بالصور.. محمد فؤاد يشعل حفله بالساحل الشمالي بحضور غير مسبوق    انطلاق الحملة القومية للتحصين ضد فيروس الحمى القلاعية بكفر الشيخ    تشكيل إنبي للقاء وادي دجلة في الدوري    نتائج بطولة كأس مصر للتجديف بالإسماعيلية.. القناة في المركز الأول    مدير تعليم القليوبية يتابع مجريات سير امتحانات الثانوية العامة الدور الثاني    الأقصر للسينما الافريقية يطلق استمارة قبول الأفلام لدورته ال15 في مارس 2026    كريم عفيفي: عادل إمام "الزعيم" بأمر من الجمهور.. وهكذا أختار أدواري| حوار    أعراض متشابهة وأسباب متنوعة لإصابة الكبد بأكثر من 100 مرض    الصين تقاضي كندا أمام منظمة التجارة العالمية بسبب رسوم الصلب    نائب: البيان العربي الإسلامي حمل ردًا حاسمًا حول مزاعم "إسرائيل الكبرى"    الدنمارك تدرس فرض عقوبات على إسرائيل    اليوم.. جامعة القاهرة الأهلية تُطلق التسجيل الإلكتروني لبيانات الطلاب تمهيدا للتنسيق    رئيس الوزراء يكلف المحافظين ببدء تشكيل لجان حصر وحدات الإيجار القديم    السيسي يوجه بتحقيق فائض أولي وزيادة الإنفاق على تكافل وكرامة والصحة والتعليم    إنفوجراف| ضوابط تلقي طلبات المستأجرين المنطبق عليهم شروط قانون الإيجار القديم    منال عوض: اتخاذ إجراءات تطويرية خاصة بمحمية وادي دجلة لتعزيز حمايتها والحفاظ على مواردها الطبيعية    نائب رئيس مركز الميزان لحقوق الإنسان: الاحتلال ينفذ إبادة جماعية وتطهيرا عرقيا في حي الزيتون    «شعرت بنفس الشعور».. سلوت يعلق على بكاء صلاح بسبب تأبين جوتا    «شرف ما بعده شرف».. مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلي    "حقوق أسيوط" تحتفي بمتفوقيها وتستعد لدعمهم ببرنامج تدريبي بمجلس الدولة    تفاصيل إصابة 6 أشخاص في تصادم دراجات نارية علي طريق في الدقهلية    إصابة 9 أشخاص باشتباه في تسمم غذائي إثر تناولهم وجبات بمكان ترفيهي بالشرقية    ضبط 35 شيكارة دقيق مدعم و150 قالب حلاوة طحينية مجهولة المصدر في كفر الشيخ    «حادث وادي الحراش».. إعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام بعد مصرع 18 شخصًا في الجزائر (فيديو وصور)    بعد حريق محطة الحصايا.. إعادة تشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز إدفو    والدة الفنان صبحي خليل أوصت بدفنها بجوار والدها في الغربية    محافظ بورسعيد يناقش آليات الارتقاء بمنظومة الصرف الصحي ومياه الشرب    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    جريئة أمام البحر.. أحدث ظهور ل ياسمين صبري والجمهور يعلق (صور)    أحمد عاطف قطة: كأس العالم للأندية "حلم كبير".. وهذه رسالتي للاعبين الصغار    تنفيذ 47 ألف زيارة منزلية لعلاج لكبار السن بالشرقية    "عيشها بصحة".. قوافل التوعية الطبية تصل وديان جنوب سيناء (صور)    5 أطعمة تقلل من مستويات حمض البوليك في الجسم.. تناولها    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    التعليم: كتب وبوكليت مطبوع لتقييم الطلاب بالعام الدراسى 2026    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    وزارة التعليم: تحصيل مصروفات العام الدراسى 2026 والالتزام بالزي المدرسى    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    عملة ترامب الرقمية ترتفع بنحو 2.3% على إثر قمة بوتين- ترامب    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في ديوان (سيلفي مع الوطن) للأديب العراقي الأب يوسف جزراوي
نشر في شموس يوم 14 - 12 - 2019

، شاعرة و كاتبة و ناقدة (الجزائر) شموس نيوز
نصوص أدبية بلغة الشعر والنثر والقصة الشعرية والومضة.
عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر والتوزيع
الأديب البغدادي الكاهن يوسف الجزراوي في ديوانهالجديد (سيلفي مع الوطن
نورسٌ هَجرَ شواطئ العراق ليعود بين الفينة والأخرى ليبعث فيها حياةً بواسطة إصداراته الادبية ذات النكهة البغدادية، وكأنه يمسح برزاد (نصوصه- صلواته) القنوط عنه وجه بلده..فالوطن كان حاضرا في معظم الكتابات.
أديبٌ عراقي مغترب غني عن التعريف، يطلق من غربته مجموعة من النصوص الادبية الدسمة، وكأنه يحدّث روحه السمحة، دون أن يهتم
لمن يسمع، مع يقينه بأن الوطن يسمعه بل الجميع يسمع..هذا الصدق في البوّح، هو يوسف الانسان بنفسه.
لكنه في عين الوقت يقتحم صمتنا، غربتنا، يقرأ خبايا قصتنا وأسرار نفوسنا بحكمته وموهبته، فنراه يمسد احزاننا بفطنته، ويخيط جراحنا ويضمدها ببسلم نصوصه، فيواسي مأساتنا ويكلم اوجاعنا ثم يصبر احلامنا المشلولة وامانينا المتلكّئة فيعيدنا باحساس حروفه المنبثقة من بحّة كلماته المعبّرة المعجونة بالرقي إلى مرايا الأسئلة برجاء نصوص مبتلة برذاذ حلمٍ ولدغة حزن، فنّدى الدموع يطفو في عيون حروفه والامل يبتسم من فآه كلماته…فيناجي غربته بامنية حبلى بالألم والأمل:
أيتها الغربة
أين الطريق إلى وطني….؟
بيني وبينه المحيط
فصيّريني نهرًا
يجري إلى بلادي.
الأب يوسف جزراوي، أديب قدير ومتمرس، واضح الفكرة، عالي الإحساس، أسلوبه الأدبي ممتع ومشوق، يوسع المدارك، تقرأ نفسك وقصة حياتك في كتاباته، فهو المتكأ على قلم صنع من نخيل العراق الذي يقول عنه:
بلدي
أراكَ جريح القَلْب
مكسور الخاطر
فكيف أمحو دمعك
وقد بلغَ جرحكَ سّنّ الرشد؟
وماذا بوسعي أن فعل
لاجعلكَ فرحًا سعيدًا
وقد تعالت فيكَ أصوات الحزن؟!!
متى ساراك مُبتسمًا
كي تعاود اِبتسامتي
اشرقتها من جديد
ويُغْشَى عليَّ سرورًا؟!
.. موطني
رغم أنّك
لم تعد صوتًا جميلاً
في فَمِّ الدنيا
إلّا أنّي
أشتاقُ لنَّبرَتكَ بدموعٍ
فيها رطوبة دجلة
وملح الفرات!
وفي نص آخر يسوق لنا أمنية بنكهة العتاب تتألق فيها الصور الادبية:
يا عِراق
كم تمنيتُ أن أَرْمِيَ نفسي
بين احَضَانك واذرفُ دموعًا
باتت على الكتمان لا تقوى
أجلْ وَدَدْتُ أن تضَمّني
آلى صدركَ
لاجهش ببكاءٍ طويل
مثل طفلٍ يبكي
على صدر أمه
عَسى دمَوعي تشعركَ
كَم آذاني حُبّكَ
وآلمني بُعدكَ
لكنكَ كالعادة اِمَتَنعَتَ
كي لا تعاتبكَ دموعي وتؤنّبكَ!.
أديبنا يوسف الجزراوي الذي لامس قلمه جدائل الليل يساهر النجوم حتى يغفو القمر فيشكو للبحر في أرض الشتات فيناديه:
أيّها البحرُ
أنا ابن نهري دجلة والفرات.
وتارة أخرى يسرد لنا هذا المقطع من نص حجرة القلب:
البحار التي قصدتها وناجيتها
غَسَلت قُنوط وجهي برَّذاذِ أموَاجها
وهي تخفي عني أنين مَدَامِعها.
رربما وجد الاب يوسف كاتم اسرار البشر ….في البحر الثقة والقدرة على الانصات بمجانية وبالتالي يبوح له ويشخص أمور الحياة ويسميها بمسمياتها أمامه…
فنراه يجمع الصبر أمنيةً
ويدق الدمع قمحاً
ليصنع لقمة او كلمة
يطعم بها الجياع
على مائدة بحر الغرباء
مستمتعين بموسيقى الامواج
ودموع الكمان.. فيشيد بالبحر:
سأضعُ وردة حمراء
على قبرِ الوفاء
وأمضي للبحر
صديقي الأَوحد
وأوفى الأوفياء
فهو الصدر الآمن
الذي يكفكف دموع الغرباء.
كما سيلحظ القارئ ان الديوان لا يخلوا من تناصّ إنجيلي بقوله:
“أبانا الذي في السموات
كيف لك أن ترى
اِستباحة حياة شعب
جبلتُه بيديك المقدستين
وتبقى ساكتًا؟!
….. منذ أمدٍّ بعيدٍ
والعراقي مُعلقٌ على صليبٍ
باتساعِ جرح العِراق
ولا من طريق
مؤديّة للقيامة!
هل نحن شعب زائد؟
هل سَأمت من وجودنا؟
قل كلمتك
فالطرقات إلى السماء
باتت مزدحمة
بالشهداء من أبناء وطني!.
“وماذا ينفع الإنسان لو انتشر في كل الاوطان وخسر وطنه”.
“هل استسلم العراق للجلجلة..فصاح العراقي مع المسيح الذي يصلب فيه كل يوم: إلهي إلهي لماذا تركتني”.
“أبتِ لا تغفر لساسةِ بلدي
لانهم يعلمون ماذا يفعلون”.
“في بلدي المشغول بدفن أبنائه،
اسمع صوت يسوع الصديق ينادي:
لا تخافوا
فأنا مع العراق والعراقيين
إلى انقضاء الدهر”.
وعن بعض الأصدقاء في زمن الغدر والوصولية والمصالح كتب:
لقد قلتُ كفى
لكَذْبَةٍ لطالما صدّقَتها
وهي صداقتهم ومحبتهم…
فلا تقلقي يا أمي
فأنا على ما يرام
ما دامت يدي تصافح
يد الخير وأعمال المحبة
ولكني تعلمتُ
إن معظم الناس
كأسماء الكتب
نتحمس لها
وحين نطالع فحواها
نضج وننفر بسرعة
لذا علّمت يَدِيّ
إيّ كتابٍ تتصفح.
من الجميل أن تجد الأديب يدمج الطبيعة، الترحال، الموسيقى، طيور السماء ، الانا… في كتاباته…ففي نص اسماه (قبلة بفم الوداع)، يتودد للنوارس و للنخيل:
كَم وَدَدْتُ
وأنا أصافحُ العقْد الرابع
من عمرٍ أكلتهُ الغربة
أن اسَتَدْرجَ النوارس
علّها تقرع أجراس الكنائس.
…. وكَم غازلتُ بجع البحيرات
عسى أن تطبعَ قُبْلَةُ اِشْتِياق
على جبين دجلة
وخدّيّ الفرات.
…. وكم توَدَدتُ لنخلةٍ
سعفها عانق السماء
لا هزّ جذعها
علّهُ يغدو بساط رَحيل
إلى ضفاف الرافدين
ومَزَامِير المُرتلين.
وعن ظلّه المُعمّد بماء الفرات يقول:
وصلتُ إلى صومعتي
فوَجَدْتُ ظلّي نائمًا
على عَتَبَةِ الباب!
بحثتُ عن المفتاح لادخل
وإذا بي قد نسيتهُ في الداخل!!
نمتُ بجوار ظلّي
أنَفتُ عليه دخان سجائري
وكلّ منّا يحلم
بخطواتِ أمنيةٍ قادمة
من بلدٍ
اِغتيلت فيه الأمانِيّ!.
فأنت أيها القارئ العربي الواقف على عتبة ديوان سيلفي مع الوطن، ادخل وانطرب ببحة صوت النصوص عن حكاية وطن ومأساة شعب، عن غربة غريب لا يشعر بالانتماء لهذا الكون الصاخب، عن التمرد وعن امنيات انسان ومعاناة كاهن وأحلام الغرباء..عن نصوص فيها أسى يلسع وأمل يتسع، كُتبت بذوق عال وتمرس. تلك هي حكاية الحكاية التي جاورت خطوات المؤلف في ليالي الاغتراب..حتى بلغت حدّ النجوى. ففي احد النصوص يئن الجزراوي بنجوى حائرة فيكتب:
يا ربّ
لقد ضَاقَت بِنَا كعراقيين….هذا أصْل الحِكاية.
الاديب الكاهن يوسف جزراوي الذي تفرغ للادب والكتابة كليا منذ بضع سنوات مضت لم يكن مقلداً في ديوانه هذا او كلاسيكيا- نمطيا، بل له خصوصية واضحة واسلوبا ومجازا تعبيريا خاصا متفردا به عن غيره بعد ان استلهم فيه الذات والوطن والاغتراب والامال، الطبيعة، الانسان..، فالنصوص في اصلها حركة عكسية انطلقت من نفسه ووجدانه إلى الغربة والوطن وآهات الإنسان والعكس بالعكس..
وكل من يقرأ قصائده سيهيم ويبتهج ويعانقه الحنين إلى عوالم فسيحة بمعانيها المتضادة، لانها كتبت بنفسٍ غير مألوف وروحانية مختلفة. فالف شكر لصديقنا الأديب والكاتب الكبير يوسف الجزراوي، كاهن الكلمة، وعراب المعنى لاجل هذه الصلوات الأدبية والترانيم الشعرية المدبوغة برمال سواحل البحار التي لن تسقط من تضاعيف المكتبة
الأدبية..فالبحر والنهر والظلُ والليل والطبيعة حاضرة في النصوص بشكل لا يخلوا من التكرار غير الممل في تنوع يشدك دون أن تدري… فنقرأ له:
قرب النهر الهولندي
الذي اِعتدتُ اِرتيَاده
ثَمَّة حديقة تحتضن ضريحًا
دفن فيه نصف روحي
وثَمَّة فراشات نائمة
اِفتَرشَت زهور الضَّرِيح وَسادةً
وثَمَّة أشجار في عناقٍ صامت،
فجأةً عانَقَني الحنين
فعانَقَتْ روحي المُنشَطِرة
إلى نصفين بعضها البعض
ولذَتُ بالصّمتِ والدموع
وبقي المشهد هكذا!
…. اِرتديتُ مِعطَف الذّكريات
وتسكعتُ إلى النهر مجددًا
وقفتُ أمامه بِسُّكُونٍ
لابُوح له وأُسكّن الأوجاع
وأسكبها في زجاجة الكلام
لتغوص بخاصرة الليل
صرختي المَكْتُومة
فالوردة التي اِمتَطَت
جَوَاد الأمنيات
عادت ميتة على فَرَسٍ
له صهيل كالبكاء!
ولم يغب عن المؤلف أن يطرق أبواب التساؤل الوجودية فيرى أن الحياة حفلة تنكرية كبيرة على مسرح الوجود يلعب كل واحد منا دوره، وغالبا لا يختار المرء دوره؛ بل الدور يفرض عليه او يختاره.
فإنه في قصيدة الليالي الدامسات يرى أن الحياة حلبة مصارعة كبرى مشبها فيها البشرية بثيران تخر صرعى الواحدة تلو الأخرى. بعد ذلك يعدد الشاعر مجموعة من الخسارات والانكسارات التي يحصدها الإنسان في مسيرة العمر إلى ان يتساقط رويدا رويدا من شجرة الحياة…فالموت لا يأتي مرة واحدة فجأة، بل على مرات عدة ومتكررة خلال رحلة العمر إلى أن تحين لحظة الرحيل الابدي…هذا ما قاله لنا في بعض النصوص:
حلمٌ تآكل…
قرفتُ من كل شيء.
أن ترى الزُنَاة في أروقة أقدس الأماكن.
أما عن حبه الكبير للعراق فكتب:
يا عِراق
عشتُ البعُد بالقُربِ منكَ
فأبتعدتُ ولازلتُ أَتَنَفَّسُكَ بعمقٍ
رغم المسافات الطويلة.
أجلْ
اِسْتَنشَقُ زَفَيركَ شهيقًا عميقًا
كي لا اختنقُ من بعُدي عنك.
وفي نصٍ آخر يقول:
فأيُّ حُبٍّ أحُبّك ….
حتّى الحُبّ تعجب من حبي
لذا لن ابيعك
في سوق الأوطان
فالوَيْلُ لي
إن متُّ على حبٍّ
غير حبِّ العراق.
وفي موضع آخر يسرد لنا إشكالية حبه لبلده:
قررتُ أن أصلحَ الخطأ
وأرمي عليه يمين النسيان
بعد أن غسلَ حُبّي
وعلّقهُ على حبالِ الفراق
ليجفّ تحت شّمُوس الوداع
فالخطأ الوحيد الذي اِقتَرفَتَهُ
والخارج عن إرادتي تمامًا
إني كنتُ متَيَّمًا بحبِّ بلدٍ
يُدعى العراق
.
وعن بغداد كتب:
حين طوّق حزام الموت عنِق بلدي
وضعتُ أذني على قَلْبِ مدينتي
فلم أسمعُ نبضها!!.
أما عن بغداد وحكاية ترحاله دوّن لنا:
وكلُّ مدينةٍ …
حلّقتُ في أجوائها
وضعتها بجوار قلبي وشكرتها
إلاّ مدينة واحدة غادرتها
لكني في حُجْرةِ القَلْبِ
أسكنتها لوحدها.
وعن سياحته الثقافية يقول:
كلُّ العواصم التي مرّرت بها
كانت تشمُّ فيَّ عَبِق الحضارة
دون أن أحكي لها
من أيّ عاصمةٍ جئتها!.
كما يزخر الديوان بالعديد من الومضات نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
بلدي
يوم أمس
بكيتُ في الكنيسة
كما لم أبكِ
في حياتي قط!
فسقطَ من عيني دَّمع
جمعتُ كُفوفي
وجثوتُ لاجمعه
فكان مطر السماء
أقل منه!
وما الدموع؟
سوى صلاة صامتة
لا يفهمها سوى الله.
ويصف غربته فيقول:
أيّتُها الغربة رُحماكِ
يوسف كنتُ لكِ
فكنتِ لي بئرًا!!
وفي ومضةٍ أخرى عن الغربة يكتب:
لازلتُ أقطفُ
من صمتكِ صمتًا
أرمي به
في قعر الأعوام!
فحتّى متى سأجمعُ
من صّمتكِ حيرة
تنمو وتتسع وتكبر
مع الأيام؟
أصائمة أنتِ عن الكلام؟
فماذا دهاكِ
أراكِ مثل فراشةٍ
مصابة بالدوار
تهيمُ حول وردةٍ
بلا رحيقٍ و وئام !؟.
ومن جديد يناجي القارئ بنص عن الاغتراب:
كَم انفردتُ بنفسي
وفاوضتُ ذاتي
على حواف الأرصفة
المُبتلة بدموع الغرباء
من أجلِ عزلةٍ
لا أعلمُ كم تطول
لكي أُهادن عقلي
واستفتيّ قلبي
للانفصال عن الغربة
فأرسل لها قبلة
بفم الوداع
من أرضِ وطنٍ
صلبني فوق جُلجُلة المنافي
وأنا ما بلغتُ عمر الورود!
ولم يغب عن الديوان بعض النصوص الوجدانية عن غربته الطويلة:
في الليلِ الموجع
أقفُ على عَتَبَةِ قَلْبكِ
أتلصصُ على نوافذِ غموضكِ
لانصتُ إلى صّمتكِ الناطق
فالحوت الذي أخذَ الحذر
من الخلجانِ والأنهار والبحار
سقط غريقًا
في شلالات عينيكِ!
وكتب في نص نثري مشابه:
مدينتي
لا صوتٌ منكِ ولا صدى
لكني لا زلتُ التَقطُ صوتكِ
من خشخشةٍ جميلة
كانت تأتيني من ضحكةٍ تَطرَّبني
أشبه بموسيقى Giovinni Marddi
وعن الصمت كتب:
عاصمتي
سأصمتُ لتسمعيني
فالصمتُ حديث
له ألف لسان
يجيد كلّ اللغات…
ولا من عملٍ أو حديثٍ
فيه بركة وإبداع وحوار
إلاّ وسبقه صمت واِختلاء وصلاة..
لذا سأصمتُ عن الكلام المُباح
إلى أن يطلّ عليكِ بدر الكلام.
وفي نصٍ مغاير يتسلق فيه على حبال الوجود فيقول:
لازلتُ أُخبئ الفرح
في حقيبة الحزن
لذا سابتسم بوجه الأحزان
فالفرح الذي انتظرته
تاهت منه الدروب!
أما عن الدموع فقال:
لن استحي من دمعتي
لأنني إنسان
ومنذ متى تستأذن الدمعة
عين صاحبها؟
فقد ذرفتُ الدّمع
يوم هجَّرتُ من العِراق
ويوم غادرتُ هولندا
وفي كلا البكائين
كانت هناك دمعة
على بلدٍ
قد لا أعود إليه مُجددًا.
وعن الأحلام والامنيات العالقة بكعب الظروف ساق لنا الجزراوي:
حلمٌ حلمناه معًا
انسكب في فنجانٍ مكسور!
كالذي أدلَقَ عطرا
من زجاجة كبيرة
في زجاجةٍ صغيرة
سقط في داخلها
أقل القليل منه
وسالَ معظمه على جوانبها
وتبدد في العدم!
من نصوص الديوان المميزة والجميلة:
حكاية نزوح، يوم تصعلك الامريكان ببلدي، وردة على اِنقاض حلم، الدموع أصدق المراثي،قبلة بفم الوداع، أصل الحكاية، جثة تثأر من قاتلها، حجرة القلب، صلاة منزوعة الدسم، الإبرة تكسو الناس وهي عارية، خداع الأوهام أمنية على عتبة الدار، الصمت جثة المكان، باعوا الوطن بالتقسيط، على سكة الوفاء، قهقهة في جنازة رجل، ماذا دهاك يا وطني، وصية عراقي مغترب، أقطفُ من الصمت، حلم تآكل، الله كريم يا عراق، باب الوطن، سائق التكتك، حلم فاته القطار، إلى ساسة بلدي، أبي قال لي ذات مرة، الدموع صلاة صامتة، حدثني النهر،
سجون الصمت، ما اشبه ليلة اليوم بالبارحة، حتّى متى، حطب الكلمات، أنا كالمطر اترك العطر والاثر، عداد العمر…..الخ من النصوص والومضات .
صديقنا الاب يوسف( النورس البغدادي) المغترب عن الديار جلّ الشكر لك على هذه التحفة الادبية، فأنت في أفئدتنا نحن القراء وفي قلب العراق قصيدة جميلة وكتاب خالد بتوازن إنساني وأدبي ومؤلفات مثمرة ورائعة لها عبق بخور الكنائس وإريج الانسان .
إنها دعوة صادقة وملحة لقراءة ديوان سيلفي مع الوطن، فهو في رأيي الادبي من اصدق وانضج ما كتبته لنا أنامل وجدان الأديب الكاهن يوسف جزراوي، فالديوان كغيمة حبلى بالمعاني الإنسانية والصور الأدبية والنصوص الشعرية بمذاق الألم والأمل.
أبونا يوسف شكراً مرة أخرى على هذا الحريق من حطب الكلمات، المشتعل في روحك النقية الساكنة بجسد جبلته يد الله من طين العراق، أرض الطيبة والمتنبي والابداع، نعم شكراً على مسك الرحيق. والكثير من الامتنان لدار ميزوبوتاميا على نشر هذا الديوان الطافح بالإبداع والإمتاع والإقناع.
فلا شك لي كقارئة ومختصة في المجال الأدبي أن نصوص ديوان سيلفي مع الوطن، ستحطُّ رحالها في افدة الناس وتستقر فيها، لتبعث فيها دفء الاوطان وحرارة الحياة ومعانٍ تمس صميم الانسان. إلى صديقنا الأديب والأب يوسف جزراوي اهدي تقديري وتحياتي و ودي، وأبارك له هذا الإصدار المميز ، متمنية له إطلاق المزيد من إبداعاته في فضاءات الأدب والإنسانيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.