وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يترأس اجتماع الجمعية العامة لشركة مصر القابضة للتأمين.    وزير قطاع الأعمال: تعزيز التكامل بين المؤسسات الصناعية الوطنية والتقنيات الحديثة ضرورة لتقليل الواردات    وزيرا الاتصالات والتضامن يشهدان توقيع مذكرة تفاهم وبروتوكولين للتعاون    محافظ قنا يتابع جاهزية المخابز والأسواق استعدادا لعيد الأضحى المبارك    مسؤول في مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني: دمرنا 13 طائرة على الأقل خلال هجوم على قواعد جوية روسية    الخارجية الإيرانية: التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية "مكرر وخاضع لنفوذ الدول الغربية"    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    بوركاردت يغادر معسكر منتخب ألمانيا بسبب الإصابة قبل مواجهة البرتغال في دوري أمم أوروبا    ترتيب الكرة الذهبية بعد فوز باريس سان جيرمان بدوري الأبطال.. مركز محمد صلاح    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    «يا له من عار».. ردود أفعال غاضبة بعد منع مقابلة محمد صلاح مع جاري لينكر    إصابة 4 أشخاص في اقتحام سيارة ملاكي لكافيه بأكتوبر    مصرع شقيقين في تبادل إطلاق نار مع الشرطة بقنا (تفاصيل)    503 ساحات لصلاة عيد الأضحى بالمنوفية.. والمحافظ يوجه برفع درجة الاستعداد بجميع القطاعات الخدمية    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    إيرادات فيلم «ريستارت» تتراجع.. كم حقق في دُور العرض الأحد؟    الأربعاء.. قناة الوثائقية تعرض الجزء الثاني من فيلم «الزعيم.. رحلة عادل إمام»    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لما ورد عن الرسول.. ردده كثيرًا الآن لقضاء الحوائج    وزير الصحة: زيادة ميزانية الطب الوقائي بدلا من الاعتماد بشكل كامل علي العلاج    استعدادا للعيد.. تعقيم المجازر ورش وتجريع الماشية في المنيا    نقيب المحامين يقرر صرف 500 جنيه منحة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    السعودية: أخرجنا أكثر من 205 آلاف شخص من مكة حاولوا الحج بلا تصريح    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    وزيرة التنمية المحلية توجه بتوفير اللحوم بأسعار مخفضة في عيد الأضحى    محافظ المنوفية يأمر بصرف مساعدات مالية ومواد غذائية لحالات إنسانية    "غصب عن الرابطة".. مدرب بيراميدز يوجه رسالة نارية بعد التتويج الأفريقي    الكشف عن موعد عرض مسلسل "فات الميعاد"    المدير التنفيذي: أنجزنا 99% من مشروع حدائق تلال الفسطاط    تفاصيل مظاهر احتفالات عيد الأضحى عبر العصور    البنك المركزى يعلن عطلة البنوك لعيد الأضحى تبدأ الخميس وتنتهى الإثنين.. فيديو    محافظ القليوبية يكلف رؤساء المدن برفع درجة الطوارئ خلال إجازة عيد الأضحى    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو    نائب وزير الصحة: إعطاء 65 مليون جرعة تطعيمات سنويا لحديثي الولادة وطلاب المدارس    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    الخانكة التخصصي تنقذ حياة رضيعة تعاني من عيب خلقي نادر    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة في غزة (تفاصيل)    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    الإصلاح والنهضة: صالونات سياسية لصياغة البرنامج الانتخابي    إدارة ترامب تواجه انتقادات قضائية بسبب تضليل في ملف الهجرة علنًا    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    التضامن: انطلاق معسكرات "أنا وبابا" للشيوخ والكهنة لتعزيز دور القادة الدينيين في بناء الأسرة    منافس الأهلي.. بالميراس يفرط في صدارة الدوري البرازيلي    رئيس التشيك: نأمل في أن تواصل قيادة بولندا العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    موعد عودة الموظفين للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025    بركات: بيكهام مكسب كبير للأهلي ووداع مستحق لمعلول والسولية    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    مجلس الأمن الأوكرانى : دمرنا 13 طائرة روسية فى هجوم على القواعد الجوية    4 أبراج تتسم بالحدس العالي وقوة الملاحظة.. هل أنت منهم؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    هل حقق رمضان صبحي طموحه مع بيراميدز بدوري الأبطال؟.. رد قوي من نجم الأهلي السابق    محمود حجازي: فيلم في عز الضهر خطوة مهمة في مشواري الفني    محافظ الشرقية يشهد فعاليات المنتدى السياحي الدولي الأول لمسار العائلة المقدسة بمنطقة آثار تل بسطا    محمد أنور السادات: قدمنا مشروعات قوانين انتخابية لم ترَ النور ولم تناقش    "زمالة المعلمين": صرف الميزة التأمينية بعد الزيادة لتصل إلى 50 ألف جنيه    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرض الملايكة وطموحات البشر
نشر في شموس يوم 09 - 11 - 2012


المؤلف وإبداعاته الأدبية:
الكاتب المسرحي/ السيد فهيم (السيد محمد فهيم جاد) من مواليد 6/2/1975 بمحافظة الشرقية (منيا القمح)، وهو نموذج مثالي ومشرف للمبدع والأديب الهاوي، فهو أديب جاد مهموم بقضايا وطنه وغزير الإنتاج نسبيا، ولكنه بالرغم من غزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه في أكثر من مجال إبداعي وبالرغم من إيمانه بموهبته وعشقه الكبير للآداب والفنون إلا أنه قد رفض أن يتخذ من إبداعاته وسيلة للارتزاق والكسب، وفضل أن يظل محتفظا بحرارة وتوهج حبه الرومانسي لهما، فاختار دراسة عملية شاقة ومهنة سامية وهي طب الأسنان، وبالفعل فقد تخرج في جامعة القاهرة عام 1998 بحصوله على درجة البكالوريوس، ثم حصوله بعد ذلك وبالتحديد عام 2010 على درجة الماجستير في جراحة وأمراض الفم (من جامعة القاهرة أيضا)، ويحسب له في هذا الصدد إصراره على ممارسة عمله حتى الآن بنجاح بمستشفيات "جامعة بنها".
ومما يؤكد حجم وأصالة موهبته ومدى إصراره على ممارسة الفنون – بعد تخرجه في الجامعة - أنه قد حرص على دراسة قواعد الكتابة الدرامية، وكذلك على الارتباط ببعض الهيئات والمؤسسات الثقافية ولعل من أهمها: إتحاد الكتاب المصري الذي نال شرف عضويته، وأيضا حرصه على نشر أعماله المختلفة سواء بالصحف والمجلات الأدبية أو من خلال إصدارات خاصة، وذلك بالإضافة إلى إصراره على متابعة مراحل العمل المختلفة (البروفات) الخاصة بتقديم بعض نصوصه الدرامية من خلال فرق الهواة المختلفة سواء بالمسرح المدرسي والجامعي أو من خلال فرق الهيئة العامة لقصور الثقافة (الثقافة الجماهيرية) وفرق المجلس الأعلى للشباب والرياضة .
هذا وتضم قائمة أعماله الإبداعية المنشورة - بخلاف عشرات المقالات والدراسات والقصص القصيرة بالصحف والمجلات الأدبية - الأعمال التالية: الشرنقة: (مسرحيتان) عام 2008، أناخوليا: (رواية) عام 2009، وراء الشمس: (ثلاث مسرحيات) عام 2010، كفارة: (رواية) عام 2011، ومازال له تحت الطبع بخلاف هذه المسرحية (أرض الملايكة) مسرحية أخرى بعنوان: فات علينا بكره، وذلك بالإضافة إلى رواية بعنوان: بنات الحور ومجموعة قصصية بعنوان: الهامش، وبذلك يكون العدد الإجمالي لمؤلفاته الإبداعية - التي نشرت أو تحت النشر - سبعة مسرحيات، وثلاث روايات ومجموعة قصصية واحدة.
ويتضح مما سبق أن المسرح يشغل مساحة كبيرة من اهتمامات الأديب السيد فهيم، وهذا منطقي خاصة وأن موهبته الأدبية قد كشفت عن نفسها في البداية من خلال المسرح المدرسي، وذلك حينما كتب أول نصوصه المسرحية أثناء دراسته بالصف الأول الثانوي بعنوان: "إبليس ضد إبليس"، كما عرض له أول نص مسرحي علي خشبة المسرح المدرسي بعنوان:"ملك الملوك" عام 1994، وذلك بالطبع قبل تقديم نصوصه من خلال مسارح الأقاليم ومن بينها: محاكمة الأستاذ شحتوت، الجبانة، البيت بيت أبونا، تاريخ تحت الحصار، القطيع، وهي تلك المسرحيات التي أهلته للحصول على بعض الجوائز الأولي في التأليف سواء بمسابقات المجلس الأعلى للشباب والرياضة (مركز أول عن مسرحية "العبقري" عام 1995، المركز الثاني عن مسرحية "الجبانة " عام 1996)، أو من خلال مسابقة الجامعات (المركز الأول عن مسرحية " العبقري" عام 1998).
والجدير بالذكر أن الكاتب المسرحي/ السيد فهيم قد نجح في تحقيق هذا المستوى المتميز في نصوصه المسرحية نتيجة لتضافر وتكامل عدة عناصر وعوامل هامة، ولعل من أهمها بخلاف الموهبة التي وهبها الله له اكتسابه لمجموعة من الخبرات المختلفة وذلك من خلال متابعاته ومشاهداته المنتظمة للعروض والمهرجانات المسرحية، وهي تلك الخبرات التي حرص على استكمالها بالدراسة النظرية الحرة، ولكن يبقى عامل آخر أساسي وهو حرصه على كتابة نصوصه لخشبة المسرح، فهو من المؤلفين الذين يدركون جيدا أن النص المسرحي لا يكتسب قيمته الحقيقية وخلوده إلا من خلال تقديمه على خشبات المسارح ومن خلال رؤى فنية مختلفة لمجموعة متنوعة من المخرجين، وربما ساعده على فهم أسرار خشبة المسرح انجذابه في البداية إلى عالم المسرح كفن وليس كأدب للقراءة فقط، حيث بدأ نشاطه المسرحي بالتمثيل من خلال المسرح المدرسي ثم الجامعي، وأتيحت له من خلاله فرصة ذهبية بالعمل مع بعض المخرجين المتميزين ومن بينهم على سبيل المثال كل من المخرجين محسن حلمي، هشام عطوة، وفي هذا الصدد يجب التأكيد على أن تكرار التجارب وغزارة الإنتاج يعتبران من خير الوسائل لاكتساب الخبرات الفنية المختلفة.
هذا ويجب الإشارة في البداية إلى أن الكاتب المسرحي/ السيد فهيم من الكتاب الذين يؤمنون بأهمية الخطاب المسرحي وضرورة توظيف الفن لخدمة المجتمع، وربما تكون المقدمة التي كتبها في مقدمته لمجموعة مسرحياته "ورا الشمس" خير معبر عن معاناته في الكتابة وإحساسه بضرورة التواصل مع المتلقي حيث كتب: (كلام كثير جوايا نفسي أطلعه ... كثير ألاقي لساني عمال يجمعه ... لكنه يرجع يعاند وجوه قلبي يرجعه ... ومرة كلام يهرب بس الشفايف تمنعه ... إيديا تصرخ حرام وغصب عني عالورق تطلعه ... أشوف كلامي عالسطور أغضب أثور ... تقوم إيديا عالورق تقطعه ... أصل الكلام ده لو طلع مين م البشر راح يسمعه)، ومن خلال متابعتي لأعماله المختلفة أستطيع أن أسجل له إصراره على تناول قضايا الواقع والارتباط بهموم الطبقات الكادحة، وذلك بصور مختلفة وغير مباشرة، فهو كاتب يسعى من خلال قلمه للبحث عن الحقيقة ومحاولة المشاركة في بناء غد أفضل، وهو ما نجح في التعبير عنه بمقدمة مسرحيته "الشرنقة" حيث كتب: (الحقيقة كلمة من عمر الزمان ... كلمة تايهة زي موجة وسط بحر ملوش أمان ... زي دم بيجري فينا ... زي نور قدام عنينا ... زي شمس بتلاقينا مهما ليل الحيرة كان ... الحقيقة ياللي بتسأل هي فين؟ ... الحقيقة عايزة قلب يحس بيها مش عنين ... عايزة ضمير لساه بينبض بالحياة ... الحقيقة روح بتبحث عن كيان).
الحبكة الدرامية لأرض الملايكة:
قدم المؤلف من خلال نصه "أرض الملايكة" حبكة درامية محكمة الصنع اعتمدت على كثير من المفارقات والأحداث الدرامية المتتالية والمتصاعدة، والنص يتكون من فصلين وتسعة مشاهد (حيث يتضمن الفصل الأول أربعة مشاهد في حين يتضمن الفصل الثاني خمسة مشاهد)، وجميع المشاهد تتميز بسرعة الإيقاع وتدفق الأحداث، فهي مشاهد قصيرة تدور أحداثها في أربعة مناظر هي: مقر الاجتماع السري، مشارف المدينة، ساحة السوق، قصر الأمير.
والنص يتناول بصفة عامة ذلك الصراع الدائم والمستمر بين السلطة والشعب، ورغبة أفراد الشعب في التمتع بمزيد من الحريات وتطبيق قواعد العدالة الاجتماعية، خاصة بعدما تعرضوا لتلك المفارقة التي جعلتهم يعتقدون بأن السماء قد أرسلت لهم ملائكة لتعضدهم وتساندهم في تحقيق مطالبهم ومواجهة رجال القصر، والنص وإن كانت أحداثه الدرامية تدور في إطار غير محدد الزمان والمكان إلا أنه يلقي بكثير من الظلال على حياتنا المعاصرة بمصر وبعدد كبير من الدول العربية التي تتشابه معنا في واقعنا وتشاركنا في معاناتنا وأيضا في تطلعنا لغد أفضل.
ويحسب لمؤلف نجاحه في رسم صورة عامة لمعاناة الشعب من الظلم والقهر والفقر، حتى اضطر كثير من أفراده إلى الغربة والهجرة بحثا عن لقمة العيش أو هربا من بطش الحكام، كما يحسب له كشفه لبعض كواليس ودهاليز السياسة ومن أهمها ذلك التواطؤ الدنيء بين شيخ المنسر "جابر" وبين رئيس العسكر "جساس"، وأيضا نجاح بعض الخونة والعملاء في الانضمام إلى الحركات الثورية لإجهاضها (ومثال لهم "بشير") الذي يقوم بكتابة التقارير الأمنية والإبلاغ عن الثائرين، كذلك أوضح المؤلف كيفية استخدام السلطة أحيانا لبعض رجال الدين – سواء بالترغيب أو بالترهيب – لتضليل الجماهير وتحقيق بعض أهدافها، كما نجح أيضا في كشف بعض الأساليب القذرة لأجهزة الأمن ومن بينها استخدام وتوظيف الشائعات بوجود جماعات سرية تسعى للقيام بانقلابات وثورات، أو بزرع بذور الفتنة الطائفية بتفجير مسجد أو كنيسة، وذلك بهدف بث الرعب لدى الحكام وبالتالي ضمان الإبقاء عليهم في مناصبهم مع تعظيم نفوذهم بمنحهم الفرصة كاملة لشد قبضتهم على الجميع.
ومؤلف هذا النص يجيد قواعد الحبكة الدرامية، حيث نجح بصفة عامة في تقديم حبكة درامية تتضمن كثير من الأحداث والمفارقات، تلك الأحداث التي مهد لكل منها بصورة جيدة، كما نجح في رسم شخصياته الدرامية بوعي ليقود من خلالها ذلك الصراع الدرامي المتنامي بين طبقة الشعب وطبقة الحكام، ولعل نهاية الفصل الأول تكشف عن موهبته وذكائه في تقسيم الفصول والمشاهد بصورة تتناسب مع الأحداث وتحافظ على التشويق بصفة عامة، حيث استطاع من خلال مشاهد الفصل الأول أن يقدم لنا صورة متكاملة لانتشار الفساد بالدولة ومعاناة طبقات الشعب الكادحة، كما قدم لنا في خط مواز شخصيتي "نور الدين" و "ضياء الدين" واضطرارهما للفرار من بلدهما، ثم تعرضهما للسلب من قبل قطاع الطريق الذين سلبوا كل متاعهم وملابسهم وتركوهم في الخلاء بملابسهم الداخلية البيضاء، لتنتهي أحداث الفصل الأول باعتقاد بعض العامة بأن الله قد استجاب لدعائهم وأرسل إليهم ملائكة من السماء لمساندتهم ونصرتهم، وبالتالي فإن أحداث الفصل الثاني تبدأ باعتقاد الجميع بأن السماء قد أرسلت لهم ملائكة فعلا، وبالتالي تتشجع الأغلبية ويرتفع أصواتها للمطالبة بحقوقها المسلوبة، في حين يضطرب رجال السلطة ويحاولون استجماع قواهم للانقضاض على الثورة.
والجدير بالذكر أن تأثير ثورة يناير المباركة قد ألقت بظلالها على صياغة هذا النص ولكن بصورة غير مباشرة، حيث يتضح ذلك جليا من خلال صياغة بعض الحوارات وتضمنها لعبارات محددة ومن بينها على سبيل المثال:
- حوار الأمير بختام المشهد الأول بالفصل الثاني حيث يقول: لأ كله إلا الميدان ... روح يا وزير أنت ورئيس العسكر قولوا لهم القصر في خدمتكم ... المهم يبعدوا عن الميدان ... هو أنا حمل الميدان ... ربنا يكفينا شر الميدان وإللي في الميدان.
- كما يتضح أيضا هذا التأثير من خلال حوار الأمير مع الشيخ/ حجاب بالمشهد الثالث بالفصل الثاني حول مطالب الشعب حيث يقول: بصراحة أنا خايف أفوت لهم مرة يقوموا يتجرؤوا علينا وسقف المطالب يعلى.
- ومن الأمثلة أيضا التي يتضح منها تأثير الثورة جليا المشهد الرابع بالفصل الثاني، وذلك حينما قام الشعب بالثورة ومحاصرة قصر الملك حيث يقول رئيس العسكر "جساس" في حواره عن الشعب: كل محاولاتنا فشلت ... ما باقوش يخافوا من العسكر.
والأمثلة السابقة مجرد نماذج محددة ولكن بالنص كثير من العبارات التي تلقي بظلالها على الحالة الراهنة والفترة الانتقالية التي تمر بها مصرنا الغالية ومن بينها على سبيل المثال الحديث عن المتاجرة باسم الدين (بالمشهد الأول بالفصل الأول):
- (أعترض على المتاجرة باسم الدين ... أعترض على استغلال البسطاء والكادحين والمقهورين ... أعترض على تلبيس الحق بالباطل).
- (كفاية ... هانفضل نتخانق مع بعض لحد إمتى؟ البلد بتتنهب ومستقبلنا بيضيع).
وكذلك الإشارة إلى المطالب الفئوية التي ارتفعت بعد الثورة بصورة مبالغ فيها بنفس المشهد، حيث يطالب كل من التاجر والفلاح بمطالب فئوية كما يلي:
التاجر: (أنا كل إللي يهمني الجباية ... التجارة بارت والجباية كل يوم بتزيد).
الفلاح: (جيت من بلادنا عشان أشكي وجعيتي ووجيعة الفلاحين في الكفر).
الشخصيات الدرامية:
يمكن من خلال تقديم المؤلف لشخصياته الدرامية قبل بداية النص - للتعريف بها - أن نرصد حقيقة هامة وهي أن المؤلف قد قام بتقديم بعض الشخصيات بأسماء محددة (ومن بينها على سبيل المثال: حسن/ بشير/ نور الدين/ قمر الدين/ صباح/ عطيات)، في حين قام بتقديم بعض الشخصيات الأخرى عن طريق تلك المهن التي يعملون بها (ومن بينها على سبيل المثال الفلاح/ التاجر/ الجندي/ الحاجب)، كذلك تضمنت قائمة التعريف بالشخصيات تقديم بعض الشخصيات بالأسماء والمهن (ومن بينها كمثال الأميرة بدور/ الأمير تيمور/ الوزير تمام/ رئيس العسكر جساس/ شيخ المنسر جابر/ شيخ الجامع حجاب/ فرج التاجر)، ومما لاشك فيه أن التعريف الأخير يعد الأفضل خاصة وأن هذه التعريفات يمكن اعتبارها من أهم العتبات الدرامية التي تتيح للقارئ أو للمخرج ومجموعة العرض فرصة تكوين صورة متكاملة عن كل شخصية، وبالتالي يسهل بعد ذلك تصورها وتجسيدها إلى شخصيات من لحم ودم أو بتعبير آخر أن يصبح لها بأبعاد درامية محددة (مادية ونفسية واجتماعية)، ولعل ذلك يتضح من خلال تعريفه السريع لشخصية الملتحي حيث أن هذه الصفة المادية قد ترتبط بأبعاد أخرى اجتماعية ونفسية لدى كل قارئ/ مخرج على حدة، ففي حين ترتبط هذه الشخصية عند البعض بالورع وبقيم الإيمان فأنها قد ترتبط عند آخرين بفكرة الدجل والشعوذة واستغلال الدين.
الحوار المسرحي:
صاغ المؤلف حواره المسرحي من خلال لغة عامية بسيطة، اعتمد فيها على الجمل التلغرافية القصيرة متجنبا توظيف تلك المونولوجات الطويلة التي قد تتسبب بصفة عامة في بطء الإٌيقاع، ويحسب له نجاحه في توظيف المفردات اللغوية بما يتناسب مع كل شخصية درامية، ومن أوضح الأمثلة على ذلك حوارات الفلاح بالمشهد الأول بالفصل الأول: ( وأني لا مؤاخذة عامل زي تور الله في برسيمه ... جيت من بلدنا عشان أشكي وجعيتي ووجيعة الفلاحين في الكفر ... لقيت الحال في البندر لا يسر عدو ولا حبيب ... آل جبتك ياعبد المعين ..)، وكذلك حوارات الملتحي بنفس المشهد: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ... الشكوى لغير الله مذلة)، وإن كان قد جانبه الصواب فقط في صياغة حوارات الأميرة والتي تضمنت بعض العبارات السوقية – بلا تبرير درامي – ومن بينها على سبيل المثال تلك العبارات التي وردت في حواراتها مع الأمير و رئيس الحرس والوزير بالقصر!!: (وحياة أمك ... البهوات بيهزروا... رجالتك مش شايفه شغلهم ... جتكوا خيبة ... ممكن تنقطنا بسكاتك)، وذلك دون تحديد أو إيضاح للأبعاد الدرامية لشخصيتها والتي يمكن من خلالها إيجاد المبرر الدرامي لذلك، كذلك يجب التنويه بأن المؤلف قد استخدم كثير من الكلمات العامية الدارجة والتي - بالرغم من توافقها مع طبيعة النص – أفقدت لغة الحوار تلك الشاعرية المنشودة ومن بينها على سبيل المثال: نهج كده في أنصاص الليالي ... نطفش ... الشحططة ... كداب وموالس... التوريطة السودة ... وقعتنا سودة ... يسلمنا لدوكها ... أطاطي .. مهفوف ... علشان يحبسوا بكباية شاي ... بقت أسخم من الأول!!.
الروح الكوميدية:
يجب التنويه بأن مؤلف هذا النص يمتلك حسا كوميديا ساخرا استطاع توظيفه في تقديم بعض المواقف الكوميدية بلا افتعال، ومن أهم المواقف الكوميدية بالنص تجريد اللصوص لكل من "نور الدين" و "ضياء الدين" من ملابسهما وتركهما بالملابس الداخلية البيضاء حتى ظن أهالي البلدة أنهما ملكان قد هبطا من السماء لإنقاذهما، وكذلك تصور أهل القصر والحاشية أن الملائكة لا تأكل في حين كان كل من "نور الدين" و"ضياء الدين" يعنيان من الجوع الشديد، ومن المواقف الكوميدية أيضا تصرفات "ضياء الدين" والتي كشفت عن حسن نيته المبالغ فيها أو غبائه بصورة أدق عندما كشف لمجموعة اللصوص وقطاع الطريق عن قيمة ممتلكات سيده "نور الدين"، وكذلك أيضا التوظيف الجيد لشخصية "المعترض" والتي سخر من خلالها من جميع نماذج هؤلاء الذين يصرون على الاعتراض دائما بلا هدف سوى إثبات الذات و حب الظهور ولفت الأنظار إليهم.
ويوجد بالنص أيضا بعض المواقف الكوميدية التي اعتمدت على المفارقة ويمكن رصدها ومن بينها على سبيل المثال سماع صوت زئير الأسد والمارشات والموسيقى العسكرية ثم دخول مجموعات الحرس والخدم في أبهة أسطورية لنفاجأ بعد ذلك بدخول الأمير القزم الذي يرتدي تاجا بطوله تقريب!!.
هذا ولم تتضح قدرات المؤلف الكوميدية فقط من خلال صياغته لبعض المفارقات الدرامية والمواقف الكوميدية الصارخة ولكنها ظهرت أيضا من خلال صياغته لبعض الحوارات بأسلوب كوميدي ساخر كشف عن خفة ظل طبيعية بلا تكلف، حيث تضمنت الحوارات كثير من العبارات والجمل الساخرة – بلا أي شكل من أشكال خدش الحياء - ومن بينها على سبيل المثال السخرية من بعض المصطلحات السياسية ومثال لها "التعددية" التي تم تعريفها بأنها تعني بأن يقوم الجميع بالتعديد مثل الولايا، وكذلك السخرية من شهادات وأساليب شهود الزور حيث تعلق الأميرة على اقتراح رئيس العسكر "جساس" بإحضار شاهد عيان بقولها: (ما كل شهودك عيانين)، ومن الأمثلة أيضا ذلك الحوار بين الوزير ورئيس العسكر/ "جساس" وهو يدفعه للانصراف طبقا لشروط الملائكة المزعومة (إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين).
وتتضح أيضا تلك الروح الكوميدية من خلال حوار الشيخ حجاب مع عطيات حول دقنه (بالمشهد الرابع بالفصل الأول):
(عطيات: يعني خفت على دقنك يا شيخ حجاب؟
حجاب: خفت على هيبتي ، وبعدين أقابل ربنا إزاي من غيرها؟!
عطيات: من غير إيه بالظبط؟ هيبتك ولا دقنك؟)
النص الموازي:
بخلاف بعض العتبات الدرامية التقليدية كتقسيم النص إلى فصول ومشاهد وتقديم الشخصيات ووصف بعض المناظر تضمن هذا النص نصد دراميا موازيا ( نصا مرافقا) اشتمل على كثير من التفاصيل الهامة التي تكمل صورة المشهد المسرحي، وتوضح تفاصيل بعض الأحداث الدرامية كما تكشف بعض المشاعر والخلجات الإنسانية وتبين بعض ردود الأفعال، ويحسب للمؤلف حرصه بالنص الموازي على توظيف كافة المفردات المسرحية ومن أمثلة ذلك تقديمه لدخول الأمير بهذه العبارات بالنص الموازي: (نسمع صوت زئير مخيف ثم مارشات وموسيقى عسكرية تليق بقائد عظيم ... يسبق الأمير مجموعة من الحرس والخدم والحشم ... يدخل الأمير محمولا في أبهة أسطورية ... نفاجأ بأنه قزم بالغ القصر لكن يمتد ثوبه الفضفاض عدة أمتار خلفه كالطاووس وقد يساعده بعض الحاشية في حمله ... بينما يرتفع فوق رأسه تاج ملكي تقريبا بطول الأمير نفسه ... الجميع يرتجف أمام الأمير)
ختام النص والخطاب الدرامي:
الحقيقة التي يجب تسجيلها في النهاية هي أنني وبالرغم من إعجابي بهذا النص وتقديري لمؤلفه إلا أنني أختلف تماما مع تلك النهاية التي أوردها المؤلف بفشل الثورة ونجاح القصر في السيطرة على مقاليد الأمور، فهي نهاية استفزازية جدا وذلك بالرغم من إمكانية تبريرها بالرغبة في استفزاز القارئ/ المشاهد وحثه على اتخاذ فعل إيجابي، ولكنني أرى أن هذه الرؤية تعد سلاحا ذو حدين، وأن تأثيرها السلبي في خلق الشعور بالإحباط قد يكون أقوى وأكثر تأثيرا من التحريض على اتخاذ الفعل، خاصة وقد أظهر المؤلف أن الشعب قد عاد لينتظر مرة أخرى معجزة من السماء بعدما يأس من محاولات الإصلاح، وأنه لم يعد لديه سوى التضرع إلى الله بالدعاء لكشف الغمة وتحقيق العدل، وكنت أفضل أن يتم ختام النص بتلك الكلمات التي جاءت بنهاية حوار الشيخ حجاب بالمشهد الأخير: (مفيش ملايكة ... الملايكة فوق في السما ... ينزلوا يعملوا لكم إيه؟! ... دي أرضكم وده همكم ... فوقوا بقى وجعتم قلبي)، فبهذه العبارات يتحقق الخطاب الدرامي للنص ويتأكد أن الأرض لا تحتاج لملائكة ولكنها تحتاج إلى بشر يمتلك العزيمة والإصرار لتحقيق الطموحات والآمال وفي مقدمتها العدالة بمعناها الشامل، وبالعبارات السابقة يترك باب الأمل مفتوحا على مصراعيه أمام رغبات الشعوب في تحقيق العدالة والحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.