(مِنْ عَلاَمِة الاِعْتِمِاد على العَمَلِ نُقْصانُ الرجَّاءِ عِند وَجُودِ الَّزلَل). الاعتماد على الشيء: هو الاستناد عليه والركون إليه، والعمل: حركة الجسم أو القلب، فإن تحرك بما يوافق الشريعة سمي طاعة، وإن تحرك بما يخالف الشريعة سمي معصية. والأعمال عند أهل الفن على ثلاثة أقسام: عمل الشريعة، وعمل الطريقة، وعمل الحقيقة. أو تقول عمل الإسلام وعمل الإيمان وعمل الإحسان. أو تقول عمل العبادة، وعمل العبودية، وعمل العبودة: أي الحرية. أو تقول عمل أهل البداية، وعمل أهل الوسط، وعمل أهل النهاية. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده. أو تقول: الشريعة لإصلاح الظواهر، والطريقة لإصلاح الضمائر، والحقيقة لإصلاح السرائر. وإصلاح الجوارح بثلاثة أمور: بالتوبة والتقوى والاستقامة. وإصلاح الظواهر باجتناب النواهي، وامتثال الأوامر. وإصلاح الضمائر بالتخلية من الرذائل والتحلية بأنواع الفضائل. وإصلاح السرائر وهي هنا الأرواح: بذلها وانكسارها، حتى تتهذب وترتاض بالأدب والتواضع وحسن الخلق. ولا يعتمد المريد فى سلوكه على نفسه ولا على عمله ولا على حوله وقوته، وإنما يعتمد على فضل ربه وتوفيقه وهدايته وتسديده. قال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة). وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله، قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته). فالاعتماد على النفوس من علامة الشقاء والبؤس، والاعتماد على الأعمال من عدم التحقق بالزوال، والاعتماد على الكرامة والأحوال من عدم صحبة الرجال، والاعتماد على الله من تحقق المعرفة بالله. وعلامة الاعتماد على الله أنه لا ينقص رجاؤه إذا وقع في العصيان، ولا يزيد رجاؤه إذا صدر منه إحسان. أو تقول: لا يعظم خوفه إذا صدرت منه غفلة كما لا يزيد رجاؤه إذا وقعت منه يقظة، قد استوى خوفه ورجاؤه على الدوام، لأن خوفه ناشئ عن شهود الجلال ورجاؤه ناشئ عن شهود الجمال، وجلال الحق وجماله لا يتغيران بزيادة ولا نقصان، فكذا ما ينشأ عنهما. بخلاف المعتمد على الأعمال إذا قل عمله قل رجاؤه وإذا كثر عمله كثر رجاؤه لشركه مع ربه وتحققه بجهله، ولو فني عن نفسه وبقي بربه لاستراح من تعبه وتحقق بمعرفة ربه.