- الإبداع كلمه لابد عند سماعها وقراءتها ان تذهب وتسبح بأذهاننا بعيداً ، فالإبداع هو الجمال ، هو الذى بدوره يضفى القيمه الجماليه على الاشياء ، هو اللمسة الذهبية الجمالية التي تبث الروح ، الإبداع هو مدى الإهتمام والدقه التى تتجسد في الخلق الابداعى حتى نراه في أبهى صوره والتى لا نملك ان نتخيل سواها ، الإبداع هو انا وانت ونحن وهو السبب في الوجود ، لذلك فلا يمكن ولا يجب ان تمر علينا تلك الكلمه البسيطه واليسيره في ذكرها العظيمه في معناها ومدلولها مرور الكرام . - إسمحوا لي بعد تلك المقدمه البسيطه والموجزه ان نطير بعيداً لأشرككم معي في رحلتي مع احد المفكرين المميزين وواحد من الفلاحين البسطاء . كانت البدايه عندما خرجت وحدى صبيحة احد ايام هذا الاسبوع لانال كعادتى قدراً كافياً من الهدوء ولاتامل واتدبر جمال الخلق والابداع . وإذاً بي جالساً في مكاني المعتاد حتى لمحت على يمينى وجهاً مألوفاً بالنسبه لى وتذكرت بالفعل انه احد المفكرين الذى استمعت اليهم من قبل ولكننى لا اتذكر اسمه بالتحديد ، وفوجئت وعلى غير المعهود بفلاح بسيط يجلس على يساري مرتدياً جلبابه الذى لطالما تعلق به . على الرغم من التباين الواضح بيننا من حيث العمر ومن ناحية الفئه الا اننا تشابهنا في غايتنا وتوحدنا في هدفنا ، فالطبيعه صهرتنا جميعاً كأشخاص مختلفين من كافة الجوانب داخل بوتقة واحدة وهي محاولة الابتعاد عن القشور والسطحية و رفض العيش على الهامش ولو للحظات . كان كل منا ينظر في اتجاه وكان كل عقل يحلق في اغواره الخاصه ولكننا في الاغلب كنا نرى نفس الشيء . توجهت ببصري صوب الفلاح وسألته سريعاً ودون اي تعارف "ماذا ترى فى حركة الشمس هكذا وهى تقبل على الغروب؟" فيجيب قائلاً هذا المشهد هو مصدر ومحرك قوتي ومقدرتي على مواصلة الجهد والعمل ، هو صورة تعبر عن مدى بساطة الكون وهنا يكمن سر الجمال ، فكما ارى هذه البساطه هى سر عظمة الخالق عز وجل في علاه وسر عظمة ابداعه . وتوجهت بعدها مباشرة بسؤال سريع لمفكرنا المميز : " ماذا ترى عندما تنظر للقمر وهو مضيء لكوننا الفسيح كمصباح كبير في وسط منزل مظلم ومن ثم يذهب ليختفى بعيداً قبيل الشروق؟" رد المفكر بعد لحظات من التركيز والتدقيق قائلاً : أرى الكثير من الاسئلة التى لا اجابه لها وتتداعى امامي الغازاً لا ارى حلاً لها ، في نظري مشهداً كهذا يحاكى عظمة الوجود والابداع الالهى الخارق للعاده ، وهذا الغموض اراه هو الذى يلهمنى القدره والرغبة في مواصلة التفكر والتأمل . إستخلصت فكره هامه من تلك الاجابات الموجزه والعميقه الا وهي ان احد معجزات هذا الكون المدهش كما اراها هي ان الله سبحانه وتعالى خلق وابدع كوناً يتناسب في بساطته واقل العقول ذكاءً وبصيرة ويلائم في تعقيده اكثر العقول عبقرية واعمقها تأملاً ، ولكن يبقى العقلين متفقين على مدى عظمة الابداع الالهى ومقدار تدبر وحكمة الله سبحانه وتعالى ولكن لكل منهما عيوناً مختلفه . مازلنا جالسين ومستمرين في جولتنا المخترقه لثنايا الابداع ، فإذا بي من جديد اعاود مباغتة الحضور بسؤال قصير فقلت : وما الفرق من وجهة نظركم بين الابداع الالهي والابداع البشري؟ وبعد تفكير وتروّي يجيب المفكر تاركاً الفلاح منغمساً في البحث عن اجابة منطقية ومقنعه في حدود فكره وقدراته فيقول : ما من شك ان الإبداع الالهي اشمل واعم مقارنة بالابداع البشري من كافة الوجوه فالإبداع الالهى نستطيع ان نتلمسه ونتحسسه كلما نظرنا وتأملنا فيما حولنا فلمسة الله الخالق المبدع سبحانه وتعالى تخترق قلوبنا وعقولنا حيثما تفكرنا ، فالإبداع الالهي هو الحاله النهائيه والمثاليه التي يؤول اليها الكون . اما الإبداع البشري فيعتبر في علاقته بالابداع الالهي "باحث" فمن خلاله يسعى ويتطلع الانسان في خطى حثيثه الى ادراك اسرار وكنة الكون "الابداع الالهي" ، وبذلك فإنه بدون الابداع الالهي لم يكن ليوجد ابداعاً بشرياً . يواصل المفكر اجابته في إسهاب ان الابداع الالهي يبقى محتفظاً بحيويته على مدار العصور والازمنة فالإبداع هنا ثابتاً في مادته ولكننا نستقبله روحياً بطريقه مختلفه في كل مرة يبزغ فيها . اما الإبداع البشري فمهما بلغت مرونته وحيويته اكثر من جانب ومهما بلغ تأثيره في النفس الانسانيه فسيبقى يلعب دور التابع الذى يحاول ان يقوى على المناقشه !! وبعد هذه المناقشه الرائعه والمثيره عدت الى منزلي تاركاً الباب مفتوحاً امام عقلي للمزيد من الاسئلة ومن يدري؟!