كتب أمير الشعراء أحمد شوقى 1868 1932ديوانا رائدا للأطفال يتألف من 8 قصائد و8 أناشيد، وهو ديوان مكتوب بلغة فصحى بسيطة، وحرفية شاعر متمكن من أدواته الفنية، وعقلية مُرَبٍّ يسقى طفله نصائح مفيدة ولذيذة ككوب اللبن المحلى بملاعق من سكر الفن الجميل. فقصائد هذا الديوان تحبب الطفل فى الأسرة بداية من الأم وانتهاء بالجدة، كما تحببه فى النظافة والرفق بالحيوان والمدرسة والنيل، حتى نصل إلى القصيدة الثامنة والأخيرة والتى تحمل عنوان «الوطن» وتصور عصفورتين تقفان على غصن جاف فى شجرة مجدبة بصحراء قاحلة، تمر عليهما سحابة قادمة من جنة عدن، فتأسى لحالهما وتدعوهما للركوب على ظهرها لتنقلهما إلى هذه الجنة فى سهولة ويسر بعد ساعة واحدة، لكن الرد عليها جاء على النحو التالى: قالت له إحداهما والطير منهن الفَطِنْ: يا ريح أنت ابن السبيل ما عرفت ما السكن هب جنة الخلد اليمن لا شىء يعدل الوطن وتمثل هذه القصيدة مفتاح درس الوطن، الذى يبدأ بها ويستمر فى الأناشيد الثمانية التالية التى تمثل النصف الثانى من الديوان وهى أناشيد: الكشافة، ومصر، والشباب، ودعاء الصباح، ودعاء النوم، ودعاء المحن، والمدارس، ومدارس البنات. وإذا كان يمكن أن يختلف بعض الباحثين حول مدى الجدوى التربوية للقصائد الشعرية التى تمثل نصف الديوان الأول، فإنه لا مجال للجدل حول دور مجموعة الأناشيد التى تمثل نصف الديوان الثانى فى تعليم الأطفال حب الوطن وتعميق إحساسهم بالانتماء، وبخاصة أن أفضل وسيلة لتعليم هذا الدرس الذى نشكو من تراجع أبنائنا فى استيعابه هى الفن. ففى نشيد الكشافة يبدأ شوقى بالدعاء للوطن، حيث يقول: نحن الكشافة فى الوادى جبريل الروح لنا حادى يا رب، بعيسى، والهادى وبموسى خذ بيد الوطن ثم يعدد بعد ذلك خصال فضائل شباب الكشافة ويدعو للانضمام إليها، قبل ختام النشيد بالدعوة للوطن مرة أخرى، حيث يقول: يا رب فكَثِّرنا عددا وابذل لأبوتنا المددا هيئ لهم ولنا رشدا يا رب،وخذ بيد الوطنِ أما نشيد الشباب فيبدأ بقوله: هيا بنى وطنى نسودْ نبنى كما بنت الجدودْ هيا بنا رغم الحسودْ نسمو إلى سعد السعودْ *** طَلَبُ الفخار بلا ثمنْ عارٌ على أهل الفِطَنْ هيا افتدوا مصر الوطنْ فالحر عن وطنٍ يزودْ أما نشيد «دعاء الصباح» فيختمه بقوله: ربنا ها قد مددنا باليدينِ نترجى رحمة للوالدينِ فتقبَّل واقض عنا كل دينِ ربنا وابعث لنا الرزق الحلالْ *** ربنا اللهم أصلح شأننا وأقم فى نفعنا حكامنا ربنا واحفظ بنا أوطاننا واجعل الملة فى أوج الكمالْ كما يختتم نشيد «دعاء النوم» بقوله: إلهى اعطف على وطنى ودارى وأكرم والدىَّ وراعِ جارى وقَصِّر ليلتى واجعل نهارى نهار العاملين الصالحينا كما يختتم نشيد«دعاء المحن» بقوله: يا ربنا إن الفتنْ قد كدرت صفو الوطنْ فاجعله يا رب المننْ فى ظلك السامى الظليل ويفتتح نشيد «مدارس البنات» بقوله: الله يرضى والنبى عنا بنات المكتبِ عنا وعن صنع الأبِ والمرشد المؤدبِ *** ويحفظ الله الوطنْ من الشرور والفتنْ فهو المقوى للفطنْ فينا بحسن الأدبِ *** بنا عماد العائله قامت وكانت مائله فما لأمٍ جاهله من ولد مهذبِ وعلى الرغم من أن الأجزاء التى اقتطعتها من الأناشيد الست السابقة لا توضح للقارئ القيمة الفنية الحقيقية للنصوص الكاملة، فإنها توضح ذكر الشاعر للوطن فى نصوصها كافة وإخلاصه فى محاولة غرس محبته فى قلوب الأطفال، وهنا يثور سؤال: لماذا لم تأخذ هذه الأناشيد الوطنية حقها من الشهرة والذيوع ونحن فى قمة افتقادها على المستويين الفنى والاجتماعى؟ وربما أدركنا السبب من النشيدين الباقيين، حيث يبدأ الشاعر نشيد «مصر» قائلا: بنى مصر مكانكمو تهيا فهيا مهدوا للملك هيا خذوا شمس النهار لها حليا ألم تك تاج أوَّلِكم مَلِيَّا؟ *** على الأخلاق خطوا الملك وابنوا فليس ورائها للعز ركنُ أليس لكم بوادى النيل عدن وكوثرها الذى يجرى شهيا؟ وصحيح أن الشاعر يبدأ قصيدته بالإشارة إلى «المُلْك»ونحن فى عصر الجمهورية، لكن يمكن تفسير اللفظ فى إطار رمزيته الواسعة التى تشير إلى السيادة المطلقة، بل يمكن حذف المقطعين السابقين جملة من مقدمة النشيد، حتى لا نُحْرَم من المقاطع التالية التى تبدأ بداية أقوى فنيا من وجهة نظرى،حيث يقول : لنا وطن بأنفسنا نقيهِ وبالدنيا العريضة نفتديهِ إذا ما سِيلت الأرواح فيهِ بذلناها كأن لم نعطِ شيَّا *** جعلنا مصر ملة ذى الجلالِ وألَّفنا الصليب على الهلالِ وأقبلنا كصَفٍّ من عوالِ يشد السمهرىُّ السمهريَّا أما النشيد الآخر فهو نشيد «المدارس» الذى يبدأ بقوله : مصر النعيم هى الوطنْ وهى الحمى وهى السكنْ وهى البديعة فى الزمنْ فجميع ما فيها حسنْ وتكمن المشكلة فى المقطع الأخير من النشيد، والذى يمكن حذفه دون إخلال بالمعنى، حيث يقول الشاعر: يا مصر عيشى بالأمينْ عباسنا الثانى المكينْ حصنا نلوذ به حصينْ وتقدمى طول الزمنْ لقد عاش أمير الشعراء أحمد شوقى متهما بأنه شاعر الملك، وبغض النظر عن مدى حقيقة هذا الاختيار السياسى فهو اختيار لا ينفى عنه وطنيته، وكأن الوطنية اختراع لم نعرفه إلا بعد الثورة. فغناء هذه الأناشيد التى ليس لها نظير كفيل بتعميق الانتماء، وتحسين مستوى اللغة العربية، والارتقاء بالذوق الجمالى العام.