رجل الدين في كل دول العالم له مكانته واحترامه، يعامل بكل أدب ووقار، حتى إن كثيراً من رؤساء الدول وملوكها لا يأخذون قراراً، أو يسنون دستوراً، مهما كان حجمه، إلا إذا رجعوا إليه. قبل أن تتحول مصر من مملكة إلى جمهورية، كان لرجل الدين شأنه ومكانته، ودوره الرائد في المجتمع، وكان ملوك وأمراء مصر السابقون، يتعاملون معه على أنه إنسان ذو هيبة وشأن عظيم، يجب احترامه واستشارته في كل الأحوال التي تمر بها البلاد، بل إنهم كانوا يتخذون منه صديقاً حميماً لهم، يطلعونه على كل صغيرة وكبيرة من أحوالهم. منذ أن تولى محمد نجيب رئاسة مصر، بعد الثورة السلمية التي قام بها الإخوان المسلمين، وقادها الضباط الأحرار، للإطاحة بالملك فاروق، إلى نهاية عهد مبارك، أصبح دور رجل الدين مهمشاً، ولا يرجع الرئيس إليه في أي شيء، بل أصبح في عصر مبارك إنسان غير مرغوب في وجوده أصلاً، لأنه كان يخاف منه لدوره المؤثر في المجتمع. شهادة للتاريخ، يعرفها القاصي والداني، أن محمد نجيب، لم يهمش رجل الدين، ولم يعتد عليه، أو يقلل من شأنه، لأنه لم يستمر في الحكم أكثر من عام. وإنما بدأت مضايقات رجال الدين في مصر على يد عبدالناصر وأعوانه، لأنه كان يخاف منهم، لأنهم من ساعدوه، في الانقلاب على الملك فاروق، وأيضاً الانقلاب على محمد نجيب، ويعلم أنهم يستطيعون الإطاحة به في أي وقت شاؤوا، فأراد أن «يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به». استمر اضطهاد رجال الدين من عصر عبدالناصر، الذي كاد أن يقضي عليهم، وقد مات منهم الكثير والكثير في المعتقلات أثناء التعذيب، حتى إن كثيراً من المواطنين الأبرياء اعتقلوا وذاقوا أشد أنواع التعذيب والتنكيل بحجة أنهم منتمون لجماعة الإخوان المسلمون، وفي الحقيقة إنهم لا يعلمون عنها شيئاً، لا من قريب أو من بعيد. أما عصر السادات، فكان على الرغم من أخطائه، إلا أنه كان أقل تعذيباً واعتقالاً للجماعات الإسلامية، من سابقه وخليفته، فتراوحت علاقته بهم بين الشد والجذب، وانتهى به المطاف إلى أن خطط بعض عناصر الجماعة لقتله، وما هو حدث عام 1981 في حادث المقصورة الشهير. أما عصر مبارك، فهو غني عن التعريف، فقد أعاد أيام عبدالناصر وأكثر، واستخدم كل أنواع التعذيب والتنكيل مع الجماعات الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، وكان لا ينطق اسمها إلا مرفوقاً ب«الجماعة المحظورة»، على الرغم من أنها أكبر جماعة لها أتباع ومريدون، وحاولت مرات عدة أن يكون لها حزب رسمي، وكل مرة يقابل طلبها بالرفض. بدلاً من تكريم رجال الدين، ووضعهم في مكانهم الصحيح، جعل رؤساء مصر الناس تخاف منهم، وتبتعد عنهم، خوفاً من أن ينسبهم رجال أمن الرئيس «أمن الدولة» إلى أي من الجماعات المحظورة، ويتم القبض عليهم ويعذبون دون سبب. بل زاد الطين بلة، عندما اضطر كثير من رجال الدين، ظناً منهم بأنهم بذلك يحافظون على وظيفتهم، للعمل كمرشدين لضباط أمن الدولة، يخبرونهم بما يحدث في مساجدهم. ذات مرة خرجت من المسجد بعد صلاة العصر، ومن عادتي احترام رجال الدين، حتى لو لم يكن بيني وبينهم سابق معرفة، فسلمت على الإمام عند باب المسجد، فأمسك بي أحد الجيران، وقال لي: هل تعرفه؟ فقلت له: لا! فقال: حاول أن لا تتكلم معه كثيراً، فهو يعمل مرشداً لأمن الدولة. فقلت له: يا أخي اتق الله ولا تتهم الرجل بالباطل، فقال: اسأل فلاناً، فهو أقرب إليه مني، ويعرفه جيداً. فقلت له: هداه الله وأصلح حاله. إلى هذه الدرجة جعلت الأنظمة الفاسدة، الناس تخاف من رجل الدين، وتتعامل معه على أنه عضو فاسد في المجتمع. انتهى عهد مبارك بكل حسناته وشروره، ويجب على الحكومة الحالية، وكل الحكومات الآتية، أن تغير وضع رجل الدين، وتضعه في مكانه الصحيح، وتكرمه، فهو رجل تخصص في علم شرعي ليخدم من حوله من أبناء جلدته، فيجب أن نستغله الاستغلال الصحيح، ونعطيه فرصة للقراءة والاطلاع والتزود من العلم ليخرج لنا أجيالاً صالحة تنفع المجتمع، بدلاً من أن نجعله جاسوساً على المصلين. وفق الله مصر وأبناءها، وأعان المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مهمته الحالية، إلى أن تجرى انتخابات رئاسية نزيهة، وأخرج الله مصر والدول العربية إلى بر الأمان.. إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوز كاتب مصري