هذا ديوانٌ خاص، له لغتهُ الخاصة ورؤيته الخاصة، أخذ علي عاتقه لغةُ الكتاب المقدس باختزالها، وكثافتها، وقدرتها علي النفاذ إلي المشاعر والأفكار. وعلي الرغم من أن الشاعر متمرد علي كل ما هو ثابت أو متخثر، فإنه ينشد الأناشيد لواحدته في مائة واثنين من الأناشيد الشعرية ذات الإيقاع المستمر لهذه الواحدة التي تتوازي مع الوطن حيناً ومع الحبيبة والابنة حيناً آخر، وهي التي تسعفه بالخيال والصور الشعرية الملفتة. وهي التي تمثل له مركز الدلالة المولدة أكثر من مائة مرة، فهي المآل الدائم، وهي المولِّد الشعري الذي يبدأ به لينتهي، ولهذا هو لم يعرف النشيد الأخير، فعوَّضه بعلامة استفهام، ولخَّص النشيد الأول في كلمةٍ واحدة: "أحبك"، وهي الكلمة المفتاح التي تحولت إلي الخطاب الدائم، والآخر الذي يمثل مفتاح الأنا الشعرية، لتصير هي واحدته، ويصيرُ هو واحدها. ومن النشيد الثاني حتى الثاني بعد المائة، والواحدة تشعل خياله وقلبه ضد كل ما هو ضد الوطن، وكل ما هو ضد الحرية. من هنا يتقلَّب الشاعر وتتقلَّبُ المحبوبة بين الحلم والحقيقة.. بين الحلم والرجاء والتمني. من هنا تنساب كلمات قدسية من معجم المقد َّس والطاهر لتلتصق بها مثل: القداسة، والضوء، الشمس، الصبح، القمر، العيون، الخلاص، الشجر، الضياء، الرؤيا، الفرحة، الطزاجة، الإشراق، العصافير، الضمائر، الرضا،المصباح، الفرحة، الوضوء، التأمل. كل هذا ضد معجم الظلم والظلام والليل والاضطهاد، والموت، والعطب، والغسق، والنصب، والغرباء والجوع، والتخثر، والحزن، والشيطان، والقيظ، والشقاء، والجثة، واليتم،والتسول، والقئ، والبصق، والتشوه. وهما معجمان متقابلان طوال النص، حتى أننا نلمح ما بين المعجمين رؤيةٌ خاصة للواقع الآن الذي يراه أليماً، والواقع الحلم الذي يراه بعيداً في السماء، ويراه في الغد المأمول، وهو ما يلخّصه في النشيد الرابع والخمسين في قوله: ياواحدتي عيناكِ سؤالٌ عن قمرٍ.. وطريق وضميري يسرج أخيلة تستطلع سرَّ عواصمها، فيراوغُ ليلُ نقابك صهوتها وتعودُ يكبلها سحرٌ وبريق وتستمر الأحلام في سرد شعريٍ متصل يحاول الشاعرُ فيه أن يتوحد بعد الانقسام، ليتجلي فيه النور والصبح والحلم من جديد، يتطهَّر اليوم في الوطن، ليعود الغدُ الجنين طفلاً ملائكياً. ولذلك تتردد كلمة الوطن مثلما تتردد كلمة واحدتي، يقول: ياواحدتي أحتاجُ وطنْ أهواكِ وطنْ فأنا قد أرهقني الترحالُ إلي جزرٍ يتقرصنُ فيها الموتُ ليسرق أيامي. هي رحلةٌ روحية مع الواحدة المحبوبة والواحد المحبوب، تمزجُ الوطني بالصوفي بالمادي، هي رحلةٌ شعرية متميزة لأيمن صادق، أرجو أن يواصلها مرة أخري.