لا تحتكريني آنستي, و لا تغلقي على كل ما وهبتك طوعا صندوقك العاجي, فتحرمين العالم معرفة التفاصيل الصغيرة عن حكايتنا... فتموت بذلك كل الرؤى التي رأيناها معا, و كل الأمنيات و كل الأمسيات, قد آن الأوان... لتردي بعض المواعيد القديمة, و لتحيي بعض الذكريات, أرجعي آنستي شدو العصافير على شجري, و استري عورة صحرائي, و زينيني كلوحة الرسام, زينيني كلوحة اتخذت من الزمان مرجعية لها, تدعى مرجعية نيسان, ردي إلي بعض أغنياتي, و قصائدي و ملامحي و جنوني, و لا تتمردي و لا تتألهي, و لا تجعلي الأسى أكبر عناويني, و لا ترسلي الأحزان, أ لا يستحق الهوى الجميل الذي عشناه سوية أن يوقظ البركان ؟ أ لا يستحق الهوى الذي عرفناه أن ينبش أضرحة الكتمان ؟ أ لا يستحق من حكمت بالإعدام عليه آنستي... أمنية أخيرة ؟ و صلاة أخيرة.. لعلها تغفر لي الكلمات, و الأماكن و الذكريات , ما اقترفناه من نسيان , هذي يدي فانظري ما حملت.. غير باقات الورود ما حملت, غير بطاقات الأعياد ما حملت, غير رسائلي المنسية ما حملت, فماذا تراها يداك قد حملت, طبعا كل السلاسل و القيود, كل أشكال البرود, كل أصناف الجمود قد حملت.. فخذي يدي و لو للقيد, قيديني فالسجن لغير هواك لا أهواه... و اصطباري لكل الجفاء كم أهواه.. أ ليس السجن للصادق تجربة... من بعدها ينال ما يتمناه ؟ ا ليس في السجن سكن يوسف؟ و هو الصديق نبي الله .. أ ليس القيد صنع أيدينا .. فلماذا نخشى ما صنعناه ؟ أ لسنا من يكتب حكايات الحب دوما .. فلم نخاف ما كتبناه ؟ أ لسنا نختار الخواتيم بأنفسنا .. فلم نبك على كل ما اخترناه ؟ أ ولسنا من يهجر بعضنا بعضا .. فلم الندامة على من هجرناه ؟ أ لسنا من يوصد الأبواب في الحب و يغلقها .. فلم الدموع على باب أوصدناه ؟ آه...ما أبكى العصافير هنا اليوم ؟ أ تحزن الدنيا على جرم اقترفناه ؟ أ تنام النجوم ملئ أدمعها ؟ و تنتحب القصائد على أعتاب درب كنا قد سلكناه ؟ ردي بالله للعصافير بسمتها.. و للدنيا فرحتها.. و للنجوم زينتها.. و للقصائد بهجتها.. حتى لا يقال بأني رجل, ضحى بكل جميل لأجل امرأة من مرمر, امرأة كتمثال آلهة قديمة, لا تصغي سمعا لأدعية زوارها, و لا تلق بالا لمن ضحى بكل نفيس, و قد سجد بكل تواضع الدنيا بباب مزارها..