الظلام يغمر المكان ..الصمت لغة العجز والخوف من المصير .. إلاضطراب رد فعل صياح الأبناء..من خلف الباب الصغير قالت الأرنبة فى عتاب : أنت السبب فيما نكابد من عذاب.. رفع الأرنب رأسه وتساءل فى دهشة: أنا ؟.. ردت بثقة: طبعا طبعا .. عاد يتساءل كاتما غيظه: لماذا؟ .. أجابت ناظرة إليه: حلمك بالمُلك .. أنسيت حلمك أن تكون لنا مملكة ؟ .. قال بشىء قليل من الفهم: لم أنس .. وها قد أصبحت لنا مملكة .. فماذا فى هذا ؟ .. تراجعت قليلا وقالت: -- ولكن أى فائدة من المُلك ونحن لانستطيع تدبير شئونه ؟ .. حرك رأسه متعجباً وقال : أية أمور ؟.. ردت بصوت قوى: طعام الأعداد الغفيرة من الصغار والكبار الذى تستولى عليه الديوك الرومية بمساعدة عبد الجبار وست الدار . خرج الأرنب عن ظاهر هدوئه وصاح : دائما تلقين اللوم فوق رأسى ..وكأنى وحدى وراء عدم كفاية الغذاء لأبناء المملكة .. ساد الصمت لحظة وأردف : وتتجاهلين أنك السبب ؟! دقت صدرها واقتربت منه ودفعت مستنكرة : أنا ؟ ..ألست أنت الذى تحوم حولى كل ليلة ولا تتركنى الا وقد ...... تماسكت نفسه وقال: دعينا من تبادل الإتهامات ..السكوت أفضل من الكلام فيما لاخير فيه.. قالت غاضبة: لا أستطيع الصمت ..خاصة عندما رأيت بعض الأبناء يتسللون الى حظائر الآخرين ليحصلوا على حاجتهم من الطعام .. إعتدل الأرنب فى جلسته .. نبش تراب السطح موسعاً الحفرة التى يجلسان فيها .. دنا برأسه من وجهها .. حاول تطويقها .. تخلصت منه بسرعة وهى تقول : دعك من هذا وكن عاقلاً .. أنفعل ما تفعله "ست الدار وعبد الجبار" ؟ .. من الأفضل أن نفكر فى وسيلة نعالج بها الشهية المفتوحة لهما والتى أورثتنا الخوف والعذاب. تراجع فى خجل وقال: هذه مسألة غاية فى البساطة .. حركت رأسها مستوضحة : كيف يا فيلسوف ؟.. تنهد وشرع يشرح فى ثقة : عندما تكثر أعدادنا فإنها تؤثر على مقررات الطعام التى تأتينا.. كما أنها تغرى ست الدار وعبد الجبار باغتصاب أبناء المملكة .. لأنهما كما تعرفين من آكلى لحوم الأرانب التى تتصف بالوداعة والطيبة .. عندئذ تصيبهما التخمة والإمتلاء .. وبالتالى لايجدان وسيلة للتخلص من هذه الطاقة الزائدة إلا فى الخلوات الليلية .. وانت تعلمين يا أرنوبتى الحبيبة أنه ما اجتمع اثنان الا وكان ................ بان الود فى عينى الأرنبة وعلقت: أحياناً يا أرنوبى الحبيب يكون كلامك رقيقاً وصحيحاً وممتلئاً بالحكمة .. إقتربت منه .. ألصقت رأسها برأسه .. مرت بيدها على ظهره .. تراجع ضاحكاً واستطرد مازحاً : ودائماً فإن الشيطان عند تواجده يجلس الى جوار "ست الدار" .. ردت الأرنبة في دلال : ودائماً تشك في نيتي .. إني أردت اختبار إرادتك فقط .. أكمل يا أرنوبي أكمل .. واصل حديثه : وأنت تعرفين نتيجة هذه الخلوات .. ثم بعد ذلك وعندما تلح نوبة السعار علي "ست الدار وعبد الجبار" فإنهما يتنصلان من واجبات العشرة ويعمدان الى الفتك بأبنائنا وبناتنا .. فتبقي الحسرة في فؤادك الرهيف والأسى فى قلبى الطيب الضعيف . حركت الأرنبة أذنيها منتشية بمنطق زوجها وقالت: -- هذا والله صحيح .. وانها لكارثة تكاد تقضى علينا جميعاً .. ثم أطرقت برهة وسألت: وماذا نفعل ؟.. فكر الأرنب مليا ثم قال: لا حيلة لنا الا فى شىء يأباه ضميرى .. ماهو ؟.. أجاب هامساً : أن نسطو على مخزون (الديوك الرومية) أو نهرب عند الفجر لننضم الى ممالك الآخرين حيث وفرة الطعام والأمن من الإفتراس .. ردت الأرنبة في حزم : لاأستطيع أن أفترق لحظة واحدة عن عيالي.. قال الأرنب : فعلينا اذن بالطريقة الأخري.. قالت : هذه محفوفة بالمخاطر .. وخطرها لايقل عن خطر الهروب .. ويبدو أنك فقدت عقلك .. ثم وثبت وثبة طويلة وتركته وحيدا .. إعتراه الحزن .. واختل تفكيره .. اقترب منها محاولاً اقناعها بالعودة واستئناف الحوار ..أخفت وجهها في التراب ممعنة في الدلال والغضب .. لجأ الي الصمت والتفكير مرة ثانية .. ترامي الي أذنيها صياح (ملك الدجاج) من فوق السطح المجاور لهما .. رفعت رأسها .. أرهفت أذنيها .. تسللت في بطء حتي وصلت الي أطراف السطح .. جلست تتنصت الي الأنغام "الديكية" في نشوة واستمتاع.. تحاول نسيان المشكلات التي تؤرق أيامها ولياليها ومصيرها المحتوم مع أبنائها .. ظهر الضجر في عيني الأرنب .. وثب نحوها وناداها غاضبا متأثرا .. أقبلت عليه متبرمة ساخطة ..صاح فيها قائلا : حذرتك ألف مرة من محاولة التأمل والإنصات لصياح الغرباء .. دفعت في غيظ : وماذا في هذا ؟ .. ألا يكفينا مانعانيه من متاعب ؟ .. رد محتداً : إن هذا يخدش حيائي ويشعرني بفقدان الثقة.. قالت في سخرية: شبعت من كلامك الناعم واستوثقت من أنه لن يدرأ عنا خطر عبد الجبار وست الدار.. جلست الي جواره في صمت .. أسبلت عينيها تنشد قليلا من الراحة.. إنتفضت منزعجة عندما سمعت صراخ صغارها يطلبون الطعام .. وثبت نحوهم تطمئنهم بقرب موعد التوقيت اليومي لصعود "ست الدار" بوجبة الإفطار .. مضت ساعتان قبل أن تظهر حاملة إناء الماء في يدها وحزمة صغيرة من البرسيم تحت إبطها .. وفي يدها الثانية الطعام الخاص (بالديوك الرومية) عرجت عليهم وغابت عندهم .. تقدمت من حظيرة الأرانب ونثرت أمامهم حزمة البرسيم .. وقفت تنتظر إلتفافهم حولها .. تحركت مقلتاها يمينا ويسارا تتفحصان أعدادهم الوفيرة .. توجس الصغار خيفة .. ظهر الهلع في عيونهم .. أحجموا عن الإقتراب من الطعام .. بدا الرعب في عيون الأرنب والأرنبة.. راحا يرمقان وجهها في محاولة لإستقراء مايدور بعقلها .. انتحي الأرنب بأنثاه جانبا وهمس في أذنها متألما ً: أرأيت هذا الخداع ؟ .. عيناها تترجمان سر إبتسامتها وتفصحان عن نواياها الخبيثة .. أضافت الأرنبة : ويبدو أنها لن تكتفي اليوم بضحية واحدة .. علق الأرنب : واضح أنهما بذلا جهداً إضافياً ليلة الأمس والشهية مفتوحة عن آخرها .. ولما لم تتحرك الأرانب نحو البرسيم .. ولما أيقنت " ست الدار" إفتضاح أمرها .. دنت نحوهم بخطوات وئيدة متسللة .. إنتشر الرعب بينهم فهرعوا يتكومون في ركن واحد .. صاروا كتلة من اللحم لاتكف عن الحركة .. يحاول كل أرنب أن يختفي تحت أو بين الأرانب الأخري محاولا إقتناص فرصة أطول للحياة .. عندئذ مدت يدها وقبضت علي أرنبين .. وقفت الأرنبة ذاهلة والرعب يسري بين الأرانب الأخري .. استدارت " ست الدار " تهبط الدرج .. أسرع الأرنب خلفها يناشدها الإبقاء علي حياتهما حتي يتناولا طعامهما .. إستدارت ورمقته بنظرة حادة أرعدته .. تراجع يثب فزعاً مذعورا .. عاد الي الأرنبة .. دلفا الي الحظيرة .. بعد برهة قصيرة خرج الجميع إلى السطح يثبون ويزومون ........... ________________________ بطاقة القصة أعدها للمسرح شعرا عاميا فى فصل واحد الشاعر صفوت سليمان نشرت فى مجلة (العهد) بدولة قطر العدد 292 أكتوبر 1980 كتبت عام 1980 من مجموعة مملكة الأرانب ..... سنة 1988