بمساحة 3908 فدان.. محافظ جنوب سيناء يعتمد المخطط التفصيلي للمنطقة الصناعية بأبو زنيمة    استطلاع: 54% من مؤيدي بايدن يدعمونه فقط لمعارضة ترامب في انتخابات الرئاسة    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    محمد عبدالجليل يقيّم أداء منتخب مصر ويتوقع تعادله مع غينيا بيساو    ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي وهو ماسك "سيجار"    عمر جابر ساخرًا: انضمامي للمنتخب بسبب صداقتي بمحمد صلاح "يحدث في عالم سمسم"    خلاف بين كولر ولجنة التخطيط بسبب نجم الأهلي    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب سيارة بصحراوي المنيا    برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في القاهرة والمحافظات (رابط متاح للاستعلام)    الأرصاد تكشف عن حالة الطقس المتوقعة اليوم الاثنين    تحرير 36 محضرا وضبط 272.5 كيلو أغذية منتهية الصلاحية بمدينة دهب    الفنانة التونسية لطيفة في حوار خاص مع "البوابة": والدتي كانت مصدر قوتي إلهامي.. أختار أغنياتي بناءً على شعوري الشخصي    زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية مارين لوبان: مستعدون لتولى السلطة    صافرات الإنذار تدوى فى عكا وبلدات عدة شمالى إسرائيل    نقيب الصحفيين: نحتاج زيادة البدل من 20 إلى 25% والقيمة ليست كبيرة    البابا تواضروس يصلي عشية عيد القديس الأنبا أبرآم بديره بالفيوم    الآن يرتفع في 8 بنوك.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 10 يونيو 2024    الحج السياحي | 1298 شركة تتنافس لتقديم خدمات مميزة للحجاج    في وداعية القائد جيرو.. فرنسا تتعادل سلبيا مع كندا    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحى ما زال يخضع للتحقيق حتى الآن    عمر جابر: أنصح رمضان صبحي بالانتقال ل الزمالك.. وجوميز جيد ويكفي أنه تعلم من فيريرا    اتحاد الكرة يكشف تطورات أزمة مستحقات فيتوريا    نقيب الصحفيين: لابد من إصدار قانون حرية المعلومات والمستشار محمود فوزى: محل توافق    "صحة الشيوخ" توصي بوضع ضوابط وظيفية محددة لخريجي كليات العلوم الصحية    أمر ملكى سعودى باستضافة 1000 حاج من ذوى شهداء ومصابى غزة استثنائياً    قوات الجيش الإسرائيلي تعتقل 4 أطفال فلسطينيين من الخليل والقدس    مقتل مزارع على يد ابن عمه بالفيوم بسبب الخلاف على بناء سور    خبير تربوى يقدم نصائح لطلاب الثانوية: نم مبكرا وابتعد عمن يبثون طاقات سلبية    سقوط 150 شهيدا.. برلمانيون ينددون بمجزرة النصيرات    عمرو الفقي: المؤسسات العالمية نقلت عن القاهرة الإخبارية تغطيتها لأحداث غزة    لميس الحديدي تعلن إصابتها بمرض السرطان منذ 10 سنوات.. التفاصيل    القطاع الديني بالشركة المتحدة يوضح المميزات الجديدة لتطبيق "مصر قرآن كريم"    المستشار محمود فوزي: أداء القاهرة الإخبارية مهني والصوت المصري حاضر دائما    حلو الكلام.. إنَّني أرقص دائمًا    «بنضم للمنتخب عشان صاحب صلاح؟».. عمر جابر يخرج عن صمته بتعليق ناري    رسالة غامضة من الممثل التركي كرم بورسين لجمهوره.. وهذا ما كشفه    دعاء تيسير الامتحان.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    تعرف على فضل مكة المكرمة وسبب تسميتها ب«أم القرى»    عوض تاج الدين: الجينوم المصرى مشروع عملاق يدعمه الرئيس السيسى بشكل كبير    مصر في 24 ساعة| لميس الحديدي: أصيبت بالسرطان منذ 10 سنوات.. وأحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة    لميس الحديدي تكشف تفاصيل تهديدها بالقتل في عهد الإخوان    شعبة الدواجن: حرارة الجو السبب في ارتفاع أسعارها الأيام الماضية    بعد وفاة 40 مواطن لارتفاع الحرارة.. نائبة تطالب بوقف تخفيف الأحمال في أسوان    انتحار مديرة مدرسة بحبة حفظ الغلال بالمنوفية    قنصلية فرنسا تطلق مشروع الاقتصاد الدائري بدعم الاتحاد الأوروبي    50 مليون جنيه سنويًا.. حوار بين خالد البلشي وضياء رشوان حول زيادة بدل الصحفيين    محافظ المنوفية يفتتح أعمال تطوير النصب التذكاري بالباحور    "ابدأ": 70% من المشكلات التي تواجه المصنعين تدور حول التراخيص وتقنين الأوضاع    مصرع طفل في حريق سوبر ماركت بالفيوم    دعاء وفضل العشر الأوائل من ذي الحجة    الأول على الإعدادية الأزهرية بالإسماعيلية: مثلي الأعلى عمي وأتمنى أن أصبح طبيبا للقلب (فيديو)    العاهل الأردني: صمدنا في مواجهة التحديات بالعزيمة والصبر    الكشف على 1346 مواطنا بقافلة طبية مجانية بقراقص في دمنهور    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم التاسع من ذي الحجة "الوقوف بعرفة"    الطالبات يتصدرن.. «أزهر المنيا» تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2024    زيادة أكثر من 200 جنيه، ارتفاع سعر دواء شهير لعلاج مرضى الصرع    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذّات الإنسانيّة في فكر صونيا عامر
نشر في شموس يوم 02 - 06 - 2013

قراءة في رواية ( بطن الحوت) للكاتبة اللّبنانيّة "صونيا عامر"
قلّما ينجح الإنسان في مسيرته الحياتيّة بنزع كلّ الأقنعة الّتي يلبسها مجبراً أو مختاراً خلال رحلته في هذه الحياة. وذلك لعدّة أسباب أهمّها عامل الظاهر الإنسانيّ المسيطر على جميع نواحي الحياة، بمعنى إظهار الصّورة الإنسانيّة المُثلى والفُضلى، بغض النّظر عمّا تحتويه الذّات الإنسانيّة من حقيقة. وقلّما نجد أشخاصاً يظهرون ذواتهم كما هي، ولعلّ ذلك يتطلّب صدقاً ومصالحة مع الذّات. فما يبدو عليه الإنسان مخالفا نسبيّاً لما يخفيه في الحقيقة. ولا يتحكّم الإنسان بهذا السّلوك بشكل إراديّ صرف، وإنّما غالباً ما يكون بشكل غير واع وغير مدرك. فالهمّ الأساسيّ هو أن يظهر بأجمل صورة.
في نفس الخطّ ومنذ البدء وعلى الرّغم من طبيعته النّاقصة والخاضعة للضّعف البشريّ، تاق الإنسان إلى الخلود، ورسم في خياله عدّة لوحات تمكّنه من الاقتناع بفكرته عن الخلود، ولكن دون أن يعي أنّه وهو النّاقص، لا يمكنه أن يبتكر خلوده بنفسه. وذلك لأنّ طبيعته الفانية تؤول باستمرار للمرض والتّعب، والجوع والعطش... إلّا أنّ هذه الطّبيعة النّاقصة ليست بعيدة عن الخلود في حال أدرك الإنسان أنّه وقبل كلّ شيء قيمة يمكنها أن تستمرّ إلى الأبد. ويتجلّى هذا التّوق إلى الخلود في ديانات الشّعوب القديمة إذ نقرأ في شتّى الحضارات القديمة الكثير من الأساطير الّتي عبّرت عن هذه الرّغبة العميقة واجتناب الموت والفناء تحت التّراب. ولا بدّ أنّ هذه الفكرة وهذه الرّغبة ما زالت إلى يومنا هذا تؤرق العقل الإنسانيّ، كما وأنّ تلك الأساطير ما زالت متعايشة مع الإنسان، تعيش فيه ويعيش بها. بمعنى أنّها خلقت له خطّاً يمكّنه من التّأمّل بذاته وبالكون للوصول إلى ملامسة الحقيقة قدر الإمكان ليدرك بقلبه وعقله مفهوم الخلود. ناهيك عن المفاهيم الفلسفيّة والدّينيّة الّتي ساهمت في فهم فكرة الخلود.
تقوم رواية الكاتبة "صونيا عامر"، (بطن الحوت) على هاتين الإشكاليّتين، وتطرحهما بشكل مبسّط للقارئ في أحداث تجري في خرافة في عمق المحيط تدعى بطن الحوت. هذا المكان الّذي تصوّر فيه الكاتبة بامتياز كمّيّة الأقنعة الّتي تعيق الإنسان في حياته وتجرّده من إنسانيّته في حال تعايش معها على أنّها حقيقته. كما أنّها، أي الكاتبة، تحاكي الذّات الإنسانيّة وتبيّن غرابتها وتناقضاتها وإيجابيّاتها وسلبيّاتها بعدّة أشخاص ولكن يمكن للقارئ أن يجد نفسه في كلّ شخص.
كما أنّها تبيّن للقارئ تدريجيّاً، أنّ الخطوة الذّاتيّة نحو الخلود بالمعنى العقليّ للمفهوم، ليست سوى صراع للبقاء وسلسلة من السّقطات الّتي تؤدي حتماً إلى الهلاك. فهي إذ تسرد الأحداث تؤسّس لعدّة أسئلة وجوديّة وفلسفيّة فيحاول القارئ أن يتخطّى النّصّ الحرفيّ ليبحر إلى ما هو أبعد من التّعابير البسيطة الّتي تستخدمها الكاتبة كرموز للدّلالة على فظاعة الإنسان النّاتجة عن أنانيّته وسوء احترامه لقيمته الإنسانيّة.
تتجلّى هاتان الإشكاليّتان في مناخ تهيّئه الكاتبة داخل بطن الحوت، حيث يتواجد ألف شخص نصفهم نساء والنّصف الآخر رجال، يخضعون لشروط معيّنة ومحدّدة للتّمكّن من البقاء داخل هذا المكان الخرافيّ الّذي يتّسع للكثير من المرح والانشراح والحرّيّة والحبّ... وأيّ خلل أو خطأ يصدر منهم يودي بحياتهم. إلّا أنّ عدم الإخلال بالشّروط يفترض سلوكاً يبعث اللّذة للإنسان ولكنها لذّة ما تلبث أن تجعله يدرك أن اقترابه من شجرة معرفة الخير والشّرّ تميت فيه جوهره الإنسانيّ الحقيقيّ. فلم تكن تلك الشّجرة تعني يوماً إدراك الإنسان للخير والشّرّ بالمطلق، وإنّما عنت إدراك الإنسان لما هو لخيره وشرّه الشّخصيَّيْن بعيداً عن قيمته الإنسانيّة الّتي هي في أصلها على صورة الحبّ المطلق والأسمى. فعلى سبيل المثال، من يسعى لاستغلال شخص ما في سبيل التّمتّع برفاهيّة الحياة فهو يبحث عمّا هو لخيره وإن لعب دور العاشق والمتيّم. ومن يخضع لأنانيّته ليلبّي حاجاته فهو يريد خيره أوّلاً وإن كان هذا الخير يمسّ بالكرامة الإنسانيّة. وأيّ سلوك يسلكه الإنسان بعيداً عن احترام قيمته الإنسانيّة وقيمة الآخر هو سعي للّذة الشّخصيّة وبالتّالي فهو مستعدّ لقتل الآخر جسديّاً أو روحيّاً في سبيل تلك اللّذة.
الشّرط الأساسيّ للولوج داخل بطن الحوت هو التّنكّر، أو بمعنى أصحّ الغربة عن الّذات. وهنا تُظهر الكاتبة قدرة عالية على التّغلغل في عمق الذّات الإنسانيّة إذ أنّها تبرز خفايا هذه الذّات ورغبتها في تبديل معالمها بشتّى الطّرق لعيش اللّذة والاستمتاع بكلّ ما لا يمكن أن تستمتع به إذا ما أخذت بعين الاعتبار المعايير الاجتماعيّة والعادات والتّقاليد. وهنا تفجّر "صونيا عامر" كلّ الرّغبات الدّفينة الّتي تسكن في عمق الذّات الإنسانيّة والّتي يمكن لأي إنسان أن يعيشها في الخفاء مع ذاته دون أن يظهرها وذلك لخوفه على الصورة الخارجيّة وخوفاً من رأي الآخر الّذي هو بدوره يحكم ويدين ليخفي حقيقته. ولك، أيّها القارئ، وأنت تعيش حدث بطن الحوت، أن تلج نفسك وتبحث فيها عن كلّ ما تخفيه في أعماقك وأن تستدعي كلّ أفكارك ورغباتك وتساؤلاتك الّتي تخاف أن تعبّر عنها وتصرّح بها علناً. وذلك بهدف أن تتحرّر من قيود الخوف لتعبر إلى الحرّيّة والكرامة الإنسانيّتيْن، وتظهر كما أنت شفافاً، نقيّاً، متقبّلاً ذاتك بعيداً عن أي حكم أو إدانة ومصوّباً نظرك نحو قيمتك الإنسانيّة الّتي باحترامك لها وحبّك لها ترتقي إلى الخلود.
تولي الكاتبة أهمّية كبرى للصّوت السّاكن في عمق الذّات الإنسانيّة، الضّمير. الأنا الّذي يخز الإنسان وقد يصفعه أحياناً ليوقظه من سباته العقليّ والرّوحيّ. وتجسّده "صونيا عامر" بعدّة تساؤلات لتبيّن لنا أنّ الإنسان ومهما تغرّب عن نفسه فلا بدّ أن يجالسها ولو للحظات ليتساءل عن سبب سلوكه درب الهلاك. فالإنسان خيّر بالفطرة ولا يولد شرّيراً وجوهره المحبّة؛ وبالتّالي مهما واجه من ظروف بيئيّة واجتماعيّة وتربويّة، فلا بدّ أن يتحرّر منها يوماً ويصارع أمواج الحياة والغرق فيها، ليعود إلى شاطئ الأمان الإنسانيّ الأصيل مقترباً من شجرة الحياة ليأكل من ثمارها فيخلد أبداً.
طرح فلسفيّ وجوديّ، عبّرت عنه الكاتبة "صونيا عامر" تعبيراً حيّاً في رواية لطيفة قد تكون أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، ولكنّها تعبّر بصدق عن الواقع الإنسانيّ المتناقض والمتصارع في ذاته. وللقارئ أن يخرج من بطن الحوت لا بالحكم والعبر وإنّما بنظرة واعية إلى ذاته الإنسانيّة محاولاً التّأمّل فيها بشكل أعمق لعلّه يتحرّر من عبوديّته الشّخصيّة ليسلك دروب الحرّيّة الإنسانيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.