المعرفة الصحية هي سلاح يلجأ إليه العاملون الصحيون في مواجهة المرض وتعزيز الصحة بمفهومها الواسع فهي حالة من اكتمال السلامة بدنيا وعقليا واجتماعيا، لا مجرد انعدام المرض أو العجز ولطالما كان الصيادلة رفاق هذا السلاح من أجل صحة وسلامة الفرد والأسرة والمجتمع. تطورت مهنة الصيدلة خلال العقود القليلة الماضية بشكل كبير لتواكب تطور نظم الرعاية الصحية، من أجل تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية، في ظل الانتشار الواسع للأمراض المزمنة وبشكل خاص الأمراض غير السارية، كأمراض القلب والضغط والتحسس وداء السكري والمفاصل والجهاز التنفسي بالإضافة إلى أمراض السرطان وأمراض الخرف وغيرها من الأمراض المزمنة، فازدادت الحاجة إلى الرعاية الصحية المنزلية، هذا إلى جانب التطور الهائل والمتسارع في الصناعات والأبحاث الدوائية، والتطبيقات العديدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستخدمة في ميادين الصيدلة (الصحة الإلكترونية)، وغيرها. لقد تعرفت إلى مهنة الصيدلة خلال دراستي الجامعية في كلية الطب، ثم خلال ممارستي الطبية في المستشفيات العامة والخاصة، وعن كثب أثناء تنظيمي عدد من الفعاليات العلمية، لاسيما ندوة "معا ضد المخدرات" بالتعاون مع "نقابة الصيادلة"، و"نقابة أطباء الأسنان"، وندوة "الأدوية والإعاقة"، وكذلك خلال المؤتمرات الصحية المختلفة، ولجنة التعليم الطبي والمهني المستمر، وغيرها، مما ساعدني على تفهم بعض التحديات التي يواجهها الزملاء الصيادلة في بلادنا العربية. كما هو معروف هناك تخصصات عديدة للصيادلة (الأدوار السبعة للصيدلي)، فهناك صيدلي أكاديمي يعمل في المعاهد والجامعات، وهناك صيدلي سريري، وصيدلي المجتمع الذي يعمل في الصيدليات المجتمعية الخارجية، وهناك صيدلي الأبحاث الدوائية، وصيدلي المستشفيات، وصيدلي المعلوماتية الطبية، وصيدلي الأورام والعلاج الكيماوي وغيرها كثير وكثير، لذلك يمكننا القول أن الدور الذي يقوم به الصيادلة في مجالات الصحة مهم جدا ويتجاوز بكثير مجرد الإشراف على بيع وتقديم الأدوية. لقد أضحت مهنة الصيدلة في مقدمة المهن المرموقة في البلدان المتقدمة صحيا، أما في بلادنا العربية فلا تزال تبذل الجهود لقيام الصيدلي بدوره المنشود في برامج الرعاية الصحية المعاصرة، ولتحقيق ذلك لابد من تمكينه معرفيا وماديا ومعنويا، وهذا لايتحقق إلا من خلال الإعداد الشامل للصيدلي، عن طريق تطوير التعليم الجامعي لدراسة الصيدلة ليلائم هذا الدور الجديد، لاسيما العلوم الصيدلانية المسندة بالبرهان، وحقوق المرضى، والحق في الصحة، والمحددات الاجتماعية للصحة، ومواضيع الرعاية الصيدلانية المستجدة في نظم الرعاية الصحية، ونظم المعلومات الصحية، والجودة فيها، وأخلاقيات الممارسة الصيدلانية، وكذلك إدراج برامج التطوير المهني المستمر أثناء الممارسة، وفق متطلبات المهنة وتخصصاتها، ولابد من وضع هذا الدور على رأس الأولويات لاسيما عند رسم وتقييم وتطوير السياسات الصحية للمجتمع، ولا بد أيضا أن يكون الصيدلي شريكا حقيقيا في حلقة صناعة القرار الصحي، فبدون هذا الدور الرئيس للصيدلي تبقى تطلعاتنا لتحقيق "الصحة للجميع" و"التغطية الصحية الشاملة" بعيدة المنال. لذلك اعتمد "اتحاد الصيادلة الدولي" يوم الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر يومًا عالميًّا للصيادلة، يُحتفل به سنويًّا منذ عام 2009م، ويدعو فيه الاتحاد الذي يمثل أكثر من 4 ملايين صيدلي، الجمعيات الوطنية للصيادلة وعلماء الصيدلة والمؤسسات الصحية ووسائل الإعلام إلى الاحتفال بهذا اليوم العالمي لتسليط الضوء على هذه المهنة الصحية المهمة، ومعارفها، والتحديات التي تواجهها، ودور الصيادلة المركزي في كل برامج الرعاية الصحية. مع انتشار جائحة كوفيد 19 في مطلع هذا العام 2020 يلعب الصيدلي، وفق موقعه وتخصصه، دورا مهما لاسيما أثناء تعامله مع المراجعين، وفي تقديم الرعاية الصيدلانية لمرضى كوفيد 19، وغيرهم من المرضى وذويهم، كذلك يقوم الصيدلي بتقديم المعلومات الموثوقة في مجالات الوقاية والكشف المبكر، وفي علاج وتدبير المصابين بالمرض وفق مستجدات الجائحة والسياسات الصحية الوطنية المتبعة، والتحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع. نعم، في يومهم العالمي هذا لابد من تقديم تحية تقدير واحترام لكل الصيادلة من شركائنا في برامج الرعاية الصحية، ومنظماتهم وجمعياتهم الوطنية والإقليمية والعالمية، ونظرا لندرة ماينشره الإعلام العربي عن دور الصيدلي نأمل من الإعلام الصحي والعام أن يسلط الضوء على الدور الكبير الذي يقوم به الصيدلي في رعايتنا الصحية وفي الحفاظ على صحة وسلامة مجتمعاتنا. حقا، إن تحقيق شعار هذا اليوم العالمي للصيادلة لهذا العام 2020 وهو "تطوير الصحة العالمية"، لا يحصد ثماره الجميع ما لم يعمل لأجله الجميع. *د. غسان شحرور ، طبيب وكاتب وباحث، "اليرموك للإعلام الخاص"