعف، وإطلاق الفتاوى بناء عليها، وهو ما كان يهدد بإضعاف دور الأزهر كمؤسسة دينية وسطية. فتاوى الأزهر التفصيل» المسؤولية عن انتشار فوضى الفتاوى على الفضائيات، أن غياب ثقة المواطن بالمؤسسة الرسمية كان يدفعه إلى اللجوء إلى شيوخ الفضائيات. وقد وقف النظام السابق بالمرصاد لكل المحاولات التي استهدفت تعديل القانون المنظم لشؤون الأزهر، والمعمول به منذ عام 1961 ويحمل رقم 103، ولعب مجلس الشعب بأغلبيته المصطنعة دورا بارزاً في إجهاض مشروعات القوانين المقدمة في هذا الشأن، إن التخلي عن نزعة التعالي والإقصاء واحتكار معرفة الحقيقة وإنتاجها, والإيمان بمبدأ المشاركة, وتوسيع قاعدة المرجعية المعتمَدة للمنظور السياسي والاجتماعي الجديد...الخ, كل ذلك مما تتميز به الرؤيا الجديدة للأزهر. وعبر لغة جديدة كلياً تعكس التحولات الأعمق في بنية التفكير لدى الإسلاميين العرب, تضمنت الوثائق إشارات متكررة إلى المشترك بين قوى المجتمع, والتوافق المجتمعي, ونهج الاعتدال والوسطية, والمرجعية الإسلامية النيرة, وعملية التحول الديمقراطي ...الخ. في مقاربة موضوع الدولة المنشودة وهذا تحول حاسم في موقف الفكر الإسلامي من موضوع الدولة والحاكمية. ويتعين هذا التحول بشكل جلي عندما تذهب الوثائق مباشرة إلى تحديد شكل الدولة المنشودة المتوافق عليها : " الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة". وفي هذا السياق تلتفت الوثيقة إلى إدانة الدولة الكهنوتية, مما يحيل بشكل غير مباشر إلى تنحية مطلب الدولة الدينية, لصالح الدولة المدنية التي تكون فيها سلطة التشريع لنواب الشعب, وتكون إدارة شؤون البلاد بالقانون – والقانون وحده, كما ورد حرفياً في الوثيقة الأولى للأزهر . وبالنسبة لشكل الحكم تشير الوثيقة الأولى إلى اعتماد النظام الديمقراطي، القائم على الانتخاب الحر المباشر، الذي هو الصيغةَ العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية، بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة، ومن تحديد للاختصاصات ومراقبة للأداء ومحاسبة للمسئولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات. وقد تكامل هذان المحددان لشكل الدولة والحكم, مع إشارة مباشرة إلى (المواطنة) باعتبارها مناط المسؤولية في المجتمع, ورفض أية تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. يتحدد مفهوم المواطنة في خطاب الأزهر, بصفته تعبيراً حقوقياً وسياسياً مؤسساً لبناء المجتمع الحديث. فحق المواطنة الكاملة للجميع يقوم في جوهره على المساواة التامة في الحقوق والواجبات, كما أشارت الوثيقة الثانية. وحقيقة الأمر أن احتفاء الوثيقة الثانية – صدرت في 8/1/ 2012 – بمنظومة الحريات الأساسية, يهدف إلى تأكيد مبدأ المواطنة واعتبارها العلاقة الحاكمة الرأس في النظام الديمقراطي والدولة المنشودة. من هنا تطرح الوثيقة الثانية منظومة الحريات( حرية العقيدة, حرية الرأي والتعبير,حرية البحث العلمي والإبداع...الخ ) بوصفها منظومة حقوق مدنية وسياسية واجتماعية للأفراد, تكفلها مقاصد الشريعة الغراء من جهة, وروح التشريع الدستوري الحديث من جهة ثانية. وتشير الوثيقة إلى " متطلبات اللحظة التاريخية الراهنة, والحفاظ على جوهر التوافق المجتمعي, ومراعاة الصالح العام في مرحلة التحول الديمقراطي " كمحددات فاعلة في المبادئ والضوابط الحاكمة للحريات الأساسية. إن التدقيق المتبصر في تناول الوثيقة الثانية لمنظومة الحريات, يكشف الانحياز الكامل إلى متطلبات التاريخ الملموس والمتعين, على حساب السطوة المفترضة للنصوص وقراءاتها السابقة. بين الوثيقتين أصدر الأزهر " بيانَ دعم حراك الشعوب العربية الشقيقة نحو الحرية والديمقراطية ". وقد تضمن هذا البيان أفكاراً هامة جداً حول شروط اكتساب أو سقوط شرعية السلطة الحاكمة. مع تمييز نابه ودقيق بين معنى المعارضة الوطنية الشعبية, وبين مفهوم البغاة في الإسلام. كل ذلك على ضوء أحداث ثورات الربيع العربي, وبما يتفق مع توجهات الشعوب العربية في التحرر من أنظمة الاستبداد والفساد. يتأسس فهم البيان للشرعية على مفهوم العقد الاجتماعي بين السلطة والمجتمع. من هنا يؤكد البيان على أن شرعية السلطة الحاكمة تعتمد على رضا الشعوب واختيارها الحر الذي يستعلن في شرط الديمقراطية الكاملة . ويشير البيان إلى أن الشرعية ليست شيئاً يُمنح مرة وإلى الأبد, وإنما هي شيء تمنحه الأمة أو تسلبه تبعاً لمدى التزام السلطة بشروط العقد, وعلى رأس هذه الشروط توفير الحرية والعدالة. أما العامل الحاسم في سقوط الشرعية عن السلطة الحاكمة فهو مواجهتها أي احتجاج وطني سِلميّ إن " انتهاكُ حرمة الدَّم المعصوم هو الخطّ الفاصل بين شرعية الحكم وسقوطه في الإثم والعدوان ". بهذا الشكل يكون الأزهر قد ربط شرعية السلطة, وجوداً أو انتفاءً, بممارساتها. وهو في المقابل يمنح الشرعية للمعارضة الوطنية الشعبية – السلمية – ولقوى الثورة والتجديد والإصلاح. ويرد على فقهاء السلاطين الذين اعتبروا أن معارضي السلطة الحاكمة ينطبق عليهم توصيف البغاة وحكمهم الشرعي في الإسلام. لكن البيان يربط أيضاً شرعية المعارضة وقوى الثورة والتغيير, بالتزامها بالسلمية, والابتعاد " كليًا عن كل ما يؤدى إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيًا كان مصدرها إن الهدف الأساسي من هذا العرض المطول لمضمون وثائق الأزهر الصادرة مؤخراً, هو القول بوجود خطاب إسلامي جديد كلياً, حول قضايا سياسية واجتماعية عديدة. وأرى من الضروري التعامل مع هذا الخطاب بكثير من الجدية والاهتمام, من قبل القوى السياسية العلمانية والليبرالية الديمقراطية في العالم العربي. سيتردد القول هنا وهناك, من قبل هذه القوى ونخبها السياسية والثقافية, بأن هذه الوثائق لا تعبر بالضرورة عن رأي الإسلام السياسي, وأنها تظل حبراً على ورق ما لم يتهيأ لها التحقق في صياغات قانونية دستورية, وممارسات ملموسة على الأرض, حيث التطبيق هو المعيار والمحك. وسيطرح آخرون مسألة توقيت صدور هذه الوثائق, مع ما يعبر عنه بعض قيادات الحركات الإسلامية من مواقف قريبة في توجهها من مضمون الوثائق, ليستخلصوا بأن ذلك ليس أكثر من دعاية انتخابية تأخذ بعين الاعتبار مآلات الأوضاع بعد الربيع العربي...الخ. كل ذلك ربما كان صحيحاً ومبرراً, لكن المشكلة في أن تتحول هذه الملاحظات, أو الهواجس, إلى موقف عصابي إقصائي يحول دون القبول بأبسط معايير الممارسة الديمقراطية التي يتبناها هؤلاء, ويتخوفون باسمها من الإسلاميين, أعني القبول بالمشاركة, والإقرار بحق الآخر في التعبير عن حضوره السياسي وممارسة السلطة, وفق آليات ديمقراطية تعددية تداولية يبدو أن الجميع بات مؤمناً بها الآن وفي دولة تعاني من أزمة في التعليم الحكومي تقدم جامعة الأزهر بعضاً من أفضل البرامج الدراسية في العلوم الحديثة واللغات والدراسات التجارية والهندسة والزراعة. ويدير الأزهر معاهد في أنحاء مصر ويرسل خبراء للتدريس في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. ومن بين خريجي الجامعة بعض من أبرز العلماء والساسة في العالم الإسلامي. ولا يزال الوقار حاضراً، لكن استعادة الأزهر لسلطته على الشؤون الدينية باتت أكثر أهمية من أي وقت مضى، بعد أن ضعف الجهاز الأمني وظهرت تيارات، مثل: السلفيين تعارض إخضاع القيادات الدينية لسلطة علمانية. وبدأت قيادات الأزهر في التواصل مع ساسة يتنافسون لتشكيل حكومة جديدة منتخبة، ومن بينهم أعضاء بجماعات إسلامية، مثل الإخوان المسلمين التي كانت محظورة رسميا في عهد مبارك، ويرجح أن تلعب دورا حاسما على الساحة السياسية. ووضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير البلاد جدولاً زمنياً لإجراء انتخابات برلمانية في نوفمبر تعقبها انتخابات رئاسية ربما في أوائل العالم القادم. والتقى شيخ الأزهر أحمد الطيب بمرشد جماعة الإخوان محمد بديع في مايو. وقال الطيب: إن الجماعة كانت دائما قريبة من الأزهر، لكن الظروف السابقة لم تسمح بعقد هذه الاجتماعات. وقال الطيب: إن الاجتماع بحث أهمية الوصول إلى خطاب إسلامي معتدل وموحد. وفي أغسطس الماضي توسط الأزهر بين ساسة ليبراليين وإسلاميين عارضوا محاولتهم وضع مبادئ لدستور جديد، وهي خطوة يعتبرها الإسلاميون خدعة للحيلولة دون إقامة دولة إسلامية. لكن علمانيين يتشككون في سعي الأزهر للعب دور على الساحة السياسية. إن حكومة ثورة 23 يوليو كانت تعلم الدور المهم الذي يلعبه الأزهر في توجيه الحياة السياسية المصرية، وكيف أن علماء الأزهر كانوا دائماً ما يقودون الحركات الاحتجاجية، مثلما حدث في ثورة عرابي، وثورة 1919، وما سبقهما من التصدي للحملة الفرنسية، والتي أعدم خلالها عشرات من علماء الأزهر، مؤكداً أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عمد إلى تجفيف منابع الأزهر، لإسكاته وتطويعه، عن طريق استيلاء الإصلاح الزراعي عام 1956 على 137 ألف فدان من الأوقاف التي كانت تابعة للأزهر، وقدر وقتها الفدان ب20 ألف جنيه، وبعدها بسنوات صدر قانون 103 لسنة 1961، والذي حول الأزهر إلى إحدى المؤسسات التابعة للدولة، لافتاً إلى أن ميزانية الأزهر وصلت خلال حكم مبارك إلى 5 مليارات جنيه، «تدفعها الدولة بيد، وباليد الأخرى توجه فتاوى المؤسسة الدينية، وتعمل على إضعاف المناهج التعليمية التي تدرس لطلابها، بما يتناسب مع الضغوط الخارجية.