سبرت أغوار إبداعات جبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي ونزار قباني وأحمد شوقي، راقبت بعينيها المشهد الإبداعي العربي. بدأت بكتابة القصة القصيرة. كان اقتحامها مجال الكتابة الإبداعية إضافة نوعية لدور المرأة وحضورها في المجتمع. كانت إبداعاتها ركناً أساسياً في أركان الكتابة النسوية في سوريا اجتماعاً مع كوليت خوري وغادة السمان وسلمي الحفار الكزبري، حيث شكلت كتاباتها فصلا إبداعيا اجتماعيا عن حياة الناس، كما تشكل فصلا آخر للوعي القومي وآلام الفلسطينيين. هي الكاتبة والأديبة السورية «قمر كيلاني» التي غيبها الموت في القاهرة، التي عاشت فيها بعد الوحدة السورية المصرية في الستينات، لكن جسدها غادر إلي مسقط رأسها دمشق كي يواري الثري مع الأحباب والشهداء الذين راحوا ضحية رصاص السلطات. لقد ولعت بالقراءة في سن العاشرة. كانت تنسخ أبيات الشعر علي كراساتها المدرسية. قرأت للمنفلوطي ولجبران وإيليا، لم تجد سوي مادة التعبير كل تحاكي ما تقرأه. أما أول قصة نشرت لها في مجلة لبنانية وكانت بعنوان "شبح أم"، كانت وقتها في الشهادة الثانوية لم تصدق أن اسمها مكتوب في الصحيفة. في سنوات الجامعة كان التمرد علي التقاليد والمناداة بحرية المرأة، بدأت الطريق عبر صفحات المجلة الجامعية لطلاب كلية الآداب، التي كانت منتسبة لها، لقسم اللغة العربية بالتحديد، وكانت تنشر تحت اسم مستعار هو "رائدة النبع"، إلا أن اسماً آخر أطلقه البعض عليها وهو "المتمردة الذهبية". تخرجت كيلاني في جامعة دمشق عام 1954 بعد دراسة اللغة العربية، ثم نالت دبلوم التربية. فعملت في التدريس في دور المعلمين والمعلمات، إلي جانب الكتابة، ثم في اللجنة الوطنية لليونسكو. وكانت عضوًا في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، وترأست تحرير مجلة "الآداب الأجنبية" لفترة. وقد عنيت بالبحث والدراسات التاريخية ذات الطابع الأدبي والإبداعي. درست التصوف، قرأت عن ابن عربي وابن الفارض وعبد القادر الجيلاني. كانت تقول دوما ان دراستها للغة العربية خطأ لا يغتفر، فالكتابة والموهبة لا علاقة لها باللغة العربية، كثيرا ما تمنت أن تدرس الفلسفة. الأديبة السورية اتجهت إلي بيروت عاصمة الثقافة الأقرب لها. اتجهت هي ورفيقاتها إلي العاصمة اللبنانية، وبالتحديد إلي المجلات الأسبوعية والشهرية. "أدونيس" تبني كتابها الأول في بيروت، فتولي إصداره عام 1962، كانت البداية بكتاب اسمه "التصوف الإسلامي"، ومن بعده الرواية الأولي "أيام مغربية". والتي نشرت عام 1965 "قبلة علي أرض غريبة"، و"ناتالي وأشجار البرتقال"، هي قصص قصيرة حول القضية الفلسطينية. وعن حرب أكتوبر المجيدة نشرت رواية مسلسلة في جريدة "تشرين" بعنوان "حب وحرب" طبعت فيما بعد في كتاب، تنبأت خلالها بخريطة الوطن العربي، بعد أعوام الحرب. هي تري أن المرأة الكاتبة لا تستطيع أن تتخلي عن تجاربها الخاصة ومغامراتها التي تسوقها في حبكات روائية. إلا أنها تري في نفس الوقت أن الظروف الأسرية والاجتماعية لم تكن مواتية، فهي من أسرة إقطاعية ليس للعلم مكانة مهمة بينها، لكن الاحترام والثقة جعلاها تشق طريقها اجتماعياً بثبات وعزم. المجتمع ذاته لم يكن يتقبل لا الصحافة ولا الأدب ولا حتي تحرر المرأة. هكذا تقول. لقد اكتفت قمر بالنقاد عن النقد. هي تري أن الأدب العربي لم يتدرج في النقد حسب التيارات الأدبية كما هو الحال في الغرب. فالكلاسيكية مثلا أفرزت نقادها، وكذلك الرومانتيكية، ومن بعدها الواقعية الاجتماعية. انتماؤها إلي التيار العروبي والقومي لم يحصرها أيضا في تيار الواقعية الاشتراكية، فقد ظلت إبداعاتها بعيدة نسبيا عن المرمي المباشر للنقاد. دائما ما كانت تري أن النقاد وضعوا بعض الأدباء تحت الأضواء. هي لم تهتم بما يكتبه النقاد عنها. فقط هي تهتم بصدي كتاباتها عند الجمهور الذي يقرأ. كانت كتاباتها محل دراسة في كثير من الرسائل الجامعية من درجة الماجستير والدكتوراة في كثير من الجامعات في فرنسا وفي بريطانيا وفي لبنان، وفي بعض البلاد العربية كالجزائر. كما يدرس إنتاجها في الجامعات كنماذج من الأدب العربي الحديث، كما ان اسمها دخل في موسوعات عالمية بين أعلام القرن. للأديبة قمر كيلاني تجربة عريضة في عالم الصحافة وكتابة المقالة فقد كانت مراسلة لمجلة أدب وشعر الشهيرة في دمشق. وكتبت في صحيفة "الرأي العام" السورية أيام الانفصال كما كتبت في صحيفتي البعث وتشرين وصحيفة الثورة منذ أكثر من ربع قرن حيث كان عنوان زاويتها في "الثورة" هو "مفكرة الأيام" ثم "معًا علي الطريق" التي مازالت تكتب فيها حتي غيبها الموت. ومن مؤلفاتها كتاب التصوف الإسلامي، وروايات "أيام مغربية، بستان الكرز، الهودج، حب وحرب، طائر النار، الأشباح، والدوامة"، ومجموعات قصصية "عالم بلا حدود، الصيادون ولعبة الموت، امرأة من خزف، اعترافات امرأة صغيرة، المحطة وحلم علي جدران السجون"، دراسات "أوراق مسافر وأسامة بن منقذ وامرئ القيس". في أيامها الأخيرة تراخي إنتاجها الأدبي الذي تواتر خلال السبعينات والثمانينات لأسباب كثيرة، كانت تملك أوراقا وارفة لرواية ضخمة جداً عن دمشق والحياة الاجتماعية والسياسية فيها من الثلاثينات إلي الخمسينات من القرن الماضي، نشرت العديد من فصولها في مجلات أدبية عربية واسبانية تهتم بنشر نماذج من إنتاج أدباء العرب، خاصة لمن لهم صلة حضارية بالأندلس. ملكت أيضا مسودات لأبحاث ودراسات يمكن أن تشكل كتباً، لكنها كانت مقتنعة أن الظروف العامة والخاصة تقسو علي الكاتب أحياناً فيشعر ألا جدوي من الكلمة وأنه هو يشعر بأهميتها البالغة.