كان للأوضاع الصحية في مصر آثار سياسية ، واقتصادية ، واجتماعية هامة ، فعلى المستوى السياسي تعتبر مصر نقطة التقاء المصالح التجارية الدولية – وبصفة خاصة – أثناء فترة التوسعات الاستعمارية خلال القرن التاسع عشر ، فكانت القوافل التجارية المارة تتأثر بالاوبئة والأمراض أثناء عبورها بمصر وعلى المستوى الاقتصادي كان لانتشار الأوبئة اثر في تعطيل حركة التجارة ، وهذا كله فضلا عن حدوث آلاف من حالات الوفيات بسبب انتشار الأوبئة والأمراض المختلفة . ومن أهم الأوبئة التي تعرضت لها مصر وكان مصدرها العدوى الخارجية وكان لها الأثر في قيام الإدارة الحكومية المصرية بإجراءات لمواجهتها وباء الكوليرا الذي كانت بداية ظهوره في القرن التاسع عشر عام 1831 عقب انتهاء موسم الحج ، وقضى على نصف عدد الحجاج في هذا الموسم ؛ فقد توفي بسببه 150 الف نسمة منهم 36 ألفا في القاهرة وحدها وكان من نتائج ذلك القيام بعدة اجراءات كان ابرزها إستماع محمد علي إلى نصيحة قنصل فرنسا العام في الإسكندرية ، وقام بتكليف مجموعة من الأطباء بتشكيل إدارة صحية في عام 1831 عرفت بالانتدانس سانتير وتم الحاقها بالإدارة الصحية فكانت أشبه بالحجر الصحي . وتعتبر الأمراض الوبائية من اهم اسباب الوفيات في مصر في النصف الأول من القرن العشرين ، فكانت تخلف ورائها سنويا آلاف الضحايا من المرضى والوفيات ، وكان جزء كبير من سياسات الدولة منصبا حول مواجهة هذه المشكلة ، وحاولت السلطات الصحية علاجها بكافة الوسائل الممكنة سواء ضمن برامج نشر الوعي الصحي أو بواسطة إجراء عمليات التطعيم والتلقيح. زارَ وباء الكوليرا الذى عُرف ب «الوباء الأسود» مصر من قبل عام 1883، ففي العام نفسِه، اكتشفه الطبيب، روبرت كوخ، في مستشفى الإسكندرية الأميري، حيث قام بعزل الميكروب الذى ينتشر في شكل ضمّات من البكتيريا القاتلة، حينما وجد أعراضه التى تستولى على شريان الحياة في الجسد وتُصيب المريض بالإسهال والقىء الهستيرى الذى يفرغ الشرايين والأوردة من محتوى الماء فيها فيهلك الإنسان فى ساعات من الجفاف، في بداية جلاء البريطانيين عن مصر، ظهر وباء الكوليرا في مدينة دمياط، ثُم انتشر في باقي المحافظات، حينها كان يؤكد الاحتلال أن الوباء المجهول صناعة «محليّة»، وفي روايةٍ أخرى، قيل إن الكوليرا جاءت من الهند رأسًا إلى مصر. ومع تفشّى المرض، توسعت التحقيقات الرسميّة التى أثبتت بالفعل أن الكوليرا جاءت من الهند، حمل الوباء قائد سفينة وصلت إلى ميناء بورسعيد، قادمة من الهند، وعلى الفور، أنشأت الحكومة اللجان في القاهرةوالإسكندرية، بالإضافة إلى توزيع إرشادات عن طُرق الوقاية وإسعاف المصابين، وتقرير الوسائل الفعالة لمكافحتُه واستئصالُه لم يتوقف الأمر عند الاحتياطات الداخلية، بل امتد إلى مجىء البعثات الخارجية لدراسة واقع الأمر، حيث وصلت بعثة من ألمانيا، يترأسها الدكتور، كوخ، ثم جاءت بعثة فرنسية برئاسة العالم، لويس باستير، وأرسلت روسيا بعثة أخرى، فكانت النتيجة الأخيرة أن بلاد الهند مصدر الوباء، وليس مصر.