التلوث بغيضٌ ومظاهره وأنواعه كثيرة ومتعددة، والتلوث بجميع أنواعه ضار وممقوت؛ لا يقبله الأسوياء من البشر، وما يهمنا هنا التلوث اللغوي بصفة عامة والبصري منه بصفة خاصة، ونعني بالتلوث اللغوي البصري الأذى الذي يلحق البصر والنفس عندما يرى الإنسان السوي خطأ لغويًّا مكتوبًا على ورق أو قماش أو أي وسيلة إعلانية أو إعلامية. إن التلوث اللغوي البصري يؤذي مَنْ يراه ويتعرض له نفسيًّا كما يؤذي ذائقته وسليقته اللغوية ويفسدها ويهدد هويته وعقله؛ لأنَّ التلوث اللغوي البصري ناتجٌ عن خطأ لغويٍّ أو تحريف أو عُجمة تفسد معنى الكلام أو تحرِّفه؛ فيصعب فهمه وتداوله؛ ممَّا يؤدِّي إلى فشل الموقف اللغوي، فيعجز البشر عن التفاهم والتواصل فيما بينهم، وبذلك تفقد اللغة وظيفتها الرئيسة التي تتمثل في نقل الأفكار والمشاعر والأحاسيس وإحداث التفاهم والتواصل بين بني البشر، وهي من أهم أعمدة قيام المجتمعات ودوامها؛ فإذا فشلت اللغة في القيام بدورها ضاع المجتمع وضاعت أحلامه، وكثرت مشاكله وصعب ردم الهوة بين أفراده؛ فتنشأ الخلافات بين أفراده؛ فيتناحرون فيقُضى عليهم. لذلك لا يستهين أحدنا بما يسمى بالتلوث اللغوي، فهو سرطان يسري في جسد اللغة والمجتمع، يفتك بهما بلا رحمة، فأكبر الحرائق من مستصغر الشرر، لذا يجب على الحكومات والأفراد مكافحة هذا النوع من التلوث، وهو أمر سهل بفضل الله تعالى ثم بفضل تكاتف الجهود وتكاملها بين أفراد المجتمع، ويا للأسف توجد بعض الوزارات والهيئات العربية في بعض البلاد العربية تُغرق الشوارع بإعلانات ولافتات تعجُّ بالأخطاء اللغوية الممقوتة، ولو أن القائمين على تلك الوزارات والهيئات حرصوا على لغتهم ودينهم ومجتمعهم وكانوا أكثر غيرة عليها واستعانوا ببعض خريجي أقسام اللغة العربية؛ لتفادى المجتمع الوقوع في مخاطر هذا التلوث اللغوي البصري الممقوت!! ولقد قامت المجامع اللغوية العربية وعلماء العربية بجهود مضنية ومخلصة في الشأن، وأصدروا القرارات التي تلزم الوزارات والهيئات وأصحاب الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية بكتابة الأسماء والإعلانات باللغة العربية، بل هناك عقوبات لمَنْ لا يلتزم بذلك، وعلى الحكومات العربية التشديد في تطبيق تلك القرارات شأنها شأن أي قرارات حكومية أخرى ضرورية لصيانة المجتمع وحماية مستقبله؛ لكننا يا للأسف نجد أن أكثر التلوث اللغوي البصري صادر عن هيئات ومؤسسات حكومية!! فهل هم منتهون ؟!!