من حمص العدية نمت براعم أدبها... فاخضوضرت على أغصان الياسمين الدمشقي ..وكتبت برقة أدباً انسال رقراقا على شفاه قرائها .أحبت مهنة المتاعب وعاشتها بأدق تفاصيلها... فتوقها للبحث والتجديد جعلها تبحر في بحر الصحافة بلغة أدبية جميلة ... تجدها هنا وهناك ولكنها مع البسطاء دائما إنها الأديبة والإعلامية سوزان ابراهيم التي كان معها هذا الحوار .. أنا هناك وهناك * بين الإعلام والأدب أين تجدين نفسك أكثر؟ وهل يمكن أن تفرقي بين كتابتك الإعلامية والأدبية؟ ** ثمة مشتركات هامة بين الإعلام والأدب, تأتي اللغة في مقدمتها, وأراها الأكثر أهمية, ثم هناك الآخر المُخاطَب الذي تبغي مدّ الجسور إليه.. هناك محاولة في كل من الإعلام والأدب لبناء مكان لك في عقل المتلقي وقلبه إن أمكن.. تسعى للتشاركية معه عبر ما تظن أنه يهمه, أو يلامس وجعه, كإعلامي أو أديب تتحول إلى محامي دفاع عن قضايا تشغل ذلك المتلقي عبر توكيل وجداني ينشأ بينكما, يكون مقدم الأتعاب المدفوع لك هو محاولتُه قراءة مرافعاتك عن قضاياه, وإبداء رضاه عنها, أما مؤخر الأتعاب فهو الكلمة الطيبة والتفاعل الوجداني الذي تتلقاه من أحد أولئك الموكلين. في حالتيك- كإعلامي أو أديب- أنت هنا صوته ومرآته. لكن.. تبدأ الفوارق بالاتساع حين يتعلق الأمر بالتعبير عن حالات الواقع, فالعمل الصحفي أكثر التصاقاً بالحياة اليومية للناس وأقرب للتقريرية. لا تحتمل لغة الصحافة- وتكاد لا تقبل- لغة الأبواب نصف المفتوحة أو الانزياحات الدلالية أو كثرة التأويل, كما لا تقبل مصداقيتك هنا توسل الخيال في عملك- خاصة في مجال التحقيقات الميدانية- أما أين أجد نفسي! فأنا هنا وهناك.. أنا نفسي هنا وهناك, لأنني أنطلق من ذات الفكر والرؤية مع مراعاة ما يتطلبه كل منهما من لغة خطاب مختلفة. باختصار أجد نفسي دائماً حيث أبني جسراً مع الآخرين.. قبل الصحافة عملت في الترجمة, أي منذ البداية كانت مادتي الخام هي اللغة.. النجاح يعتمد إذاً على مهارتك في (طهو) اللغة بالطريقة المناسبة في كل مرة. قد أضيف أيضاً: الصحافة مهنة وشغف, وبعضهم وصفها بالأدب العاجل, لكن الأدب شغف خالص وحالة من تحقق الذات الخالقة. لأنني شخص ملول ويسعى للتغيير والتجديد *لماذا اخترت مهنة المتاعب وما الذي شدّك إليها؟ **في البداية سكنتني رغبة بتغيير طبيعة عملي ومكانه وعلاقاته- ربما لأنني شخص ملول ويسعى للتغيير والتجديد- انتقلت عبر الترجمة إلى الصحافة, إذ بدأت بنشر مقالات مترجمة تعنى بالبيئة والطبيعة. في وقت ما وقد أغوتني مغامرة الكشف عن عورات المجتمع, اقتربت من شكاوى الناس البسطاء وعرفت عن أسرار الحياة الكثير مما يوجع ويؤرق: حجم الظلم والبؤس والفقر والتهميش والإهمال..... حينها بالضبط تحولت الصحافة عندي إلى مشروع إنساني- خاصة عبر عملي في التحقيقات التي حققت لي مكاناً ما بين أقراني- أسعدني أن أكسب ثقة هؤلاء الناس بسرعة, فاندفعت بجرأة لكشف الفساد والظلم. بعد حين من العمل الميداني, هربت.. نعم هربت لأنني لا أستطيع رفع ظلم أراه, ومحاسبة فساد أعرف به, فحوّلتُ سكة قلمي إلى الثقافة- شغفي- قلت: لعلي أتمكن هنا من تحقيق ما لم أفلح به هناك... يبدو أنني ما زلت أحلم بعالم أجمل وأكثر عدلاً ويبدو أن انتظارنا سيطول قبل أن نخطو فوق عتباته. هذا يحزنني. في العمل الصحفي طيف واسع من التجديد والتجدد, وقليل من الروتين, وهذا ربما شكّل عاملاً إضافياً شدّني إليه. *أنت تواقة للبحث والاكتشاف فهل استطعت تحقيق هذا البحث من خلال تنقلك بين جنسين أدبيين هما الشعر والقصة؟ ** حقاً أنا أحمل روحاً تواقة للاكتشاف والبحث عن الحقيقة, بل روحاً مغامرة تريد الوصول إلى جذور بعيدة أنتجت ما نبت بيننا اليوم وطغى على حياتنا. يخيل إليَّ أن هذه التصنيفات ما هي إلا عبث نقدي, القصة والشعر والرواية والمسرح وغير ذلك طرق مختلفة توصل إلى طاحون الإنسانية, نعدد طرق التعبير لنحقق هدفاً واحداً: بناء جسر مع آخر حي.. مع شريك في الكون بعيد أو قريب. بين القصة والشعر مازلت أبحث عن مكان آخر للغتي.. لرؤيتي.. لقناعاتي.. لخطاب أريد أن يسمعه ذلك الآخر. الكتابة في حقيقتها نوع من الخلاص, وأنا أحاول البحث عن خلاصاتي بطرق متعددة... أي خلاص؟! إنه الخلاص من الأنا المتسلطة الشرهة السادية للتماهي مع الكوني والإنساني. هكذا يكون التعدد تجلٍ لواحدية الهدف. أنا لا ولن أخلص لنوع أدبي واحد, بل دائمة الخيانة لكل الثوابت التي تقيد انطلاق عمل العقل وتفتح إمكاناته, انطلاقاً من مقولة الثابت الوحيد هو التحول. خزان مذهل من الأدباء الجدد في سورية.. *نضوج تجربة الأدباء الشباب قال عنها الكثير من النقاد إنها تبشر بمرحلة نوعية في الأدب العربي, ولكن هناك الكثير من الاستسهال وإقحام ما هو مقبول فيها. على عاتق من تقع مهمة تنقية الجيد من السيء في أدب الشباب؟ ** قد لا أكون ملمّة بتجارب كثير من الأدباء الشباب العرب, لذا سأقول انطلاقاً من تجربتي الشخصية: أُشرف منذ أكثر من ثلاث سنوات على صفحة (رسم بالكلمات) في جريدة الثورة كبرى الصحف السورية, والتي خصصتْ بياضها للأدب الجديد- وأنا أفضّل هذا المصطلح على مصطلح أدب الشباب- من خلال تجربتي هذه والتي أتاحت لي التواصل مع كمّ كبير من النصوص, بل والتواصل مع عدد كبير أيضاً من الأدباء الجدد, يمكنني أن أقول وبكل ثقة: ثمة خزان مذهل من الأدباء الجدد في سورية وبخاصة في شمالها الشرقي.. كثير من روّاد الصفحة كانوا ممن نالوا جوائز عربية هامة. هذا لا يعني عدم وجود متطفلين ومتسلقين على هذا الجيل بدعم مقصود- أو عفوي- من بعض القائمين على المنابر الأدبية والثقافية نتيجة عدم الوعي بالمهمة النبيلة الملقاة على عاتقهم, فإذا ما أضفنا إلى ذلك العلاقات والدبلوماسيات وسياسة (حكّلي لحكّلك) فسيغيب أصحاب الكفاءات والمواهب الحقيقية لتحتل فراغهم مخلوقات مصنّعة من فقاعات الصابون. كل هذا يترافق بغياب حركة نقدية جادة تسير جنباً إلى جنب مع الحركة الأدبية الجديدة في سورية, في كثير من المرات دعوت عبر صفحة (رسم بالكلمات) السادة النقاد للاضطلاع بمسؤولياتهم في توثيق ونقد التجارب الجديدة ودراسة تمظهراتها وخروجها على قواعد الأدب القديم وتابوهاته.. وأقول: بصراحة بعض بطاركة الأدب المصابين بروماتيزم القديم يحولون دون توهج بعض الأصوات الجديدة الهامة. أريد إعادة كتابة التاريخ بيد امرأة.. *بين العفوية والناحية الفكرية قلتِ إنك قاربت خطوطاً حمراء في ديوانك "كثيرة أنت", إلى أي مدى وصلت بهذه الخطوط وهل ستتجاوزينها في ديوان جديد؟ ** أعجبني وصفك- بين العفوية والناحية الفكرية-! ثمة من حدّد لنا منذ أمد طويل مساحة مسير الجملة والفكرة.. ثم زرعوا شبكة حمراء على محيط تلك المساحة وأنذرونا من مغبة التجاوز عليها.. العفوية عندي كانت رداً على مجتمع تحاول تقاليده أن تتعامل معي كمواطن من الدرجة الثانية- ومرات أخرى من الدرجة الثالثة- فرفعت صوتي وقلت لا لن أقبل.. أما الناحية الفكرية والتي لا بد للعفوية أن تتسلح بها لتتناغما في وحدة النص, فجاءت من متابعة البحث في الجذور البعيدة لكل تلك الشبكة الحمراء. لست عضوة في الحركة النسوية, كتنظيم بالطبع, لكنني لم ولن أقبل لعب دور شهرزاد بعد الآن, أي أن أُحشر في مخدع شهريار لأسلّيه وأروض رغبته بقتلي, وأنتزع منه حياتي يوماً إثر آخر! لقد أُقصيت شهرزاد عن ساحة النهار أي عن ساحة الفعل, وبقيت ظهوراتها مقتصرة على الليل في إيحاء غير بريء لأمكنة الغرائز والشهوات.. وأنا أريد الظهور في ساحات النهار بكل ضوئه. إلى أين وصلتُ؟ وهل سأتجاوز تلك الخطوط الحمراء؟ لا أدري أين وصلت بالضبط, لكن المجتمع لم يتغير, وبخاصة الرجل فما زال يحب امرأة مثقفة جريئة ويتزوج امرأة مهذبة, بعرف العائلة- القبيلة, تسعى بين غرفة النوم, وغرفة المخاض, والمطبخ!! أريد, بل أتمنى على النساء أن يدركن حقيقة وظيفتهن الكونية والإنسانية الجليلة, والخروج من رداء الأنوثة الهشة المرغوب, أريد تأنيث اللغة, تأنيث الفكر, أريد إعادة كتابة التاريخ بيد امرأة.. فقد تعرض كل فكرها ونبوغها لإبادة جماعية مقصودة منذ فجر التاريخ... الخطوط الحمراء بحدّ ذاتها لم تعد هدفاً لي, بل آلية التفكير التي أنتجتها هي من أقصده باختراقاتي, وكي لا أُفهم بطريقة خاطئة أقول: لست امرأة تريد أن تصبح رجلاً.. بالتأكيد لا.. أنا فخورة جداً بكوني امرأة.. كما أنني أرى في الرجل ما يتمم نقصي, بالدرجة عينها التي أدرك بها أنني أتمم نقصه, ولطالما كان الرجل صديقاً وداعماً ولم يكن في أي يوم من حياتي خصماً أو عدواً لأنني أدرك أننا معاً مسحوقان بإرادة ظلم وقهر واحدة. أهم جائزة تلقيتها في حياتي وقوف البسطاء بجانبي أمام المحكمة *هل وصلتك ردود فعل حول عملك الصحفي أثنت على هذا العمل؟ ** هذا ما كنت قد وصفته آنفاً بمؤخر الأتعاب.. كلمة طيبة, ابتسامة عرفان.. رسالة شكر.. أو مواساة.. وقوف بجانبي إن مسّني الضر... هذا كله- ولحسن حظي- عشته حقاً, كم مرة اغرورقت عيناي بالدموع امتناناً.. بهذه الالتفاتات النبيلة تشعر أنك قمت ببعض ما يجب عليك. ذات مرة استدعيتُ للمحكمة على خلفية تحقيق ساخن بتهمة الذم والقدح. كنت أرتجف, إذ كانت المرة الأولى في حياتي التي أدخل فيها قاعة محكمة وأقرأ (التهم) الموجهة لي. خارج القاعة استقبلني عدد كبير من البسطاء الذين أنجزت التحقيق لإنصافهم, وكانوا يتسابقون لتقديم كل عون ممكن للوقوف بجانبي ضد ذلك الفاسد... كانت تلك أهم جائزة تلقيتها في حياتي. هناك أشياء كثيرة أخرى جميلة منها أن ثمة شخصاً جمع كل ما كتبت في الصحافة في حينه وفاجأني بمعرض لأرشيفه هذا... أتمنى أن تتبنى مؤسسة ما نتاجي وتقول لي: ما عليك إلا أن تكتبي *ماذا علمتك الصحافة الثقافية وماذا أضافت لك؟ وهل فكرت مرة بترك الصحافة والتفرغ للعمل الأدبي؟ ** الصحافة الثقافية إحدى قطاعات المجتمع, وهي بالنهاية نتاج مجتمعها, أي لها ما له من السلبيات والإيجابيات, هي نموذج مصغر عن مجتمع أفرزها, إذاً هي لا تنفصل عن المشهد المجتمعي العام, ولكن ربما تجد ما لا تتوقع حدوثه هنا في القطاع الثقافي, ربما تدرك أكثر السبب وراء عجائبية ما وصلنا إليه في الحياة الثقافية حين تتعرف على أفراد أمسكوا بزمام هذا القطاع! وكي لا أتهم بالسلبية وأحادية الرؤية أقول: أتاحت لي الصحافة الثقافية بكل تأكيد أن ألتقي بقامات أدبية وثقافية هامة, وأجري حوارات عميقة مع بعضهم, أتاحت لي تكوين ثقافة بانورامية تساعدني كثيراً في كتابتي الأدبية, وللإنصاف أتاحت لي متعة السفر أحياناً. أما التفرغ للعمل الأدبي, فهذه مسألة على درجة كبيرة من الأهمية, ومع اعترافي بإيجابيات العمل الصحفي الذي يعجنك بماء الواقع وطحينه, ثم يكويك بنار فرنه لينضجك, فإن العمل الأدبي يتطلب التفرغ وتكريس نفسك كلها له... بل وتكريس بحثك أو قراءاتك أيضاً... الأدب لا يطيق شراكة أحد سوى اللغة.. والعزلة للأديب أكثر إنتاجية.. بلى أتمنى التفرغ للكتابة, أتمنى أن تتبنى مؤسسة ما نتاجي وتقول لي: ما عليك إلا أن تكتبي... حتى ذلك الحين أنا بحاجة للقمة العيش الكريمة. *هل توجهت للإعلام العربي وكتبت به؟ ** محاولاتي في هذا الجانب قليلة جداً.. ربما بسبب الكسل.. ربما بسبب معرفتي بالشللية أيضاً في المنابر الإعلامية العربية.. ربما بسبب التوجهات الفكرية التي قد تتوافق أو تتعارض... ربما لأنني لم أبني شبكة علاقات عامة مع المعنيين.. لا أدري... *أنت عضو في اتحاد الكتاب العرب ماذا قدم لك هذا الاتحاد؟ ** ماذا قدم لي الاتحاد؟ سؤال صعب! لا أعلم تماماً ماذا عليه أن يقدم لي؟ ما أعرفه أنه يتيح لي المشاركة في نشاطين ثقافيين في فرعه في مدينتي حمص, ونشاطاً واحداً في مدينة أخرى كل عام, إضافة إلى الضمان الصحي. واجتماعاً شهرياً لجمعية القصة في دمشق. هذا كل ما أعرفه. أما أي أشياء أخرى فلم أهتم بمعرفتها أو المطالبة بها! وزعت النسخ مجاناً على الحاضرين *عندما تقررين إقامة حفل لتوقيع مجموعة لك ولكنك لا تشاهدي حضوراً كثيراً بم تحسين؟ ** من ناحية المبدأ يقام حفل التوقيع, الذي استوردناه من الغرب, كوسيلة لإعلان ولادة وترويج وبيع.. ذات مرة أقيم لي حفل توقيع لمجموعة (لأنني لأنك) على هامش مهرجان قصصي بمبادرة مشكورة من أحد المنظمين, لكنني وزعت النسخ على الحاضرين مجاناً... مرة أخرى أقمت حفل توقيع لمجموعة (كثيرة أنت) بجهود أصدقاء وكان معظم المدعوين من الأصدقاء أيضاً. مثل هذه المراسم والطقوس تتطلب وقوف مؤسسة ثقافية أو دار نشر وراءها لتعطي الثمار المرغوبة منها. أما بماذا أحس: بصدق كنت سعيدة جداً بتواجد الأصدقاء حولي والتقاط الصور التذكارية معهم. *لماذا ابتعد القراء عن الشعر وهل فن القص يطغى الآن على الشعر؟ ** إن شئنا الموضوعية فيجب أن يكون السؤال: من أي شيء اقترب القراء؟! معظم دور النشر وأصحاب المكتبات ومنظمي معارض الكتب, والكتّاب يقولون: لقد طغت كتب الطبخ والأبراج والتراث الديني بالتحديد على اهتمام القارئ العربي, السؤال الأصعب هو: لماذا حدث ذلك؟ أما الإجابة والتي تحتاج لجرأة أكبر, فتتلخص بأننا أمة تجتر ماضيها, لا تشكل الحياة الدنيا في ثقافة شعوبها إلا قاعة ترانزيت لتبديل الرحلة من الدنيا إلى الآخرة! ولا يفوتني أن أذكر غياب المشروع العربي النهضوي الحقيقي, والذي ساهمت الأنظمة العربية بشكل أساسي وواعٍ في وأد أي محاولة لظهوره, عبر اعتقال ونفي المفكرين, وتعويم مثقفي السلطة الداعين بطول بقائها. *هل ترين معي أن العمل الثقافي مازال على السطح ولا يجرؤ أحد على الغوص, برأيك لماذا هذه السطحية في التناول؟ ** العمل الثقافي مصطلح فضفاض, وكي تكون الإجابة صحيحة لابد من تحديد المقصود بدقة بالعمل الثقافي. على كل حال, أوافقك الرأي بنسبة كبيرة بأن هذا العمل مازال سطحياً ولا يجرؤ كثيرون على الاقتراب من المسائل الجوهرية الملحّة, وأرى أن غياب العقلية النقدية الجادة الموضوعية هو العامل الأهم في سقوط العمل الثقافي بشكل عام, والأسباب البديهية برأيي أن المثقف الحقيقي, المثقف العضوي المرتبط بواقع المجتمع وقضايا أناسه, والذي لطالما حورب ونفي واعتقل, قد استسلم, واتخذ من مقولة (ابعد عن الشر وغني له) شعاراً مهماً في هذه المرحلة, أما من تبقّى من مثقفين حقيقيين مبعدين فهم لا يملكون أي تأثير على واقع الحياة في مجتمعاتهم.. لذا نرى أن لأي رجل دين الأثر الأكبر وبما لا يقارن على الشارع العربي. نحن لم نبنِ دولة القانون والمواطنة التي تجعل من العمل قيمة حقيقية للإنسان, ولهذا نحصد اليوم ما زرعوه منذ أجيال. الجسد شاهد إثبات على وجودنا *يتناول بعض الروائيين جسد المرأة في رواياتهم ويصوروها رخيصة فيما تسمو في بعض الروايات الأخرى لتظهر بكامل قدسيتها, برأيك ما الذي يدفع كاتب ما إلى توظيف جسد المرأة في كتاباته؟ ** الجسد- وبخاصة جسد المرأة- مازال منفياً في ثقافتنا العربية, مازال بعبعاً أو غولاً نخشى الاقتراب منه, رغم أن معظم عُقد الشرق ناتجة عن نفي الجسد ظاهرياً والتمتع به بكل أشكال المتعة فعلياً.. هذا النفاق في التعامل مع الجسد شكّل عندنا عقدة يظن بعض الكتاب بأنه ينجو منها بالكتابة عنه, وقد يفرغ جام كبته عليه, وبعضهم يتعامل معه بقدسية متكلفة, وبطهرانية زائفة.. الجسد شاهد إثبات على وجودنا فلولاه لما كنا, وكل وظائفنا المطلوبة لا تستقيم إلا به ومن خلاله, فلماذا كل هذا الخوف منه؟ لقد صار الجسد قطعة من جهنم أو قطعة من عدن, وفي الحالتين لابد من النظر في العقلية التي تحركه وتتعامل معه. كل التعاليم جاءت لتنظم علاقة الإنسان بجسده هو أولاً ثم علاقته بجسد الآخر, وطوّب الجسد موطناً للخطيئة, وحثّت كل تلك التعاليم على نبذه وتخليص الجوهر النوراني في الإنسان من طين الجسد للسمو بالروح, كان ذلك مطلوباً عبر قهره ونفيه, بل وإخضاعه, وليس- للأسف- عبر فهمه وبأنه قادر بكل طينه أن يسمو بك إلى مرحلة اللانهاية في لحظة التماهي حباً. *ما هو جديدك الأدبي الآن؟ ** ثمة مشروع لكتابة رواية بدأ قبل أشهر ولا أجزم بتحديد وقت الولادة بعد. *حمص مدينة الشعراء ماذا تقولين لها اليوم ؟ ** هي كذلك حقاً.. على عكس معظم المدن السورية ثمة أجيال شعرية متعاقبة ومتجاورة في حمص, ويمكن القول إن سلالة الشعر أصيلة فيها, هذا إلى جانب تميز معظم تلك الأصوات الجديدة. حمص اليوم جرح ينزف في أعماقنا, فاجأت واسطة عقد المدن السورية الجميع, آمل أن يزهر أحمرها شعراً وتنهض قريباً جداً من رمادها فينيقاً عملاقاً. حمص يا أمي.. اشتقت لحضنك الهادئ الدافئ المتسامح. المصدر : وكالة أنباء الشعر / سورية