الفاتيكان يدعو إلى وقف القصف الإسرائيلي على غزة    ماريسكا: التتويج بدوري المؤتمر الأوروبي سيكون إنجازًا تاريخيًا    حواء على طريق الريادة| خلية نحل بالأكاديمية الوطنية لإنجاز برنامج «المرأة تقود للتنفيذيات»    أمانة الإعلام بحزب الجبهة الوطنية: حرية تداول المعلومات حق المواطن    انخفاض أسعار النفط بالأسواق بسبب مخاوف من زيادة المعروض    القوات المسلحة تنعى اللواء محمد علي مصيلحي وزير التموين الأسبق    توقيع بروتوكول تعاون بين وزارة الأوقاف والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية    «جيتوهات الجوع».. مشاهد مأساوية تكشف فشل الاحتلال فى توزيع المساعدات ب غزة    رئيس وزراء قطر يؤكد استمرار الجهود مع الشركاء لخفض التصعيد بالمنطقة    الرئيس اللبناني: دعم الإمارات يجسد عمق العلاقة الأخوية    معهد البحوث الفلكية: زلزال 22 مايو الماضي كان الأقوى.. ومع ذلك شعرنا بزلزال 14 مايو أكثر لهذا السبب    برشلونة يعلن رسميا تجديد عقد لامين يامال    برشلونة يجدد تعاقد لامين يامال    محافظة الجيزة: ضبط 2.5 طن دقيق بلدي مدعم بحدائق الأهرام    متجاهلة أزمتها مع محمد رمضان.. ياسمين صبري: «المشروع X أهم من أي حاجة»    من الكويت إلى دبا.. مصعب السالم يعيد صياغة يونسكو بلغة معاصرة    هل يأثم من ترك صيام يوم عرفة؟.. أمين الفتوى يحسم الجدل    فتاة تسأل.. هل أصارح خطيبي بمرضي؟.. أمين الفتوى يجيب    حالة الطقس غدا الأربعاء 28-5-2025 في محافظة الفيوم    «حيازة مخدرات».. المشدد 6 سنوات ل عامل وابنه في المنيا    بسبب تراكم الديون... شخص ينهي حياته بعد مروره بأزمة نفسية بالفيوم    المؤتمر: لقاء الرئيس السيسي برجال الأعمال الأمريكيين خطوة مهمة لجذب الاستثمارات    رئيس الوزراء يشهد احتفالية تطوير مدينة غرناطة بمصر الجديدة    أفشلت مخططات المذيع الأمريكي للنيل من حضارة مصر.. زاهي حواس يكشف كواليس حواره مع "جو روجان"    زينة "مش هتنازل عن حقي وحق ولادي وأحنا في دولة قانون"    أسهم شركات "الصلب" و"الأدوية" تتصدر مكاسب البورصة المصرية وتراجع قطاع الاستثمار    غضب لاعبي الزمالك بسبب نقل مفاجئ لتدريبات الفريق (خاص)    «متى تبدأ؟».. امتحانات الفصل الدراسي الثاني للشهادة الاعدادية 2025 بالمنيا (جدول)    رئيس اتحاد النحالين يكشف حقيقة فيديو العسل المغشوش: غير دقيق ويضرب الصناعة الوطنية    صحة المنوفية تواصل جولاتها الميدانية لتطوير المستشفيات وتحسين الخدمة المقدمة للمواطنين    31 بالقاهرة.. الأرصاد تكشف التوقعات التفصيلية لطقس الأربعاء    "المشاركة في أفريقيا".. أول تعليق لمحمد عزت مدرب سيدات الزمالك الجديد    ب"فستان جريء"..هدى الإتربي تنشر صورًا جديدة من مشاركتها في مهرجان كان    بيان عاجل بشأن العامل صاحب فيديو التعنيف من مسؤول عمل سعودي    السعودية تعلن غدًا أول أيام شهر ذي الحجة.. وعيد الأضحى الجمعة 6 يونيو    بعد دخوله غرفة العمليات..تامر عاشور يعتذر عن حفلاته خلال الفترة المقبلة    وزير العمل يُسلم شهادات دولية للخريجين من مسؤولي التشغيل بالمديريات بالصعيد    «الإفتاء» تكشف عن آخر موعد لقص الشعر والأظافر ل«المُضحي»    وكيل صحة البحيرة يتفقد العمل بوحدة صحة الأسرة بالجرادات بأبو حمص    السياحة لأمريكا تتراجع.. كيف أطاحت سياسات ترامب التجارية بثقة الزوار؟    تشابي ألونسو يسعى لخطف "جوهرة باريس"    6 أدعية مستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة.. أيام لا تُعوض    ذكرى ميلاد فاتن حمامة فى كاريكاتير اليوم السابع    "ملكة جمال الكون" تضع تامر حسني والشامي في قوائم المحتوى الأكثر رواجا    ميار شريف تخسر منافسات الزوجي وتودع رولان جاروس من الدور الأول    غياب ثلاثي الأهلي وبيراميدز.. قائمة منتخب المغرب لفترة التوقف الدولي المقبلة    مؤتمر الأعمال العُماني الشرق أفريقي يبحث الفرص الاستثمارية في 7 قطاعات واعدة    دليل كليات الطب المعترف بها عالميا في مصر للطلاب المصريين والأجانب    نشاط للرياح وارتفاع أمواج البحر على سواحل البحر المتوسط بالإسكندرية.. فيديو    الإدارة العامة للمرور تبدأ تجربة «الرادار الروبوت» المتحرك لضبط المخالفات على الطرق السريعة    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو مشاجرة بورسعيد    قراءة فى نصوص اتفاقية مكافحة الأوبئة    قرار جمهوري بإنشاء جامعة القاهرة الأهلية    خلال 24 ساعة.. ضبط 146 متهمًا بحوزتهم 168 قطعة سلاح ناري    تؤكد قوة الاقتصاد الوطني، تفاصيل تقرير برلماني عن العلاوة الدورية    الزمالك يتفق مع مدرب دجلة السابق على تدريب الكرة النسائية    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية.. شاهد    في إطار التعاون الثنائي وتعزيز الأمن الصحي الإقليمي.. «الصحة»: اختتام أعمال قافلتين طبيتين بجيبوتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فيروز في الميلاد ... قصة قصيرة
نشر في شموس يوم 26 - 12 - 2012

عشية الميلاد، تقدمت فيروز بخطي خفيفة الي مذبح كنيسة مار جاورجيوس ورتّلت: يا مريمُ البُشر فقت/ الشمس والقمر/ وكل نجم بأفلاك/ السماء سري. دائما أخلط بين صوتها، وبين الولادة الإلهية الوشيكة، ويصيبني دوار. من ضعفي وهزالي يصيبني الدوار، ومن كونها بهية الي هذا الحد. أدوخ. مهما يكن، أشعر أنني لن اقوي علي سماعها تغني علي هذه الشاكلة. سأموت لشدة حزني. كانت فيروز في زاوية من الردهة الواسعة غير المضاءة جيدا، تأتلق بنورها الشخصي وقد ارتدت أسودها، كاشفة عن عنقها الاسمر الرهيف. لكي اهديء خفقان قلبي وقفت اخر الواقفين، لا تفارق نظرتي ذلك الفم المزموم الذي أيبسته الأشجان وثلمته. وهي أحنت رأسها وأنشدت: انا الأم الحزينة/ ولا من يعزيني/. كانت ترتل الان وقد تهدلت قليلا كتفاها المدورتان. لم يكن صوتها، كيانها كله الا حبا. لماذا ترتبك الأمور في قلبي حين تغني فيروز! ما أشد إبيضاض صوتها ترسله في مداعبة طفل وليد.
في انعكاسات الضوء من سقف الكنيسة توردت وجنتاها كالنار. بدا أن شيئاً سيحدث بداخلي في اية لحظة. كان صوتها يسترسل، وما كان بوسع الآلهة ان تسمع أحلي منه. إنسحبت نائية حتي درج الكنيسة. وقفت للحظة أرقبها كلها. لو انها نظرت إلي لعرفت كم احبها. هل ممكنٌ صوتها؟ هل إنسانيٌ؟ أليس قيثارة ذات أنين غريب؟ لكنها وقد غلبها حياء وفرح، أبقت عينيها منكستين وارتفع قليلا شدوها.
يقبل إلي صوتها مختالا كأنما يطلع من رحاب شمس. يقبل كبيرا صوتها، ويقبل قويا، ثم حانيا، وأبداً مع موسيقاه الخاصة.
احد تلك المقاطع السريعة العالية النغمة التي رتلتها لطفل الرب، هو نوع من مناجاة سحرية، وشيء رحيم عفي: بنت داوود قد بكت/ فأبكت نواظريها ومعها حلت بسامعيها نشوة قصيرة، وحادة كنصل مدية.
خرجت الي هواء الميلاد الذي يدوم علي المدينة. فتحت فمي لكي استرجع بصوتي ما غنته، ثم اطبقته مسرعة. كان امرا مهما الي ابعد الحدود ان احتفظ بصوتها وحده، كان امرا مهما الي ابعد الحدود ان احتفظ بصوتها وحده، كاملا في صدري. وانني علي امتداد ما يبقي من عمري، سوف اختار صوتها، وانني بسبب من صوتها الذي اطلقته في الكنيسة هذه الليلة الميلادية، شرعت في استلطاف العالم، وان أيا منا، هي وانا، لم يكن لدينا سبب واحد، لكي لا نستلطف هذا العالم الجميل.
أذهب الي المقبرة صباح آخر يوم في السنة. أنظر الي الشاهدة التي كتب عليها اسم ابي، وافكر انه ينبغي ان اضيف تعريفاً ما عنه، وافكر ايضا اننا نلتقي قريباً، وانني ان كنت بقيت حية حتي اللحظة، فهذا لانني استحي ان اموت، وامي موجودة. كنت وهذا الرجل الوسيم الراقد الان هنا، نعيش. لم نكن معا في عيشنا، نحدث صخبا كبيرا. كنا نتحابب بأقل الصخب. افرح بما يعطيه، ويقلب بما اعرف ان اعطيه.
كنت انهي فروضي علي عجل لأنصرف الي تأمله. أمضيت معظم سنوات عمري وانا أتأمله. أذكر تلك البهجة، وحيرتي: من هذا الرجل المتخم بالأحلام العسيرة الاحتمال، مع ذلك يبتسم ابدا. وانا التي كنت اعتدت الحياة في ترف وسامته، لا اعرف كم مكثت ميتة حين مات. سقط جسمه المتين الضخم في فنائه، وما زال شيء ما في الهواء، يبتسم في الظلام، فأتعرف ابي واسأله ان يفيق، فلقد نمت اقول له نوما طويلا بقيت نائما طوال سنوات ثلاث وانا اكبر في نومك وأقترب منك.
اذهب الي المقبرة اخر يوم في السنة لانه عيد ميلاده. كان عيده وكان اكثر رجال الأرض تيها ولطفا وحسنا. كنا نحتفل بعيده اكراما لملامحه الطفلة التي تندي في العيد، ونروح نغني له، وهو يطفيء شموعه بنفخة واحدة عاصفة. وذات يوم لم يعد في مكانه في العيش. خلّف الأيام وراءه وخلفني، ويلوح الامر كما لو حل الاعياء في العالم كله. نسي البدلة البيج ورحل. نسي دفتر مذكراته، فأيقنت انه انما ذهب، ولن يعود ابدا.
انني انتظرك مع ذلك. لقد نمت ثلاثة اعوام، وها انت ترفض النهوض ولا تبذل جهداً لتراني، انا التي غدا تنفسي حزينا، وكل نجومي اثرك غادرت. رحيلك الأكثر عتمة من أي شيء معتم في البحر او في البر.
خلال تلك الظهيرة التي هاتفني فيها احدهم ليقول لي انك رحلت، هزني شعور رطب اجتاح معدتي. امطرت السماء طوال اسبوع بعد رحيلك. لكنها كما لو امطرت بطريقة اخري، لان شيئا مختلفا ومريرا كان يحدث في قلبي، وبدا جارحا غيابك المبتل وجارحا بردك، وجارحة الجدران المغسولة وعروق الدرب التي انتفخت بماء المطر.
المصدر: موقع زيتونة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.