الكاتب الحقيقي لا يتحدث عن نفسه، يرى الأشياء من حوله يراقبها ويتأمل في طبيعة البشر وتأقلمها أو تنافرها مع بعضها البعض لأنهم ببساطة أكثر ثراءً من ذاته التي تمتلك متعة الكتابة. رواية أساور مهشمة تصف طبيعة معقدة ووحشية لذاتٍ بشرية قد لا نصدق أنها تحيا بيننا، تمارس حياة طبيعية في الخارج ولها أصدقاء ومحبين، ولكن حين يُغلق باب البيت تتحول هذه الطبيعة إلى شيء يشبه حيوان وحشي جاء قهراً وقسراً من الأدغال. فكيف تتشكل هذه الازدواجية الذاتية في شخصٍ ما؟ كيف يحيا بشخصيتين وينسجم معهما دون أي مراجعة للذات. تلك الأجزاء المخبئة في الذات البشرية الكاتب فقط من يستطيع اكتشافها ثم تتحدد براعته في الكتابة بأن يجعل القارئ يشعر بكل مراحل تعذيب رجل لزوجته دون أدني وازع من الضمير، أن يتفاعل القارئ، يغضب، يثور ويتمنى لو أن تتم معاقبة هذا الوحش بأشد العقوبات. الرواية لا تتحدث عن عنف الرجل تجاه المرأة وهو موضوع يتم استغلاله بل والمتاجرة به، ولكنها تتحدث عن شخصيات بيننا عنيفة قاسية تعشق التعذيب وإذلال من حولها ثم تتقمص الوجه اللطيف خارج حدود ذاتها الدفينة السوداء. ثم هناك الزوجة الضعيفة التي عاشت سنوات تحت التعذيب والألم النفسي والإذلال المعنوي وتخاف أن تعود لأهلها لأنهم يرفضون طلاقها، تخاف أن تهرب من التعذيب لأجل أن تحمي أولادها، سنوات من الدماء والألم إلى أن يطلب الزوج من أولاده تعذيب والدتهم ويجلس مشاهداً لجلسات التعذيب حيث تبكي الأم من ألم الضرب ويبكي الأولاد لأنهم مجبورون على تعذيب والدتهم بأيديهم في بيتٍ ناءٍ وبعيد عن المدينة حيث لا يسمع أحد الصراخات وحيث يستحيل الهروب، ثم يطلب الأولاد بأنفسهم أن تهرب والدتهم من البيت، تقول لهم أريد أن ابقى لأحميكم ويقولون لها ارحلي كي لا نراك ميتة أمامنا. عالم الرواية ليس استعراض لرفاهية المجتمع، وليس وسيلة لكسب الجوائز بالكتابة عن المحرمات والسقوط الأخلاقي، الرواية رسالة تصف المعاناة وتجعلنا نكتشف أجزاء من ذواتنا ونتعرف على خبايا أنفس الآخرين، إن كانت الرواية للتسلية فهي ليست رواية بل قصة زهيدة الثمن حتى ولو كانت من مئات الصفحات. حين تتحدث الرواية عن الحياة لابد أن تكون صادقة وحقيقية كصدق الحياة وحقيقتها.