أسعار الأسماك والخضروات والدواجن.. اليوم 8 ديسمبر    ترامب يعرب عن خيبة أمله لأن زيلينسكي لم يطلع على مقترحه للسلام    مقتل جندى تايلاندى وإصابة آخرين فى اشتباكات حدودية مع كمبوديا    نتنياهو: مفاوضات جنوب سوريا تتواصل مع الحفاظ على المصالح الإسرائيلية    ملفات ساخنة وأحداث مُشتعلة فى تغطية خاصة لليوم السابع.. فيديو    ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية    «قد تفكك الجيش».. إعلام إسرائيلي: تصاعد الأزمة بين كاتس وزامير    الحرس الثوري الإيراني: أي عدوان إسرائيلي جديد سيواجه برد أشد وأكثر قسوة    ميلوني تؤكد لزيلينسكي استمرار الدعم قبيل محادثات لندن    "من يريد تصفية حسابات معي فليقبض عليّ أنا" ..لماذا تعتقل "مليشيا السيسى "شقيق مذيعة في قناة تابعة للمخابرات !؟    حبس عاطل لقيامه بسرقة وحدة تكييف خارجية لأحد الأشخاص بالبساتين    لميس الحديدي: قصة اللاعب يوسف لا يجب أن تنتهي بعقاب الصغار فقط.. هناك مسئولية إدارية كبرى    شئون البيئة: سوف نقدم دعمًا ماديًا لمصانع التبريد والتكييف في مصر خلال السنوات القادمة    الرئيس التشيكي: قد يضطر الناتو لإسقاط الطائرات والمسيرات الروسية    "قطرة ندى" للشاعر محمد زناتي يفوز بجائزة أفضل عرض في مهرجان مصر الدولي لمسرح العرائس    بعد رحيله، من هو الفنان سعيد مختار؟    ترتيب الدوري الإسباني.. برشلونة يتفوق على ريال مدريد ب4 نقاط    مجموعة التنمية الصناعية IDG تطلق مجمع صناعي جديد e2 New October بمدينة أكتوبر الجديدة    كأس العرب - بن رمضان: لعبنا المباراة كأنها نهائي.. ونعتذر للشعب التونسي    أوندا ثيرو: ميليتاو قد يغيب 3 أشهر بعد الإصابة ضد سيلتا فيجو    إبراهيم حسن: محمد صلاح سيعود أقوى وسيصنع التاريخ بحصد كأس أمم إفريقيا    أشرف صبحي: قرارات الوزارة النهائية بشأن حالة اللاعب يوسف ستكون مرتبطة بتحقيقات النيابة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    هل تقدم أحد المستثمرين بطلب لشراء أرض الزمالك بأكتوبر؟ وزير الإسكان يجيب    وزير الإسكان يعلن موعد انتهاء أزمة أرض الزمالك.. وحقيقة عروض المستثمرين    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر ديسمبر 2025    استكمال محاكمة سارة خليفة في قضية المخدرات الكبرى.. اليوم    وزير الزراعة: القطاع الخاص يتولى تشغيل حديقة الحيوان.. وافتتاحها للجمهور قبل نهاية العام    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    ياهو اليابانية.. والحكومة المصرية    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    رئيس "قصور الثقافة": السوشيال ميديا قلّلت الإقبال.. وأطلقنا 4 منصات وتطبيقًا لاكتشاف المواهب    كم عدد المصابين بالإنفلونزا الموسمية؟ مستشار الرئيس يجيب (فيديو)    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    اليوم.. المصريون بالخارج يصوتون فى ال 30 دائرة المُلغاة    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة ومضاعفة الحوكمة    أحمد موسى يكشف أزمة 350 أستاذا جامعيا لم يتسلموا وحداتهم السكنية منذ 2018    وائل القبانى ينتقد تصريحات أيمن الرمادى بشأن فيريرا    أمن مطروح يفك لغز العثور على سيارة متفحمة بمنطقة الأندلسية    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على شروط إعادة تدوير واستخدام العبوات الفارغة وفقاً للقانون    عاشر جثتها.. حبس عاطل أنهى حياة فتاة دافعت عن شرفها بحدائق القبة    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    إضافة 4 أسرة عناية مركزة بمستشفى الصدر بإمبابة    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    باحث يرصد 10 معلومات عن التنظيم الدولى للإخوان بعد إدراجه على قوائم الإرهاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    الطفولة المفقودة والنضج الزائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نايبول والحضارة الإسلامية
نشر في شموس يوم 01 - 06 - 2013

من حق الذي يحصل على جائزة نوبل أن يشغل الناس حتى وإن كان هذا الانشغال موقوتاً , لأن هذه الجائزة تعبر بمن يحصل عليها إلى مرحلة العالمية ... ولما أعلنت الأكاديمية السويدية فى أكتوبر 2001 أسم الفائزة بالجائزة فى الآداب جاء اسم نايبول مدهشاً ومحيراً للكثيرين , فهل كانت الدهشة تقصد مدى تتنوع الإبداع وتميزه من عدمه ؟ أم أن آراء الكاتب السياسية ولا سيما المقترنة بالإسلام والمسلمين كانت هى محرك الدهشة وسبب الحيرة ؟!!
لكن – اللجنة المشرفة قد منحت الجائزة وعبرت عن حيثية الاستحقاق بهذا الملخص " لأنه يمتلك رؤية متكاملة فى رواياته ويمتلك أيضاً وجهة نظر محايدة ونزيهة فى الأعمال التى تتناول التواريخ والحضارات الأخرى ".
ومن خلال هذه العبارات الموجزة لا نستطيع أن نفرغها من الدعامتين الأساسيتين وهما الرؤية الفنية والرؤية الفكرية كما لا نستطيع أن نغفل دور و نشأة الكاتب وتكوينه الثقافى فى تقييم أفكاره ورؤاه , ونحن أيضاً فى حاجة إلى نوع من التأمل النقدى فى أهم أعماله , نقول التأمل وليست الدراسة النقدية المتأنية الفاحصة لأن المقام لا يسمح بذلك ولا ننسى أن هذه البانوراما التى تستوعب كل هذه العناصر يمكن أن تشكل قاعدة أنطلاق لرؤية أكثر عمقاً وركيزة أقرب للإنصاف والمقصود بالإنصاف هنا هو معرفة البواعث والدوافع التى جعلته ينتصر لثقافته على حساب ثقافة أخرى ويتحيز لحضارة بعينها , ويكمن أيضاً أن نتبين مدى أقتراب لجنة الجائزة من منطقة الهوى السياسي ومدى تلون الجائزة بأيحاءات ودلالات سياسية وسوف يتطلب منا ذلك أن نطوف ونتجول مع الكاتب فى حياته وأعماله ورحلاته .
تائه بين الحضارات
ولد فيديا دهار . سوراج براساد والذى عرف بعد ذلك ب " ف . س نايبول " فى ترينداد عام 1932 لأبوين هنديين من البراهمة هاجرا من الهند إلى جزر الهند الغربية وقد هاجر جدوده إلى ترينداد للعمل فى مزارع السكر ليحلوا محل العمالة المفقودة بسبب إلغاء تجارة العبيد , ولم تخل هذه الجزيرة من العنصرية بين البيض والسود والهنود والأفارقة أما عائلة الكاتب فقد كانت كبيرة ولها الكثير من الفروع
1
فى كافة المستويات الاجتماعية , وكان له أخ وخمس أخوات وعدد يزيد على الخمسين من أبناء وبنات العم وقد كانت الثروة فى جانب أهل الأم ولذا كانت عائلته فقيرة نسبياً ووالده كان صحفياً , وقد شعر نايبول أنه قريب جداً منه, ثم انتقل من جزيرة ترينداد إلى انجلترا ليدرس الأدب الإنجليزى فى جامعة أكسفورد وهو فى الثامنة عشر حيث الثقافة الإنجليزية , وهكذا نشأ موزعاً بين عالمين شديدي التعارض والتناقض , ولم يستطع أن ينتمى كاملا لأحدهما وبينما كان نايبول يدرس فى أكسفورد مات والده إثر أزمة قلبية عام 1953 قبل أن يحقق أية طموحات أدبية , وقبل أن يشهد نجاح ابنه ككاتب , وبعد تخرجه تزوج من سيدة إنجليزية هى باتريكيا هيل عام 1955 والتى ماتت عام 1966 ثم تزوج بعد ذلك من مطلقة باكستانية تعمل صحفية اسمها ناديرا .
بدأ يمارس الكتابة بعد تخرجه مباشرة ثم عمل جزءاً من الوقت فى هيئة الإذاعة البريطانية (B.B.C) وكتب عدداً من المقالات النقدية , أصدرها فى كتب , وقدم عدداً كبيراً من كتاب أمريكا الجنوبية المشهورين فى الإذاعة .. كتب الرواية والقصة القصيرة والسيرة الحياتية وبرع فى كتابة المقالات وأدب الرحلات ومارس الصحافة الأدبية فى واحدة من المجلات الهامة من عام 1957 إلى 1961 .
ومن خلال عرض سيرة حياة الكاتب نرى أنه من أصل هندى من عائلة البراهمة لكنه عاش طفولته وجزءاً من شبابه فى ترينداد ثم درس فى إنجلترا واستقر فيها فتشتت بين عوالم ثلاثة , كما أن اللغة التى كتب بها وأتقنها لم تكن لغته الأصلية ولذا فقد تمزق وجدانياً وفكرياً بين ثقافات متعددة , وكانت هذه البذور من أهم العوامل التى أثرت فى تكوين نايبول النفسي وجعلته يشعر دوماً بالغربة والاغتراب والعزلة , فقد اكتشف بأنه لا جذور له وحاول دائماً أن يتجنب ذلك الشعور بالانتماء , ومن البديهي ألا نغفل أهمية المؤثرات الأولى فى تشكيل كيان الكاتب الثقافي سواء عملت هذه المؤثرات بطريقة واعية أو انسابت عن طريق اللاوعي .. إن افتقاد نايبول لجذوره الحقيقية وأحساسه أنه غريب بلا وطن وكتابته بلغة الاستعمار وهو غير قادر على التواصل مع حضارة هذه اللغة . كل ذلك لم يقف عائقاً أمام نجاحه ككاتب بل أصبح شخصية بارزة بين أقرانه من الهنود الغربيين – إلا أن ذلك ظل قابعاً فى الأعماق وطبع أسلوبه في الكتابة بمذاق خاص يتسم بالسخرية والتشاؤم مما جعل النقاد يربطون بينه وبين الكاتب الإنجليزي البولندي الأصل جوزيف كونراد وكلاهما وقع فى فخ المأزق الحضاري .
2
نايبول ... روائياً
هل سمعت أن أحداً من ترينداد يكتب روايات ؟!!
جاءت هذه العبارة على لسان الناشر المحتضر فى رواية " المدلك الصوفي " وتبين هذه العبارة
مدى المعانات التي يشعر بها الكاتب تجاه مجتمعه الفقير العشوائي مقارنة بتراث الأدب الإنجليزي الرصين ومع ذلك فقد كتب نايبول الرواية والقصة والمقال حتى حصل على جائزة نوبل وأهدى هذا الفوز لكل من الهند وإنجلترا رغم أنه قال يوماً ما – "يبدو مستحيلاً أن الحياة التى عرفتها في ترينداد يمكن تحويلها إلى كتاب " .
أن هذا الإحساس بالدونية الثقافية لم يبرح وعي الكاتب وسوف يظهر ذلك جلياً من خلال استعراضنا لأهم أعماله , كانت رواية " عامل التدليك الصوفي " عام 1957 بداية تعرف القراء على إبداع نايبول الروائي وتلاها بمجموعة من القصص القصيرة .
" شارع ميجيل " عام 59 والتي فازت بجائزة سومرست موم الأدبية أما رائعة نايبول الأدبية من وجهة نظر النقاد فكانت رواية " منزل السيد بيسواس " والتي صدرت عام 1961 والتي تلاها بالأعمال الآتية " منطقة مظلمة " عام 1964 والتي فازت بجائزة فونكس ترست " في بلد حر " عام 71 والتي حصلت على جائزة بوكر برايس وهي جائزة معروفة بثقلها الأدبي والنقدي ثم رواية " منعطف النهر " عام 1977 والتي صدرت ضمن روايات الهلال المترجمة عام 1992 , ورواية " الرجال المقلدون " وقد فازت بجائزة سميث الأدبية السنوية ثم رواية " لغز الوصول " عام 87 , " طريق عبر العالم " وهو عمل بين الرواية والسيرة وهو يرصد حركة الكولينيالية من خلال تاريخ روائي ثم رواية " نصف حياة " وهي أقرب أيضاً إلى قالب "السيرة الذاتية " من خلال البطل ويلي سومرست شاندران المولود في الهند عام 1930 والذي أخذ أسمه الثاني من أسم الكاتب الإنجليزي المعروف " سومرست موم " وسيرة حياته تذكرنا بسيرة حياة نايبول , ومعظم أعمال الكاتب تجمع بين الرواية والسيرة وتسودها روح التهكم والسخرية والتشاؤم أما الأعمال الأخرى غير الروائية فنذكر منها كتابه " الهند :حضارة جريحة " عام 77 وكتابيه " وراء الإيمان " و " بين المؤمنين " والذين أثارا الكثير من الجدل والنقاش وسوف نعرض لها بإيجاز , ونايبول واحد من كتاب منطقة غرب الهند الإنجليزية السابقة وخاصة كتاب الرواية الذين أزدهر أدبهم بعد الحرب العالمية الثانية ومنهم أيضاً :
روجر ميس , أدجار هولزر , جون هيرين , ولسن هاريس , صامويل سيلفون وهولاء قد كونوا كياناً لعالم يستطيع أن يقف موازياً للمجموعة التي تمثل الكتاب الإنجليز والأمريكيين في فترة ما بعد الحرب ,
3
وقد انتشر أدب هولاء الكتاب الذين يكتبون بالإنجليزية خارج حدود بلادهم الصغيرة وهم لم يتساووا في النجاح الذي حققوه ويعتبر نايبول واحد من اثنين حققا انتشاراً كبيراً والآخر هو " لامنج " الذي حقق انطباعاً قوياً بسيرته نصف الذاتية " قلعة من جلدي " عام 1953 إلا أن نايبول تفوق عليه لأنه حقق نوعاً من التكامل الفني وحصل على جوائز عديدة في محيط الأدب الإنجليزي .
هو واحد من كتاب الكومنولث الجديد الذين يتعاملون مع المجتمع وماضيه تعاملاً جديداً كنوع من التواصل غير التقليدي بين الرواية والمجتمع رغم أنهم لم يتركوا القوة التقليدية للرواية والتي قلت في السنوات الأخيرة عند الكتاب الإنجليز , والأمركيين . ونايبول لم يكتب محتذياً الموديلات الأدبية أومتأثراً بالحداثة وإنما يكتب من خلال أسلوب خاص جداً به وقد تأثر كثيراً بالكاتب الإنجليزي جوزيف كونراد وفي رواية " لغز الوصول " يناقش حقيقة إنجلترا مثل أى أنثروبولوجي كما أنه يدرس موطن رأسه غير المكتشف والقابع في الأعماق , حيث يحكي عن انهيار ثقافات العالم الحديث وهي مسئولة عن فشل هذا العالم , وسوف نناقش ونفند هذا الأعتقاد الذي لم يكن موضوعياً ونتعرف على الأسباب التي كونت وبلورت هذا الاعتقاد عند نايبول وفي رواية " منطقة مظلمة " سجل اعتقاده هذا وكيف أن خبراته السابقة بالهند قتلت جذور الانتماء لديه حتى أصبح كولونياليا بدون ماض ولا أسلاف " أو أنجليزي دون مجاراة في المحاكاة " وهو يتهكم على أمثاله من الكولنياليين الجدد ويصفهم بأنهم يستطيعون فقد تقليد أسيادهم الحاليين ".
إن هذا الاستلاب الثقافي والانبهار بالغرب يوضح إلى أي مدى شعور نايبول بالدونية وأنه لاجذور له , وقد ساهم كل ذلك في إحساسه الدائم بالعزلة والاغتراب وموقفه الفكري العدائي ضد كل ماهو أصيل ثقافياً أو قديم حضارياً حتى أنه يتهم الهنود بأنهم جعلوا الحرمان أو الإعدام الذاتي ديناً والعجز والسلبية فلسفة .
نعود مرة أخرى إلى نقطة انطلاق نايبول وهي رواية " منزل السيد بيسواس " والتي حلقت باسمه إلى آفاق الشهرة , هذا العمل الذي يجمع بين التراجيديا والكوميديا أو ما يطلق عليه " الكوميديا السوداء " وقد استقي الكاتب أحداث الرواية وشخصياتها من علاقته بموطنه في في ترينداد ؛ وتلك العلاقة الخاصة جداً التي كانت بينه وبين والده والذي يصفه بأنه كان رجلاً منهزماً مثل " بيسواس " ويشعر دائماً بالإغتراب عن عائلته , فبطل الرواية هندي من البراهمة يعيش في ترينداد وأسمه " موهين بيسواس " وهو مثل والد نايبول شديد دائماً على نفسه عميق جداً في جراحه , وقد يكون ذلك سبباً في إخفاقه فهو غير محظوظ منذ مولده , وكل طموح السيد " بيسواس " هو منزل يمتلكه يكون القاعدة الأساسية لوجوده واستقلاليته , ولذا نراه يكافح في كل الاتجاهات ويمارس أعمالاً شتى , فهو تارة فناناً
4
ورساماً وتارة صحفياً ومرة كاتباً للقصص – لكن – كل ذلك لم يشفع للسيد " بيسواس " في امتلاك منزل , والرواية محكمة جيداً وتعلو فيها نغمة الرمز في تكامل وانسجام , إنها ثمرة ناضجة من مخزون
خبرات الكاتب الأولى في ترينداد , وتمثل العلاقة بين الفرد والمجتمع وكفاحه في ظل ضغوط عاتية تحيد به عن تحقيق أهدافه وطموحاته حتى وإن كانت متواضعة , والرواية تقليدية من حيث أسلوب الكتابة فالأحداث تنمو وتتلاحق رأسياً منذ ميلاد البطل وحتى وفاته مروراً بلحظات النجاح القليلة والإخفاق الكثيرة , والبطل يتحرك في إطار اجتماعي داخل وطن يعتريه الركود ويحاول البحث عن ذاته ولو في عيون أصدقائه .
أن الرواية تمثيل جيد لأدب العالم الثالث المكتوب بالإنجليزية وبداية اعتراف قراء هذه اللغة بنايبول كاتباً وروائياً .
حضارة جريحة
كتب " نايبول " هذه الكتب الثلاثة على مدار اثنين وعشرين عاماً : " الهند : حضارة جريحة " عام 1977 , " بين المؤمنين " عام 1981 , " وراء الإيمان " عام 1998 , وهذه المؤلفات غير روائية وإنما هي كتابات اعتمدت على فكر الكاتب وآرائه وتأملاته إنها وجهة نظر يعتنقها نايبول بعد رجوعه من الرحلات قام بها إلى دول العالم الثالث , وعلاقة ثقافات العالم الثالث بالحضارة الغربية هي المنطقة التي يفضلها الكاتب ويكتب فيها دائماً والمحور الفكري المركزي الذي يستند عليه ومن وجهة نظره يعتبر الحضارة الغربية هي المركز أما الحضارات الأخرى فيجب أن تزول أو أن يسير أصحابها على نهج حضارة المركز , فلابد للأطراف أن تسعى دائماً للغرب والمقصود بالأطراف كل العوالم ما عدا الغرب وخاصة دول العالم الثالث .
وفي كتابه : " الهند : حضارة جريحة " والذي صدر عام 1977 يفتري على الإسلام ويدعى فيقول " إن تأثير الإسلام على العالم أشبه بالكارثة التي سببها الاستعمار " وحين يتكلم عن الهند باعتبارها حضارة جريحة يقول :
" الأرض التي جرحها الاستعمار الإنجليزي ومن قبله الفتح الإسلامي " لقد وصلت درجة العنصرية بنايبول أن يساوي بين الأستعمار والفتح الإسلامي !!! لأن الكاتب قد فقد القدرة على التواصل مع تراثه فأراد أن يمحو كل تراث إنساني آخر وكل إنجاز حضاري عدا الإنجاز الغربي , إن الماضي عند نايبول يذكره دائماً بأدغال وأحراش وأكواخ " ترينداد " مسقط رأسه .. الماضي لديه هو الخوف والفزع والإحباط ورغم أنه اجتر هذه التجارب والذكريات الأليمة في رواياته إلا أنه حجم المرارة أكبر من أن
5
تشفيه الروايات فأراد أن يلسع بما تبقى لديه من مرارة الحضارات التي سبقت الحضارة الغربية . واختص الإسلام ديناً وحضارة بالنصيب الأكبر , وفي كتابه " بين المؤمنين " الذي صدر عام 1981 , يعود الكاتب مرة ثانية فيتهم الإسلام والمسلمين بالتعصب الديني والسياسي وقد عاب عليه كثير من النقاد والقراء هذه الزاوية الضيقة التي ينطلق منها في إصدار الأحكام البعيدة كل البعد عن الموضوعية الفكرية أما كتابه الأخير " وراء الإيمان " والذي صدر عام 98 , وقد كتبه بعد أن أقام بجولة في عدد من البلاد الإسلامية غير العربية وهي إيران وأندونيسيا وباكستان وماليزيا يعاود نفس الإتهامات والإدعات بل ويزيد على ذلك فيصف الإسلام في شبه القارة الهندية " بأنه قوة أكثر تدميراً من قوة الاستعمار البريطاني " وفي مقال لنايبول بعنوان " حضارتنا العالمية " في نوفمبر عام 1990 يقول فيه " سوف أتبنى فكرة الأخذ بالحضارة الغربية وإزاحة أية حضارات أخرى لأنها حضارة السعادة , فيها كل ما يتمناه الإنسان , الحرية والعدالة والاستمتاع والتقدم , ثم يستطرد قائلاً " إن رحلتي من ترينداد إلى إنجلترا هي رحلة من الخارج إلى المركز, من الأطراف إلى القلب , قلب الحضارة الغربية التي هي المركز وكل ما عداها من حضارات هي أطراف ولابد لها أن تنضوي تحت لواء الغرب " .. هذا هو فكر نايبول الذي يؤمن به ويعتنقه ويردده دائماً وينطلق منه في محاضراته ومقالاته وكتاباته .
يقول صديقه السابق " بول ثيروكس " والذي قابله عام 1966 في كمبالا بأوغندة , كان " بول " يدرس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب هناك , وجاء نايبول ضيفاً على الكلية بأعتباره كاتباً معروفاً , وأثناء حفل كوكتيل أقامته الكلية , تم التعارف بين بول ونايبول وكانت بداية صداقة بينهما استمرت أكثر من ثلاثين عاماً – ولكن – منذ سنوات قليلة وبسبب تصرفات نايبول وإتجاهاته قطع بول أواصر الصداقة معه .. يقول بول ثيروكس في مقال له بعنوان " قتل الأب " عن صديقه السابق نايبول .
" لقد أعجبت في البداية بموهبته : وبعد فترة لم أعجب بشئ على الإطلاق , وأخيراً بدأت أتعجب من موهبته .. حقيقة أتعجب منها بل وأشك فيها , ووجدت نفسي أمر مرور الغافلين على الكثير من الصفحات في كتبه الأخيرة .. في الماضي كنت أتهم نفسي وأقول إن الخطأ خطأي أما الآن فإنني أيقنت أنه مجنون " .
أليس غريباً أن يكون ف.س. نايبول الأديب العالمي رقم 98.. هكذا أراد القائمون على جائزة نوبل في الآداب في بداية الألفية الثالثة ومرور مئة عام على تأسيس جائزة نوبل بل وفي هذا التوقيت بالتحديد ولكاتب وصل إلى هذه الدرجة من العنصرية ضد الإسلام والمسلمين .
6
مراجع المقال
.V.S.Naipaul by William Walsh . 1973
.V.S. Naipaul by A critical in troduction by landeg white .1975
Naipaul by Michael Thorpe .1976 .v.s.
.search of Islam : by fouad A Jami October 25 1981
Three Novels : by Michiko Kajautani January 17 1983
Our universal civilization by v.s. Naipaul November 5 1990
Sirvidla's shadow afriend ship across five continents by paul theroux. 1998
New york times: Naipaul , latest parable of Dislocation October 16 2001


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.