كان كتابي «الابتسام في الأيام الصعبة» ثالثَ مخطوطة يعتذر اتحاد الكتّاب العرب بدمشق عن تبنّى إصدارها ضمن منشوراته، فتعيّن عليّ أن أتوجّه بها إلى ما وراء الحدود، وإذا كنت قد جريت قبل ذلك على النشر في بيروت والقاهرة، فأنا الآن ماض بها نحو تونس. واتفق لي أن سافرت، في تلك الآونة، إلى الجزائر (شباط/ فبراير 1982)، ممثِّلاً لوزارة التعليم العالي للنظر في تمديد الاتفاق الثقافي المعقود بين البلدين، فعرّجتُ في عودتي على تونس، وقمت بتصحيح التجارب الطباعية وأنا نزيل "فندق أميلكار" بضاحية قرطاج شماليّ العاصمة تونس، ثمّ صدر الكتاب مسحوبًا منه ثلاثة آلاف نسخة. (تحدثت عن ذلك في مشروع كتابي «قمر لا يغيب»، وقد أعيد نشر الكتاب بدمشق عام 2002). ولعلّ من حقي القول إنّ هذا الكتاب، الذي انصرف عنه اتحاد الكتّاب، قد حظي بعد النشر بما يستحقّ من الاهتمام، لعلّ أول ذلك دراسةٌ كتبها الدكتور نسيب نشاوي بالجزائر، وليس آخرَها ما كتبه وليد معماري بدمشق، وبين هذا وذاك دراسة بالانكليزية عُنيَ بنشرها الدكتور كاظم جواد في جريدة Syria Times. ولا بأس في أن أشير إلى ما قاله، في شبكة "التواصل الاجتماعي"، المغربيُّ عبد الرحيم الكوهن الناشط السياسي والأدبي، من أنه تربّى في شبابه وهو في "الدارالبيضاء"، على أدب ولغة فاضل السباعي، مشيرًا في ذلك خاصة إلى «الابتسام...». ولا بأس أيضا في القول إنّ قصص هذا الكتاب الثماني كانت مستوحاةً من البيئة، أو البيئات التي مرّ بها مؤلفها، ترصد الواقع، وتنقده، عاداتٍ وعواطفَ إنسانية، بالمرح تارة الذي يغري بالابتسام والضحك، وبالسخرية المرّة تارة أخرى. وإذا كانت هذه القصص قد ابتدأت بأن جعلتُ الموظف البسيط، الذي سمّيته "زاهي" في قصة "المجاري"، يبتدع حلاّ لمعضلة كانت قد أرّقت المؤسسة التي يعمل فيها (نُشرت في مجلة "العربي" الكويتية)، فإني انتقدت في آخر القصص "حوار للفصل الأخير"، "العدالة" التي تلفّق اتهامًا لمواطن بريء بأنه هو من قتل، أو اغتال، صديقًا له في منتصف تلك الليلة الليلاء (نُشرت في مجلة "البيان"، عن رابطة الأدباء بالكويت). ولا بأس، مرة ثالثة، في الإشارة إلى أني قرأت يومًا في مجلة "الهلال" المصرية أنّ القصة الفائزة بالجائزة الأولى في مسابقة "نادي القصة" بالقاهرة وحاز صاحبها ميدالية طه حسين الذهبية، كان اسمها مماثلا: "المجاري"، ثمّ ما لبث أن نَبّه كاتبٌ مصري إلى أنّ القصة الفائزة منسولة من مجلة "العربي" ومسروقة من صاحبها السباعي! ثمّ كان تنويهٌ من النادي في العدد التالي من المجلة، واعتذار وتقدير... ولكنّ الميدالية الذهبية ذهبت (وذلك ما تحدث عنه بإسهاب المؤرخ للأدب والصحافة ياسر الفهد في أحد كتبه ضمن فصل عن السرقات الأدبية). أجل، إنها ذكريات تتوالى فصولاً... وفيها أيضا ما أستحضِره اللحظة من صورة رئيس الاتحاد وهو يقرأ عليّ نصوص تقارير المحكّمين الذين اختارهم "بعناية" (ومنهم زميلةٌ شاءت في "تحكيمها" أن تصفّي حسابات لها عندي، رحمها الله وغفر لها)... كنت تلك الساعة أقرأ في محيّاه الوضيء - وهو يقرأ بلسانه ال... الطليق - التلذّذَ المعبّر عن ابتهاجه برفض نشر كتابٍ لزميل، هو من مؤسسي الاتحاد عام 1969، حين لم يكن رئيس الاتحاد شيئا مذكورا. تقولون، أيها الأصدقاء: لا يصحّ إلا الصحيح...أجل، ولكنا ما بلغنا الشاطئ إلا بالصبر على الأذى زمنُا امتدّ عقودًا من سنين.